فينيسيا ينتهي وتورنتو يبدأ

أفلام تسجيلية عن السياسة والحرب.. وأخرى للغناء والفن

مشهد من فيلم مايكل مور «أين نغزو تاليًا؟»
مشهد من فيلم مايكل مور «أين نغزو تاليًا؟»
TT

فينيسيا ينتهي وتورنتو يبدأ

مشهد من فيلم مايكل مور «أين نغزو تاليًا؟»
مشهد من فيلم مايكل مور «أين نغزو تاليًا؟»

مهرجان فينيسيا الذي يودّعنا يوم غد (السبت) هو أشبه بمنتجع هادئ إذا ما قورن بمهرجان تورونتو الذي بدأ أعماله يوم أمس في العاشر من الشهر الحالي.
في الأساس، هذه طبيعة المكانين: المهرجان الإيطالي يُقام فوق جزيرة صغيرة اسمها الليدو هي آخر عشرات الجزر التي تتكون منها مقاطعة فينيسيا. قبل المهرجان هي محطة لسياح عابرين (إيطاليين وبضع أوروبيين)، وبعده تعود كما كانت. لكن في خلال المهرجان تكتظ. المشكلة هي أنه في هذا العام لم تكتظ بما فيه الكفاية. لولا الضيوف القادمون من هوليوود والأفلام التي تم انتخابها للمشاركة في التظاهرات المختلفة كما في المسابقة الرئيسية لكان من الضروري القول إن الدورة لم تكن ناجحة.
على ذلك، ما إن وصلنا إلى اليوم الثامن من أيام المهرجان حتى أخذ الحشد يخف. كثيرون من الإعلاميين والسينمائيين طاروا منه إلى مهرجان تورونتو.
تورنتو بدوره لا يمكن أن لا يكون حاشدًا لأنه أساسًا يقع في مدينة وليس في بلدة. المدينة توفر أسبابًا مختلفة للبهجة. غير مكلفة (يمكن أن تأكل وجبة بخمس دولارات أو أخرى بخمسين) ومتنوّعة ومكان صالح للتبضع والتسوق إذا ما قرر المرء منح نفسه فرصة ما لهذا الغرض. في هذا الوسط تتوالى الأفلام التي حشدها المهرجان على نحو مضاعف. الطوابير عادة ما تكون أطول (كثيرًا ما تلتف حول البناية التي تقع فيها الصالة الكبيرة) والاختيارات متعددة. هناك ما يثير الاهتمام لفنه وما يثير الاهتمام لمجرد أنه فيلم حديث جدًا لم يمر على شاشة أي مهرجان آخر.

مناطق ساخنة
هذا العام لا يستطيع مهرجان تورنتو تجاهل حال العالم. هناك نبرة سياسية بارزة لجانب الكم المعتاد من التنويع الفني والترفيهي. في الواقع، اختار تورنتو النبرة السياسية من أول يوم. فيلم المشاغب الأميركي مايكل مور «أين نغزو تاليًا» (Where to Invade Next) هو فيلمه الأول منذ أن قدّم فيلمه (التسجيلي أيضًا) «الرأسمالية: قصّة حب» سنة 2009. فيلمه الجديد، كسابق أفلامه، جاد وساخر معًا. لكن في حين أنه تعامل مع الشأن المحلي راصدًا أزمة 2008 وأسبابها في «الرأسمالية..»، ينتقل هنا لاستعراض السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
لا يود مايكل مور أن ينشر المهرجان أي كلمة مفيدة عن فيلمه الجديد والمهرجان مطيع. بقي العمل طي الكتمان، باستثناء الإعلان عن موعده، إلى حين أطفأت الصالة أضواءها وبدأ عرض الفيلم المنتظر. الصالة لم تكن تحتوي فقط على الجمهور الغفير، بل حفنة من الموزّعين الذين كانوا هناك لمشاهدة الفيلم. خارج الصالة لا بد أن الوضع كان أشبه بكمين منصوب. ما إن ينتهي الفيلم ويقف مايكل مور ليرفع يده تحية للجمهور الذي يصفق له، سيتنافس المشترون على وكيله (أو عليه، كما توقع توم باورز، مدير البرامج التسجيلية) كل يسعى لشراء فيلم يدركون أنه سيحقق نجاحًا كبيرًا عليهم الاشتراك في قطف ثماره.
لكن فيلم مور قد يكون الأسخن لكنه ليس الوحيد. هناك 31 فيلما تسجيليًا معروضًا في دورة تورنتو (تحمل الرقم 40) أي بزيادة عشرة أفلام عما عرضته الدورة السابقة. والكثير من هذه الأفلام تطرح مواضيع سياسية تنبع من رصد ما يمر به العالم اليوم من أحداث.
أحد هذه الأفلام ينبع من القضية التي أثيرت عندما رصدت حركة طالبان فتاة باكستانية اسمها ملالا يوسفزاي لاغتيالها بسبب موقفها ونشاطها في حقل المطالبة بحقوق المرأة. الفيلم من إخراج دايفيز غوغنهايم.
في الجوار أيضًا فيلم حول اغتيال فريق محرري «شارلي إيبدو» بعد نشر المجلة تلك الرسوم والكتابات المسيئة للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.
ومن فرنسا إلى أوكرانيا حيث اختار تورنتو فيلمًا عن الحرب وأسبابها في ذلك البلد عنوانه «الشتاء على النار» لإيفنجي أفينيفسكي. وهو الوحيد الذي شهد عروضه في مهرجان فينيسيا أيضًا. يقدّر له جودة الرصد ومعاملة الوثائق المصوّرة بمستوى واحد من الحرفية، ويسجل عليه أنه ينقل وجهة نظر واحدة مما يجعله غير مهتم بالكشف عن الخلفيات المختلفة للحرب التي وقعت هناك.

