من التاريخ : تأملات سياسية في الثورة العرابية

من التاريخ : تأملات سياسية في الثورة العرابية
TT

من التاريخ : تأملات سياسية في الثورة العرابية

من التاريخ : تأملات سياسية في الثورة العرابية

تابعنا على مدار الأسبوعين الماضيين كيف نشأت وتطورت الحركة الوطنية في مصر بقيادة الجيش ممثلاً في الزعيم أحمد عرابي ورفاقه المصلحين إلى أن تجسدت بوجود برلمان منتخب بشكل حر مباشر تخضع له الوزارة. كذلك تابعنا كيف ظهر أول دستور ليبرالي حر في مصر عام 1882 يفصل بين السلطات ويضمن الكثير من الحريات. وبالفعل، بدأت مصر تخطو خطواتها الأولى نحو إقامة نظام سياسي متوازن خاصة بعدما انطلقت عملية الإصلاح القضائي وانتشر الإصلاح لينال الجيش ودور المصريين العاملين فيه، وذلك إلى أن بدأت المؤامرات البريطانية والفرنسية تحاك ضد هذه الحركة وعملية الإصلاح ذاتها، خاصة بعد توتر العلاقة بين الإصلاحيين والخديوي المصري الذي كان يحكم البلاد نيابة عن الدولة العثمانية من الناحية النظرية البحتة. كذلك تابعنا كيف انتهى الأمر باحتلال البريطانيين البلاد في سبتمبر (أيلول) 1882، وهو الاحتلال الذي دام حتى عام 1956.
حقيقة الأمر أن الثورة العرابية رغم امتدادها الزمني القصير في تاريخ مصر الحديث الذي يتخطى العام فإنها تحمل في طياتها الكثير من الحقائق والاستخلاصات والدروس. ولعلني أسوق هنا عددًا من النقاط التي أري فيها عبرًا نافعة لكل عصر وزمان وهي على النحو التالي:
أولاً: إن هذه الثورة تتنافى بوضوح مع الكثير من النظريات السياسية التي تدفعها بعض الدول في الحقبتين الأخيرتين والتي تنادي بضرورة فصل الجيش عن أي تطور سياسي في أي دولة، وهي ترى في التدخل السياسي للجيش كارثة على مستقبل الأمم. إن هذه الرؤية قد تكون مناسبة لبعض الدول لكنها غير مناسبة في دول أخرى ومن ثم هناك خطورة في تعميمها على إطلاقها. ذلك أن القوة الوحيدة التي كانت قادرة على تغيير الأوضاع في مصر إبان الثورة العرابية كان الجيش المصري، ولم يكن هناك أحزاب أو مجموعات فكرية/ سياسية قادرة على حمل لواء الحركة الوطنية بسبب التركيبة الأوتوقراطية للحكم المنفرد للخديوي والظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة في مصر. هنا كان تدخل الجيش أمرًا هامًا بل ومحمودًا. وعليه، يجب التسليم بأن نموذج الثورة العرابية يمثل في حقيقة الأمر ظاهرة هي الأولى من نوعها على الأقل في تاريخ الشرق الأوسط، وهي أن الجيش هو الذي أتى بالتغيير الليبرالي للبلاد، وهو الذي أتى بأول دستور يفصل بين السلطات وببرلمان منتخب انتخابًا حرًا وبحكومة تخضع لهذا البرلمان. والملاحظة الثانية هي أن الجيش تنازل عن الحكم طواعية وتفرقت قياداته من القاهرة إلى الأقاليم، بمن فيهم أحمد عرابي ذاته حتى لا يبدو الأمر كأنه «حكومة عسكرية»، وذلك على الرغم من التوتر الظاهر بين الحكومة الجديدة برئاسة شريف باشا من ناحية وأحمد عرابي والإصلاحيين العسكريين من ناحية أخرى. وهذه الظاهرة في تقديري تحتاج إلى الكثير من التأمل، ولا سيما، في العصر الحديث الذي تتجه فيه الأنظار إلى أن الدور السياسي والليبرالية يتناقضان في الدولة التي تأمل في الوصول إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد.
