كتاب المهجر.. أقلام تروي سيرة الهجرة بأكثر من لغة

تشكل رافدًا أساسيًا للأدب المغربي وتعزز حضوره العالمي

كتاب المهجر.. أقلام تروي سيرة الهجرة بأكثر من لغة
TT

كتاب المهجر.. أقلام تروي سيرة الهجرة بأكثر من لغة

كتاب المهجر.. أقلام تروي سيرة الهجرة بأكثر من لغة

أثار الأدب المغربي في المهجر اهتمامًا لافتًا ومتابعة متواصلة، مشكلاً قيمة مضافة للأدب المغربي، ومؤكدًا حضوره على أكثر من صعيد، هو الذي ارتبط، في بداية الأمر، بالإقامة في بلد ولغة المستعمر، قبل أن تتعدد وتتمدد بلدان ولغات الإقامة، لتشمل مهاجر موزعة بمختلف قارات العالم، وتتنوع الأسئلة والهواجس، ليصير للمهجر معنى آخر. لذلك، يطرح كثيرون، اليوم، سؤال «هل ما زال (أدب المهجر) قادرًا على إثارة الانبهار بمبدعيه ومنجزه؟»، خصوصا بعد أن «تراجعت الأحاسيس التي كان (أدب المهجر) يثيرها في وجدان أجيال الدارسين»، و«لم تعد فكرة الهجرة تحمل الوقع نفسه»، و«تغير مفهوم الوطن والأدب المرتبط به»، ليفقد الأدب المكتوب في الخارج أهم سمتين كانتا تميزانه، وهما: الغربة والحنين، ليبقى «من غير المفهوم»، كما يرى الشاعر طه عدنان، المقيم في بلجيكا، «أن تذرف القصائد على وطن هجرتَه من تلقاء نفسك، أو أن تتباكى على البعد في الوقت الذي عملت فيه الفضائيات والإنترنت وطائرات الشارتر على تبديد هذا الإحساس».
في ظل هذه التحولات التي مست مفهوم المهجر ودلالات «الهجرة»، ستتناسل الأسئلة، بخصوص راهن الأدب المغربي في المهجر، ومن ذلك كيف تحافظ الهجرة على قيمتها كأفق للكتابة، والقيمة المضافة التي يجتهد مغاربة العالم، من الكتاب، في إضفائها على الإبداع المعاصر، وأوجه المقارنة بين إبداعات الجيل الأول ومنجز الأجيال اللاحقة. كل هذا، فيما يتم التشديد على خاصية تميز هذا الأدب، تتمثل في تنوع المنجز وتعدد الفاعلين فيه، حيث «الأدباء صنفان: من ولد وترعرع في الضفة الشمالية، ومن غادر البلاد في سياقات مختلفة بعدما درس في الوطن وناضل داخله ليجد نفسه في النهاية موزعا بين (المنافي)».
على صعيد قيمة المنجز، يجمع المتتبعون لمسيرة الأدب المغربي على أن «أدب المهجر» يشكل رافدًا ومكونا أساسيًا ضمن هذا الأدب، مع تفاوت ملحوظ عند المقارنة بين مساهمة كل جيل، وفي الكيفية التي يتم بها رصد التحول الجذري الذي طال مسألة الهجرة والكتابة، مقارنة بما كان متداولاً في سبعينات القرن الماضي، على الأقل».
يرى الشاعر محمد الصالحي أن «موضوع أدب المهجر يعيدنا، شئنا أم أبينا، إلى ما عرف، منذ عقود، بـ(الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية)، فيما نعيش، اليوم، مفارقة أن يصير الكاتب مطالبا بالعيش والإقامة خارج وطنه حتى يحمل لقب (أديب مهجري)، في حين أن (الأدب المغربي المكتوب بغير العربية)، سابقا، كان يمنح صاحبه لقب (الكاتب المغربي بالفرنسية) أو (بغير العربية) أينما كان. أما إذا كان الأمر يتعلق باستعادة مفهوم (أدب المهجر)، كما كان الأمر عند مطالع القرن العشرين، فإنه ينبغي التشديد على أن المهجريين الأوائل كانت هجرتهم شبه مفروضة، إن لم نقل مفروضة، ثم إنهم كتبوا بالعربية قبل أي لغة أخرى. ثم فرضت عليهم الفرنسية فاستعملوها للحديث عن قضايا أوطانهم وشجون ذواتهم، لهذا اعتبرها الكاتب الجزائري مولود معمري (غنيمة حرب)، فيما سيتحدث كاتب جزائري آخر، هو مالك حداد، عن مواطنه محمد ديب، قائلا إنه (أي محمد ديب) يكتب الفرنسية ولا يكتب بها».
