في بيتنا مصمم: رامي قاضي.. وداوني بالتي كانت هي الداء

حوّل فوبياه من الحشرات إلى تشكيلة تخطف الاضواء

رامي قاضي خلال تحضيراته لأسبوع باريس
رامي قاضي خلال تحضيراته لأسبوع باريس
TT

في بيتنا مصمم: رامي قاضي.. وداوني بالتي كانت هي الداء

رامي قاضي خلال تحضيراته لأسبوع باريس
رامي قاضي خلال تحضيراته لأسبوع باريس

قد يقول البعض، من باب الحسد والغيرة، إن سبب تداول اسم رامي قاضي في أوساط الموضة بهذا الشكل المكثف في الموسمين الأخيرين يعود إلى الدعاية الذكية واستقطابه وسائل الإعلام بدماثة أخلاقه ولباقته، لكن الحقيقة التي تلمسها بعد أن تقترب منه ومن أسلوبه وما يحفزه على الإبداع غير ذلك تماما. فهو يستحق التهليل له، ليس لأنه مصمم في مقتبل العمر فحسب، أي يتمتع بفورة الشباب المطبوعة بالجرأة وحب المغامرة، بل لأنه مسكون بالرغبة في الاختلاف والابتكار لإرضاء ذاته وإرساء أسس اسمه لكي يبقى راسخا. هذه الرغبة في الاختلاف هي التي تميزه عن غيره، رغم أنه لا يخفي إعجابه بإيلي صعب والراحل كريستيان ديور. لكن هذا الإعجاب يبقى في إطاره ولا يصل إلى التقليد، باستثناء بعض اللمسات الخفيفة التي تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي، وهي الحقبة التي تسلطن فيها السيد ديور. وحتى هذه فإنه يطوعها ويصوغها بطريقته لتصبح ملكيته الخاصة.
أكبر دليل على اختلافه أنه في تشكيلته الأخيرة، التي قدمها أول مرة خلال أسبوع باريس، لم يستوح تصاميمها أو ألوانها من عالم الفن أو السينما أو ثقافات بعيدة ولا حتى من كتب التاريخ كما هو معتاد أو متوقع، بل انطلق من عالم الحشرات، وتحديدا العناكب واليراعات. يقول إن الفكرة خطرت بباله أساسا لكي يحرر نفسه من فوبيا رافقته لسنوات طويلة، وثانيا ليثبت أنه من أسوأ الأشياء التي تعترض طريقنا، يمكن أن تولد تصاميم مفعمة بالأنوثة والحداثة التي يعانقها بشدة وتجلت في استعماله تطريزات ثلاثية الأبعاد تصور هذه الحشرات، وعلى رأسها اليراعات، التي تلمع في الظلام. التحدي بالنسبة لرامي قاضي كان هو كيف يجعل هذه الفساتين، وعددها 13، تضيء في الظلام من دون أن تبدو غريبة ومسرحية، وتوصل إلى أنها عندما تكون بخامات مترفة وتصاميم راقية تصبح قابلة للابتكار، بدليل تصاميم الراحل ألكسندر ماكوين، التي أكد لنا فيها أن الجمال يمكن أن يولد من القبح، وفي حالة رامي قاضي يمكن أن يولد من الخوف.
يعود رامي بذاكرته إلى الوراء، عندما كان طفلا في الثامنة من العمر تقريبا، كان يجرب سترة عندما تفاجأ برؤية عنكبوت صغير يتعلق ببطانيتها الداخلية. غني عن القول إنه صرخ من الرعب، ومنذ ذلك الحين أصبح كل ما يتعلق بعالم الحشرات يسبب له حساسية نفسية ويثير بداخله أقصى حالات الخوف. قام بعدة محاولات لتجاوز هذه الفوبيا من دون جدوى، وفي الأخير قرر أن يعالج نفسه بيده وبالدواء الذي يعرف تأثيره الإيجابي على نفسه جيدا، وهو التصميم. خطرت له الفكرة في إحدى الأمسيات، كانت في البداية مجنونة وتساءل حينها: لم لا يلعب بهذه الحشرات ويحولها إلى أشياء جميلة حتى يستطيع التعامل معها بشكل طبيعي؟ في الصباح الباكر توجه إلى الاستوديو وبدأ عملية استنفار وظف لها كل طاقاته الخيالية والإبداعية. وبعد أسابيع تمخضت جهوده على هذه التشكيلة التي يؤكد أنها كانت الدواء الشافي، ليس على المستوى الشخصي فحسب، بل أيضا الفني لما أثارته من انتباه عالمي وجلبت له من حظ تجلى في التغطيات الإعلامية والإقبال على التشكيلة، على الأقل لتصويرها.
فمن كان يتصور أن يضيء فستان طويل بمجرد أن تخفت الأنوار ويحل الظلام، بهذه الطريقة المبتكرة والأنيقة في الوقت ذاته؟ ربما لن تروق فكرتها لامرأة تعدت الخمسين من العمر، لكنها حتما تخاطب شريحة الشابات المتعطشات للجديد وللمسة مرح وشقاوة. صحيح أن الشك ينتابك لدى سماعك القصة، ولا تصدق أن العلاج من فوبيا، بالحجم الذي كان يعاني منه، يمكن أن يكون بهذه البساطة، وتتعاطف معه محاولا إقناع نفسك بأنه من حقه، كأي مصمم، أن يؤلف ما يحلو له من قصص حتى يضفي على تشكيلته بعض الإثارة، لكن بمجرد الحديث معه، يقنعك أن القصة ليست من نسج الخيال وأنها واقع عاشه، شارحا كيف قضى فترات طويلة وهو يختبر كيف يمكنه تجسيد شبكة عنكبوت تبدو حقيقية، تارة بغزلها من صوف الموهير وتطريزها على أقمشة الرافيا، وتارة بجدل الكثير من الخيوط كضفائر ليخلق منها أشكال يراعات يطرزها فيما بعد على الدانتيل. يشرح أيضا أنه أخضع الخامات التي وقع عليها اختياره لتقنيات الليزر وقطعها قبل أن يلصقها على صوف الموهير. ولا شك أن ما يثير الانتباه في هذه التشكيلة إلى جانب أنها تضيء في الظلام، فتكتسب الحشرات لونا أخضر زاهيا وحياة وديناميكية، وإضافة إلى أشكالها الأنثوية بتنوراتها المستديرة، خاماتها المترفة مثل الفرو الذي يزين أجزاء من هذه الفساتين.
تجدر الإشارة إلى أن رامي قاضي ليس جديدا على المهنة، فقد انطلق منذ عدة سنوات، ويعود الفضل في التعريف به، على مستوى جماهيري، إلى المغنية مريم فارس. فهي واحدة من أشد المعجبات به، وتظهر في أغلب المناسبات بفساتين من تصميمه. بعد كل هذه السنوات، وبحكم أنه تعدى فترة الانتشار وحقق النجاح التجاري الذي كان يتوخاه بافتتاح محلات في بيروت وعدد من الدول العربية، فإنه الآن يعيش مرحلة «الاختيار» كما يقول، ويريد أن يرضي ذاته ويبرز قدراته بغض النظر عن الربح والمكسب. ويوضح أنه لو فكر من هذا المنظور «لن أتقدم قيد أنملة ولن أقدم أي جديد، لأن الخوف من الفشل سيكبلني» وهذا ما لا يريده ويخاف منه أكثر من خوفه من الحشرات.
ما نجح فيه رامي قاضي في تشكيلته لخريف وشتاء العام المقبل، أنه ذكرنا بأن موسم الـ«هوت كوتير» هو موسم التجارب، بغض النظر عما إذا كانت تشكيلته ستبيع أم لا. فهذا الموسم بمثابة مختبر للأفكار الجديدة التي يمكن تطويعها فيما بعد حسب رغبة الزبونة حتى تناسب أسلوبها الخاص وهو ما يغيب عن ذهن الكثير من المصممين الشباب الذين يعطون الأولوية للتصاميم المضمونة على حساب الإبداع والابتكار.



هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
TT

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

إذا اتفقنا على أن مجلس الموضة البريطاني هو الربان الذي يقود دفة هذا القطاع بتقديم وسائل الدعم والأمان لصناعها والمبدعين فيها، فإن تعيين لورا وير رئيساً له، ذو أهمية قصوى. ربما الآن قبل أي وقت مضى. فهذا القطاع يعاني منذ عدة مواسم. محلات كبيرة أغلقت أبوابها واكتفت بتوفير منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني، ومصممون شباب اختفوا من الساحة، أو على الأصح من الواجهة بسبب شح الموارد والإمكانات وغيرها من المشكلات التي لا تزال تبحث عن حلول.

شح الموارد والتغيرات الخارجية

حتى دار «بيربري» التي كانت أكبر قوة جذب لأسبوع لندن تعرضت لمشكلات كثيرة (بيربري)

لهذه الأسباب، كان من البدهي أن يفقد أسبوع لندن وهجه، إلى حد أنه بات يمر مرور الكرام من دون تهليل أو حماس في الآونة الأخيرة. المقياس هنا لا يقتصر على تراجع حجم التغطيات الإعلامية فحسب، بل أيضاً على عدد الحضور العالمي، الذي تقلص بشكل ملحوظ، بسبب الحجر أيام جائحة كورونا ومنع السفر بدايةً، ثم بسبب خفض الميزانيات المخصصة لمجلات الموضة، التي لم تسلم هي الأخرى من تبعات الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذا التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً للحماس والفضول. فالمطلوب منها هو تحريك المياه الراكدة وقيادة الدفة بالاتجاه الذي تحتاج إليه الموضة البريطانية لتتجاوز العاصفة إلى بر الأمان.

مَن لورا وير؟

لورا وير الرئيس الجديد لمجلس الموضة البريطانية (مجلس الموضة)

السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض :هو كيف وصلت وير إلى هذا المنصب المؤثر؟ وما سيرتها الذاتية؟ والجواب أنها حتى عهد قريب عملت في محلات «سيلفردجز» اللندنية رئيساً في قسم الإبداع والتواصل. قبل ذلك ولعقدين من الزمن، عملت محررة أزياء متخصصة في عدة مجلات، نذكر منها «درايبرز» و«فوغ» النسخة البريطانية، وصحيفة «ذي صانداي تايمز». في عام 2015، عُيِنت رئيسة تحرير للملحق الأسبوعي ES لجريدة «إيفنينغ ستاندرد» الذي أعادت تصميمه بالكامل. بعد أن تركت المجلة ES أنشأت وكالة استراتيجية متخصصة في الاتصالات والتوجيه الإبداعي، وفي عام 2023، انضمت إلى محلات «سيلفردجز» للإشراف على فريق الإبداع والتسويق والاتصالات. هذا فضلاً عن مناصب أخرى شغلتها وكانت لها ذات الأهمية. كانت مثلاً عضواً في مجلس الموضة البريطاني قبل أن تكون رئيساً له. كما كانت مستشارة للأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون (بافتا).

هذه المناصب وغيرها فتحت أمامها أبواب التعامل المباشر مع صناع الموضة الكبار والصغار وأيضاً مع المواهب الصاعدة من شتى الفنون. تعرفت على طموحاتهم ومشكلاتهم. على خبايا الأمور وظاهرها. وهذا ما يجعلها خير خلف لكارولاين راش التي تبوأت هذه الوظيفة لـ16 عاماً، وأعلنت مغادرتها له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

التحديات

كادت «روكساندا» تُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين (روكساندا)

رغم أهمية المنصب الذي ستبدأه بشكل فعلي في شهر أبريل (نيسان) المقبل، فإن التوقيت شائك ويحتاج إلى دراية عالية ونَفَس طويل. فصناعة الموضة البريطانية تعاني من تباطؤ وركود منذ سنوات، وأسبوعها الذي يعد الأوكسجين الذي يتنفس منه مبدعوها ويطلون من خلاله على العالم أصابه الوهن بشكل لم يشهده منذ انطلاقه في عام 1984. صحيح أنه مرَّ بعدة أزمات في السابق، لكنها كانت ماليّة في الغالب، إذ كان يشكو من شح التمويل والإمكانات، فيما هي الآن نفسية أيضاً بسبب التراكمات الاقتصادية والسياسية وما نتج عنها من ضغوط وقلق.