ثانيًا: إن الثورة العرابية تمثل تناقضًا صريحًا واضحًا مع الدفع السياسي الحديث بأن «الديمقراطيات لا تحارب بعضها البعض» وهي النظرية التي تناولناها بالكثير من النقد في هذا الباب منذ ما يقرب من عامين. ما حدث هو أن مصر كانت تسير على ضرب الديمقراطية، حتى وإن كانت ديمقراطية وليدة ومحدودة التوجه والتفعيل. وهنا أعلنت بريطانيا «الديمقراطية» الحرب عليها تحت حجة الحفاظ على الأمن فيها، وهو ما يعكس بوضوح أن معايير السياسة الدولية لا تخضع للمجاملات الفكرية التي تسعى النظرية السياسية إلى تبنيها. هنا نحن أمام نموذج لدولة ديمقراطية حاربت دولة ديمقراطية ناشئة لأهداف وأطماع خاصة بها، وهو أمر يحتاج في تقديري لدراسة موسعة. ولكن الأغرب من ذلك هو الدور التاريخي التالي للاحتلال البريطاني لمصر حيث لعبت قوة الاحتلال «للدولة البريطانية الديمقراطية» دورًا هامًا في مساندة الحكم المطلق للبلاد وتجميعه في أيدي حليفها السياسي الخديوي توفيق، الذي بدوره ارتمى في أحضان البريطانيين للحفاظ على وضعيته وسلطاته. وهو ما يعكس بوضوح أن ناموس السياسة الدولية لا يعبأ كثيرًا بمصلحة الدولة الضعيفة أمام مصالح الدول الكبرى.
ثالثًا: إن محاولة تحميل الزعيم الوطني أحمد عرابي مسؤولية الاحتلال البريطاني لمصر يعتريه الكثير من الظلم لشخصه وللتاريخ المصري. مما لا شك فيه أن الجيش المصري لم يكن باستطاعته صد الاحتلال، وعلينا ألا ننسى أن «معاهدة لندن» التي قادت جهودا سنّتها بريطانيا نفسها في عام 1840، وضعت سقفًا لعدد الجيش بثمانية عشر ألفًا وقلمت أظافر الدولة المصرية الحديثة. ومن ثم، لم تنجح محاولات زيادة الجيش كثيرا إلا في استثناءات تاريخية محددة. كذلك فإن الجيش لم يكن محل اهتمام الحكومة الخديوية، وتقويته لم تكن أولوية إلا في أوقات محددة، ومن ثم لم يكن قادرًا على مواجهة قوات الاحتلال عندما جاءت لاحتلال البلاد. وهنا لا بد من تذكر أن بريطانيا كانت يومذاك تملك أقوى جيش في العالم، وكان لديها أيضًا أقوى أسطول عرفته البشرية حتى ذلك التاريخ. وبالتالي فمن الغبن أن يصار إلى إلقاء اللوم على عرابي ورفاقه، وتحميلهم مسؤولية هزيمة معركة «التل الكبير»، حتى وإن عكست ضعفًا في القيادة العسكرية لعرابي ورفاقه. عرابي والجيش المصري ما كانا ندين حقيقيين في الأساس للجنرال البريطاني وولزلي والقوة التي كانت تحت إمرته. ثم إن الجيش المصري كان ينقصه التسليح والخبرة لمواجهة أقوى جيش في العالم.. فكيف إذن كانت الدولة المصرية في حالة تقشف كبير.