بعد 43 عامًا
فينيسيا بدوره لم يخلُ من أعمال تسجيلية عدّة. أبرزها فيلم الإسرائيلي أموس غيتاي حول اغتيال إسحاق رابين من قبل المتطرفين اليهود. في ثلاث ساعات إلا ثلثًا، حكى المخرج المعروف في طي فيلمه «رابين.. اليوم الأخير»، عن كل تلك الظروف التي حاكت المؤامرة التي أدت لاغتيال رابين قبل عشرين سنة: مؤتمر أوسلو، سعيه لتطبيقه ومنح الفلسطينيين كيانًا مستقلا، موقف المتشددين والمواقف المتباينة منه بين أعضاء الحكومة وبالطبع عن المصوّر الذي كان حاضرًا لالتقاط تنفيذ الاغتيال، وادعى أنه لم يكن يعرف شيئًا والقاتل الذي نفّذ المهمة (ييغال أمير) بحث من جماعته اليمينية.
على وفرة الأفلام السياسية فإنها لا تحتل وحدها صدارة الفيلم التسجيلي حاليًا، بل يشاركها جمع من الأفلام التسجيلية حول الفنون كافة. وفي المقدّمة كل تلك الأفلام لمخرجين محتفى بهم، مثل برايان دي بالما وألفرد هيتشكوك وكارلو ليزاني وأخرى عن الموسيقيين. شاهدنا في فينيسيا فيلمًا عن المغنية الراحلة «جانيس» وفي تورنتو يوفر المهرجان للمشاركين فيه فيلم «مس شارون جونز» عن مغنية البلوز وصراعها ضد السرطان. وهو فيلم تم تصويره على عدة سنوات وقامت بإخراجه باربرا كوبل، أحد أفضل مخرجي السينما التسجيلية في الولايات المتحدة.
وكان من المفترض تقديم فيلم تسجيلي - غنائي آخر بعنوان «نعمة مذهلة» عن حياة مغنية الصول أريثا فرانكلين، وهو فيلم للراحل سيدني بولاك. تم تصويره سنة 1972 وتأخر تجهيزه كل هذه السنوات لأن بولاك ارتكب غلطة الشاطر، إذ أغفل التسجيل الصوتي على الصورة ثم رحل وبقي الفيلم غير جاهز. الآن وقد تم تجهيز الفيلم تقنيًا للعرض، تدخلت المغنية ذاتها لوقف عرضه والمحكمة الأميركية أيدتها.



شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
TT

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)

TO KILL A MONGOLIAN HORSE ‫★★★⭐︎‬

* إخراج: جيانغ شياو شوان | Jiang Xiaoxuan

‫* هونغ كونغ / ماليزيا

من بين كثير من المشاهد اللافتة يوجد في هذا الفيلم مشهدان متباعدان، في الأول يربت ساينا على رأس فرسه الذي يستجيب لحنان صاحبه ويميل برأسه فوق كتفه بحنان ظاهر. في المشهد الثاني قبيل النهاية يتقدم ساينا صوب الحصان نفسه يربت على وجهه، لكن الحصان ينظر إليه سريعاً ومن ثَمّ يشيح بوجهه بعيداً عنه. تمر بين المشهدين أحداث تنعكس على تلك العلاقة، فساينا مُخيّر بين أن يبيع حصانه ويعتزل المهنة التي توارثها بصفته مدربَ خيول وفارساً، أو البقاء في ذلك العمل. الحصان لا بد بات يشعر بأن صاحبه لم يعد ذلك الرجل الواثق من نفسه وقد يضحي بالفرس متى شاء.

«لقتل حصان منغولي» يطرح طوال الوقت (85 دقيقة) مسألة بين الأمس واليوم. إنها صحاري منغوليا الجافة التي لم تعُد تشهد مطراً كافياً لإنبات الأرض. السبب في الأزمة التحوّلات البيئية، وهذه واحدة من المسائل المطروحة بوضوح. تشكل عصباً مهماً كون صلب الموضوع يتعلق بحياة تتغير لا يستطيع ساينا فعل شيء حيالها. إنه مرتبط عاطفياً بتقاليد فروسية ومعيشية متوارثة في حين أن المتغيرات طرقت باب تلك التقاليد ولا مجال للحفاظ على الوضعين معاً. على ساينا ترك الماضي أو الانضمام إلى الحاضر. قدمٌ هنا وقدمُ هناك، والفيلم ينتهي بقرار يرتاح المُشاهد إليه.