من تشكيلة إيرديم الأخيرة (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن لا يزال يتمتع بروح الابتكار، وأنه لا يزال أكثر واحد من بين العواصم العالمية الأخرى، نيويورك وميلانو وباريس، احتضاناً للآخر. يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الجنسيات، ويمنح فرصاً لكل من توسّم فيه الإبداع، إلا أنه يتعثَّر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فنسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة من جنسيات مختلفة. كأن هذا لا يكفي، جاءت جائحة كورونا ثم حرب أوكرانيا وغيرها من الأحداث التي كان لها أثر مباشر على كثير من المصممين وبيوت الأزياء. روكساندا إلينشيك، مثلاً، وهي مصممة صربية الأصل ومن أهم المشاركين في أسبوع لندن، كادت تتعرض للإفلاس العام الماضي، لولا تدخل أحد المستثمرين. وإذا كانت «روكساندا» محظوظة في هذا الجانب، فإن غيرها تواروا عن الأنظار بصمتٍ لأنه لا أحد أمدَّهم بطوق نجاة.

دار «بيربري» لم تنجُ من تبعات الأزمة الاقتصادية وتغيرات السوق (بيربري)

بل حتى دار «بيربري» التي كانت تتمتع بأكبر قوة إعلانية في بريطانيا، الأمر الذي يجعلها عنصر جذب مهماً لوسائل إعلام وشخصيات عالمية تحرص على حضور الأسبوع من أجلها، تشهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات. بدأت مؤخراً تراجع استراتيجياتها وتُعيد النظر في حساباتها.

استثمار في المواهب

ومع ذلك فإن قوة الموضة البريطانية تكمن في شبابها. هم الورقة الرابحة التي تُعوِّل عليها للإبقاء على شعلة الإبداع من جهة، وعلى سمعة أسبوعها العالمي منبعاً للابتكار وتفريخ المصممين من جهة ثانية. قد يجنحون إلى الغرابة أو حتى إلى الجنون أحياناً لكنه جنون يغذّي الخيال ويحرِّك الأفكار الراكدة، وهذا ما تعرفه لورا جيداً بحكم تعاملها الطويل معهم.

من عرض «روكساندا» لربيع وصيف 2025 (روكساندا)

والدليل أن لورا لا تقبل التحدي فحسب، بل تعده مثيراً. في بيان صحفي وزَّعه مجلس الموضة البريطاني قالت: «يشرفني أن أقود الفصل الجديد في وقت مثير ومحوري لصناعة الأزياء البريطانية... إني أتطلع إلى العمل مع فريق المجلس لدعم الثقافة والإبداع، وتحفيز نمو الأزياء البريطانية، محلياً وعالمياً، وكذلك دعم المصممين الناشئين والمخضرمين على حد سواء».

ما مهمات الرئيس؟

رغم موهبة «روكساندا» وبراعتها الفنية تعثّرت مؤخراً وتدخُّل مستثمرين أعاد لها قوتها (روكساندا)

ما خفيَ من مسؤوليات منصب رئيس مجلس الموضة البريطانية أكبر من مجرد دعم الشباب وتحريك السوق. من بين ما على لورا وير فعله، عقد شراكات مجدية مع صناع الموضة، من رجال أعمال وأصحاب مصانع وحرفيين من شتى المجالات، إلى جانب التواصل مع جهات حكومية. فقطاع الموضة من أهم القطاعات الصناعية في بريطانيا، ويعد الثاني بعد صناعة السيارات، وهو ما يجعله من أعمدة الاقتصاد الأساسية.

في دورها الجديد أيضاً، ستشرف لورا على المعاهد الدراسية والأكاديميات المتخصصة، بتوفير منح للمتفوقين أو من ليست لديهم الإمكانات لدفع رسوم الدراسات العليا من خلال برامج عدة جرى إنشاؤها منذ سنوات، وكل ما عليها الآن هو إمدادها بطاقة جديدة تُعيد لها حيويتها وديناميكيتها.