رابعًا: هناك سؤال حائر تتداوله بعض المصادر التاريخية إلى اليوم. هل كانت هناك علاقة سببية بين حركة عرابي ورفاقه والاحتلال البريطاني للبلاد؟ حقيقة الأمر أن كل المؤشرات تشير إلى أن الاحتلال البريطاني لمصر كان آتيًا لا محالة. ذلك أن مصر كانت رقعة استراتيجية حيوية لبريطانيا، خاصة بعد شق قناة السويس، وهي أول من اغتنم الفرصة للحصول على أسهم القناة. كما أن فكرة احتلال مصر كانت موجودة منذ جلاء الحملة الفرنسية عن مصر عام 1801، وهي الفكرة التي تجسدت عمليًا في 1807 من خلال ما هو معروف بـ«حملة ماكنزي فريزر» التي هزمها المصريون. أيضًا كانت بريطانيا هي الدولة التي قادت التوجه الدولي لتقويض الدولة المصرية الفتية في عهد محمد علي وانتهت بالصدام العسكري مع مصر في 1840 من خلال تحالف دولي كانت بريطانيا أساسه. بالتالي فإن هناك من التأكيدات التي تعكس أن الاحتلال كان مسألة وقت لا غير مهما طال أمد انتظار لندن. واستطرادًا، فإن تحميل الثورة العرابية مسؤولية الاحتلال يمثل إجحافًا كبيرًا، وظلمًا للحقيقة. إذ لم يكن من مصلحة بريطانيا أصلاً نجاح الحركة الليبرالية في مصر، وذلك مع كل التحفظات الراجحة لمحدودية القدرات الدبلوماسية لأحمد عرابي ورفاقه وضعفهم في إدارة الدفة السياسية للعلاقات مع الدول الغربية - خاصة بريطانيا - وهو أمر لا خلاف عليه. سلوك عرابي ورفاقه لم يدفع حقًا لاحتلال البلاد كما روّج البعض. ومن ثم فإن إلباسه مسؤولية احتلال البلاد أمر منافٍ للحقيقة لكنه قد يكون مفهومًا.
رابعًا: اتصالاً بما سبق، يبدو من النموذج المصري في 1882 وعدد من النماذج الأخرى أن أفضل ذريعة للتدخل الدولي في شؤون الدولة المستهدفة هي الثورات الداخلية فيها. وتقديري أن هذا يرجع لعدد من الأسباب، على رأسها أن الحالة الثورية تصيب الدولة بنقص المناعة السياسية والعسكرية أمام التدخل الخارجي، خاصة التدخل العسكري. هذا أمر مفهوم، فالثورات يمكن اعتبارها نوعًا من التدخل الجراحي لإصلاح أي نظام سياسي، ومن البديهي أن يكون بعدها النظام ضعيفًا وواهنًا إلى أن يستعيد عافيته، ومن ثم يسهل التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية. الثورة العرابية خير دليل على ذلك، فمصر كانت خلال العام السابق للاحتلال تعاني من ضعف في مؤسسات الدولة، وتنتابها حال من الغموض الداخلي وهي تحتضن تغيرًا نسبيًا في مفهوم شرعية الحكم في البلاد. وهذا فتح المجال أمام التدخلات الأجنبية في الشأن المصري، لا سيما، وأن عملاء الدول الأجنبية كانوا موجودين بكثافة وكثرة وعلى رأسهم القناصل.
خامسًا: أيضًا، اتصالاً بما سبق. من البديهي أن تبحث القوى الخارجية الكبرى الساعية إلى التدخل في شؤون الدول الأقل قوة عن مبرّر يغطي أهدافها وأطماعها، ولا يوجد مبرّر أفضل من المشكلات الداخلية والرغبة في إصلاح الوضع الداخلي بهذه الدولة. حالة مصر في 1882 لم تخرج عن هذا النطاق كثيرًا، فأوضاعها الداخلية كانت مرتبكة بسبب الخلاف بين قوى الإصلاح وقوى الحكم المطلق للخديوي. وعندما نحكم على مثل هذه الحالات فإنه لا يجوز للبصر أن يزيغ عن الهدف ليتمحوَر حول المبرر أو الذريعة، فما من دولة تحتل دولة أخرى أو توجه لها الضربات العسكرية إلا وكان لها أهدافها المسبقة والتي تنتظر الذرائع المناسبة لتنفيذ ذلك. في الوقت الذي تظاهرت فيه بريطانيا برغبتها في حل المسألة المصرية سياسيًا، كما حدث في المؤتمر الدولي الذي انعقد في الآستانة (إسطنبول)، فإنها كانت تجهز لاحتلال البلاد. إن الدخول في صدامات عسكرية يحتاج لتجهيزات وخطط وحشد عسكري لتنفيذها، وكان من الواضح أن بريطانيا كانت عاقدة العزم على الاحتلال وتجهز له.
هذه مجرد نقاط تحليلية مرتبطة بهذه الفترة التاريخية لمصر، التي تعكس في التقدير الكثير من الحقائق السياسية التي أعتقد أنها لا تزال سارية إلى يومنا هذا.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.