كانت المخرجة الصينية الشابة جيانغ شياو شوان صوّرت فيلماً قصيراً في تلك الأنحاء وتعرّفت على مدرّب الخيول ساينا وراقبته في عمله. هذا ما أوحى إليها بإخراج هذا الفيلم عنه وعن البيئة وأزمة الوجود بين عالمين على المرء أن يختار بينهما. ساينا ممثلاً لديه القدرة على استخدام عدم حرفيّته في تناسب مع الشخصية التي يؤديها. رجل لديه من المتاعب مع والده السّكير والمديون ومطلّقته. في مشهد آخر يذكّره والده بأنه هو من وضعه فوق الفرس لأول مرّة عندما كان طفلاً صغيراً. يحاول ساينا فعل ذلك مع طفله، لكن طفله يخاف. هي فعلاً حياة أخرى تندثر سريعاً.

الفيلم معزّز بالألوان والإضاءات المناسبة داخلياً وخارجياً. الإيقاع متمهّل، لكنه ليس مُملاً وفيه ملامح من بعض أفلام الوسترن الأميركية التي تحدّثت بدورها عن غروب حياةٍ وبدء أخرى.

* عروض مهرجان البحر الأحمر.

★★★⭐︎‬SIMA‪’‬S SONG

* رويا سادات | ‪Roya Sadat‬

‫* هولندا، فرنسا، أسبانيا ‬

لعلها صدفة لم تستطع المخرجة رويا سادات تحاشيها، وهي أن بداية فيلمها هذا شبيهة ببداية فيلم أفغاني القضية أيضاً، حققته ساهرا ماني في فيلمها التسجيلي «Bread ‪&‬ Roses» الذي شوهد في 2023. كلاهما يبدأ بمظاهرة نسائية في كابل تنادي بحقوقها. بعد 3 دقائق ينفصل الفيلمان بالضرورة ويعود «أغنية سيما» من زمن «طالبان» الحالي إلى عام 1973 عندما كانت أفغانستان على وعد مع التقدم المجتمعي. سورايا (مزهدة جمالزاده) هي إحدى المتظاهرات ومع عودة الفيلم إلى فترة سابقة نجدها حين كانت لا تزال شابة تؤمن بمبادئ التحرر عموماً وتحرر المرأة خصوصاً. في الواقع الحكاية التي نشاهدها هي حكايتها وليس حكاية سيما (نيلوفار كوقحاني) صاحبة الصوت الجميل التي حين تغني، في أحد المشاهد، تثير إعجاب الحضور.

«أغنية سيما» (بلوتو فيلم)

حينها، يقول الفيلم، كان بالإمكان للفتاة الظهور بتنانير والرجال بربطات عنق. صداقة سورايا وسيما قوية لدرجة رفضها الإفصاح عن مكان صديقتها سيما وزوجها عندما انضما إلى حركة «طالبان» وبدأت الحكومة الأفغانية سلسلة الاعتقالات والتحقيقات. مع اعتقال سورايا والإفراج عنها واحتلال الفيلا حيث كانت تعيش مع أهلها يدخل الفيلم جوّاً داكناً في أجوائه كما في تأطير مشاهده. يزداد التوتر وتبدأ رسالته بالتبلور صوب مراميها على نحو أفضل. إنه فيلم عن آخر فترة من حياة ثقافية ومجتمعية واعدة قبل دخول الاتحاد السوفياتي للدفاع عن الحكومة والولايات المتحدة لتأييد «طالبان».

يذكر الفيلم أن الأحداث مأخوذة عن قصّة واقعية، لكن هذا ليس ضرورياً، خصوصاً أن الشخصيات معروفة. ما يمكن التنويه إليه حقيقة أن التصوير وظّف أطراف مدينة أثينا بنجاح لافت.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

في الصالات

* Juror‪#‬2 ‫★★★★‬

- دراما محاكِم نوعها غير معهود، للمخرج كلينت إيستوود، عن عضو لجنة محلّفين يحاول إخفاء جريمته.

* Nosferatu ‫★★★⭐︎‬

- يُعيد المخرج روبرت إيغرز سرد حكاية «نوسفيراتو» (1922) بزخم وطاقة جديدتين. يتضمن لحظات مرعبة.

* Carry‪-‬on ‫★★★‬

- تشويق جيد من جومى كوليت سيرا، حول رجل أمن في مطار مهدد باغتيال حبيبته إذا لم يهرّب متفجرة إلى طائرة.

* The Substance ‫★★⭐︎‬

- المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، تضع ديمي مور في بطولة فيلم عن امرأة تنشد شباباً وأنثوية دائمين.