الإصلاح الديني ومناهضة الجمود الفقهي بداية القرن العشرين

«الشرع الإسلامي ليس بشرع جمود بل شرع عام لا بد له من تغيير الكثير من أحكامه بتغير الأزمان والأحوال»

الإصلاح الديني ومناهضة الجمود الفقهي بداية القرن العشرين
TT

الإصلاح الديني ومناهضة الجمود الفقهي بداية القرن العشرين

الإصلاح الديني ومناهضة الجمود الفقهي بداية القرن العشرين

العلامة محمد بن الحسن الحجوي (1874 - 1956) يعتبر من أبرز أفراد الإصلاح الديني ومناهضة الجمود الفقهي في المغرب، في فترة مطلع القرن العشرين، رغم أن الأوساط الأكاديمية لم تتناول بعد مختلف جوانب فكره الإصلاحي. ونتعرض هنا للفكر الإصلاحي للحجوي، باعتباره نموذجا رائدا في الطرح التنويري، مستحضرين كون عالمنا رجل العلم والسياسة، وطارحا لمشروع نهضة؛ مستفيدا من تقلده مناصب سياسية عدة وتقلبه فيها، داخل الدولة قبيل الحماية الفرنسية وفي عهدها، حيث قبل التعامل مع السلطة القائمة انطلاقا من ثقته وإيمانه بالإصلاح والتحديث.

طرح العلامة الحجوي مشروعه منطلقا من قناعة فكرية رافضة للجمود والتقليد.. «فليس الشرع الإسلامي بشرع جمود، بل شرع عام ودائم لا بد له من تغيير الكثير من أحكامه بتغير الأزمان والأحوال ليوافق كل أمة تدينت به، عدا الأمور التعبدية كالصلاة والصوم»، ومنطلقا أيضًا من ممارسة عملية للاجتهاد، ومسايرة العصر، بنوازله واكتشافاته ومستجداته الدينية والدنيوية. فبالنسبة له، فإن «ندرة المجتهدين، أو عدمهم، من الفتور الذي أصاب عموم الأمة في العلوم وغيرها، فإذا استيقظت من سباتها وانجلى عنها كابوس الخمول وتقدمت في مظاهر حياتها التي أجلها العلوم، وظهر فيها فطاحل علماء الدنيا من طبيعيات ورياضيات وفلسفة، وظهر المخترعون والمكتشفون والمبتكرون كالأمم الأوروبية والأميركية الحية، عند ذلك يتنافس علماء الدين مع علماء الدنيا فيظهر المجتهدون». وارتباطا بذلك، دعا الفقيه الحجوي من خلال منطلقه الثالث، إلى إيلاء التعليم أهمية قصوى، لما له من أهمية في إحياء الأمة، وإرجاعها إلى دورها الحضاري الذي كانت تلعبه.. «إن شاءت الأمة النهوض فلتبدأ بإصلاح التعليم خصوصا اللسان إذ ليس بإنسان من لا قلم له ولا لسان».
وإذا رجعنا إلى تحليل المنطلقات الثلاثة للمشروع الإصلاحي للحجوي، نرى أن قناعته الفكرية جعلت منه أبرز من ناهض الجمود الفقهي، والسكون المعرفي عند النخبة الدينية، رافضا بشدة المصّوغات الشرعية لتيار الجمود النصي، والانحراف الطرقي الصوفي. كما هاجم المختصرين، الذين رفعوا شعار «نحن أناس خليليون إن ضل خليل ضللنا، وإن اهتدى اهتدينا».
لقد كان العلامة الحجوي نموذجا للنخبة الدينية الصحوية المتنورة، والمتفاعلة مع العلم الديني والمدافعة عنه، بصفته ضامن دوام بقاء الأمة وتثقفها الحضاري مع غيرها. من هنا اعتبر العلامة الفقه الإسلامي نظاما للحياة ونظاما للناموس الاجتماعي والسياسي. ولأنه كذلك فإن تحقيق الإصلاح والتحديث إنما يتحقق بالبدء بإصلاح الفقه، والعودة به إلى الدور الحضاري الذي لعبه في الطور الثاني، أي طور الاجتهاد الذي بدأه الصحابة الكرام، حيث تمكن الفقه من إنتاج منظومة معرفية إدراكية شاملة، نظمت وقادت الحياتين الخاصة والعامة في عموم العالم الإسلامي.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟ يجيب الحجوي عن هذا السؤال من خلال مشروعه الإصلاحي الديني، بطرح قضية إعادة البناء الداخلي للفقه، وإعادة خلق تصور جديد لتاريخ الفقه، يفرق بين صنفين من العلماء، الأول ينتمي إلى مدرسة الأزمة وهم المقلدون. أمام المدرسة الثانية فهي إصلاحية تجديدية، بنائية، وراشدة، يقودها المجتهدون العالمون بالمذاهب واختلافاتها، وتقاطعاتها الفقهية المعرفية.
صحيح أن العلامة الحجوي لا يتبنى ولا يدعو إلى «قطيعة معرفية» مع الفقه القديم، بيد أنه يرى أن الإصلاح لا يتم دون تحقيق قطيعة منهجية مع آليات اشتغال العقل الفقهي التقليدي، خاصة الموغل في المختصرات والناقل للفتوى القديمة دون دراية بالمكانة العلمية لصاحبها؛ فضلا عن معرفة صحيح الحديث من ضعيفه، فبسبب منهج الاختصار «صار لفظ المتن مغلقا لا يفهم إلا بواسطة الشرح أو الشروح والحواشي».
واعتمادا على هذا المنهج، فقد الفقه حسه التاريخي ودوره الحضاري التحديثي، وشلت قوى العقل الفقهي، ودخل في دائرة الأزمة التي وصلت منتهاها و«بلغ الاختصار غايته لأن مختصر خليل مختصر مختصر مختصر بتكرار الإضافة ثلاث مرات، وكادَ جُلُّ عباراته أن يكون لغزا».
إن القصد المنهجي من رفض المختصرات عند الفقيه الإصلاحي هو تحويل قبلة الفقه نحو الاجتهاد، والتحديث، وذم التقليد الذي مزق نسيج الوعي الديني على مستوى النخبة والمجتمع. ثم إن استمرار التقليد والجمود ورعاية العلماء لمسلكياته المنهجية والمعرفية أصبح يتعارض ومنطق الشريعة الإسلامية، لأنها «ليست شريعة جمود وآصار، ولا هي شريعة مانعة للأمة من الترقي والتطور مع الأحوال، بل شريعة صالحة لكل زمان ومكان وكل أمة.. وذلك لا يتأتى مع الجمود لأن العالم كله متغير ومتطور».
واضح إذن أن تعطيل ملكة الاجتهاد، ونزوع العقل الفقهي المغربي إلى التقليد، قد أضر بالشريعة، وغير من صورتها في الأوساط الاجتماعية. فأصبح الناس يفرون من الضيق الذي رسمه الفقهاء، إلى رحابة القانون الوضعي المادي الغربي؛ وبذلك يكون المقلدون من الفقهاء قد جلبوا مفسدة عظيمة للدين، حيث «صار الناس إلى القوانين الوضعية ونبذوا الشريعة ظهريا، وساء ظنهم فيها مع أنه لا ذنب للشريعة التي فتحت باب الاجتهاد وباب المصالح المرسلة ونحوها، وإنما الذنب على بعض العلماء المقلدين الجامدين المتعصبين الذين جعلوا الدين أحبولة، وألاعيب على المتقدمين والسلف الصالح رضوان الله عليهم».
استحضر الحجوي وهو يعالج هذا الخلل الذي مس العقل الفقهي مقاصد الشريعة، ودورها في حفظ مصالح الفرد والجماعة، ودعوتها إلى استعمال العقل لاستنباط الأدلة الشرعية مباشرة من الكتاب والسنة. وإن تعطيل هذا المنهج الإسلامي كان واحدا من الأسباب التي أنتجت التطرف العلماني؛ «ولربما كان هذا الجمود على الألفاظ والمألوفات والأحكام التي جعلت كلها تعبدية في باب المعاملات التي بنيت على جلب المصالح ودفع المضار، من أسباب سقوط الأمم الإسلامية، وفي الأخير لربما كانت سبب نبذ بعض الدول للشريعة كليا».
ينبغي إذن إعادة الاعتبار للواقع المعاصر وللرؤية الشرعية فيه، والقضاء على التقليد وطرده من ذهنية الفقيه؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا عبر العودة إلى الاجتهاد باعتباره دعوة قرآنية وممارسة نبوية أصيلة، وزرع هذه الروح من جديد في بنية العقل الفقهي؛ هذا هو المنهج المفضي إلى تحقيق التجديد الديني خاصة الفقهي.
إنه تجديد قابل للتحقق في زمننا المعاصر، كما تحقق في الزمن الذهبي للفقه؛ لما غمر هذا الطور من اجتهاد متجدد وتبويب للفقه، وتنوع لفروعه. لذلك استطاع أن يقود الحياة العامة للأمة، وكثر فيه الاجتهاد بتنوع النوازل مع اختلاف الأمصار الإسلامية.. «وكان هذا العصر زاهيا زاهرا بسادات كبار أساطيل الاجتهاد.. وكان جميع العلماء مجتهدين لم يكن بينهم مقلد إلا العوام، فلم يكن الخلاف ضارا لهم ولا مشينا، بل كان سعيا وراء إظهار الحقيقة، فلذلك عددنا الفقه فيه شابا قويا». على عكس طور «الشيخوخة والهرم المقرب من العدم»، المتسم بندرة العلماء، وطغيان التقليد، وأصبح علماء الدين «قصوري الهمم عن الاجتهاد إلى الاقتصار على الترجيح في الأقوال المذهبية.. ثم قصروا.. على النقل عمن تقدم فقط، وانصرفت همتهم لشرح كتب المتقدمين وتفهمها ثم اختصارها.. صاروا قراء كتب لا محصلي علوم، ثم في الأخير قصروا عن الشرح، واقتصروا على التحشية والقشور».
من أجل استعادة التجديد الفقهي يطرح الحجوي في مشروعه الإصلاحي أطروحة مركزية، تعتبر الفقه معيارا ومقياسا لتطور وتخلف الأمة، كما يعتبره مقدمة لكل إصلاح وتحديث إسلامي منتظر.
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس*



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».