يشدد الصالحي على أن استحضاره لمقولتي معمري وحداد، هو بغاية «تبين الفرق بين الجيل المؤسس للظاهرة ومن نسميهم الآن أدباء المهجر، حيث كان الانتباه، في البداية، مركزا على لغة واحدة، قبل أن تنضاف، اليوم، الإسبانية والهولندية والإيطالية والألمانية، وغيرها، تبعا لتعدد وتمدد المهجر». لذلك، يتساءل إن كان هناك من «مسوغ جمالي يبيح إطلاق أدب المهجر على هذا الأرخبيل من الكتابات التي لا يجمع بينها، ظاهريا، إلا أن أصحابها يقيمون خارج البلد»، قبل أن يدعو إلى «إعادة النظر في المصطلح المتعلق بأدب المهجر، خصوصا بعد أن انتقلنا من الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية إلى أدب المهجر، بمعنى أننا انتقلنا من الأداة، التي هي اللغة، باعتبارها مهجرًا، إلى المكان، باعتباره مهجرا محددا في الجغرافيا».
على مستوى قيمة المنجز، يبدو الصالحي منتصرا للجيل الأول، حيث يقول: «يبدو لي أن من نسميهم اليوم أدباء المهجر، الذين يكتبون بغير العربية منهم، يكتبون باللغات الأجنبية ولا يكتبونها، والدليل أنهم لم يمنحوا قراءهم كاتبا كبيرا من طراز كاتب ياسين أو مولود معمري أو محمد خير الدين».
من جهتها، تعتقد القاصة والروائية حنان درقاوي، المقيمة في فرنسا، أن «الكاتب المغربي الذي يعيش في المهجر يعيش حالة توتر داخلي كبير»، قبل أن تتحدث عن تجربتها الخاصة، قائلة: «أحس، من خلال تجربتي الشخصية في الهجرة، أن هناك تمزقا داخليا، فنحن هاجرنا بلدانا كانت جذورنا فيها ممتدة لنوجد في بلدان غريبة عنا من حيث القيم وتصور الإنسان وعلاقة الذات بالواقع والتاريخ والثقافة».
وترى درقاوي أن «تجربة الاجتثاث» مشتركة بين أبناء جيلها، قبل أن تمضي موضحة: «ما قرأته من كتابات المهجر يحفل بالتراجيديا، تراجيديا المنفي الذي يغادر أرضه دون أن يستطيع أن يمد عروقه في أرض بديلة»، غير أنها تعترف باستفادتها من الهجرة، وتعتقد أن غنيمتها كانت في التعرف أكثر على الثقافات العالمية، كما تشدد على أن «الهجرة، من حيث هي ارتحال في الجغرافيا والتاريخ معا، تفرز أدبا له قضاياه الخاصة»، لذلك تقول إن هناك قضايا كثيرة في المهجر تتمنى التطرق إليها، ومن ذلك أنها تكتب، حاليا، رواية «العشيق الفرنسي»، عن حب مستحيل بين فرنسي ومغربية ينتهي بمأساة تعكس التصدعات التي يحدثها اللقاء بالآخر المختلف، قبل أن تستدرك، قائلة إن «هذا التصدع هو مصدر للإبداع، فكما نتحدث عن صدمة الحداثة هناك صدمة الهجرة».
تتحسر درقاوي على مفارقة لافتة، تهم علاقة الكاتب المغربي الأصل ببلد الإقامة، قراءة وتلقيا، وانتشارا، فتقول: «الأدب العربي المكتوب يغني ثقافة البلد المستقبل، وحبذا لو كانت هناك حركة ترجمة جدية لأدب الهجرة لكي يتسنى لنا ككتاب الانتشار في البلد المستقبل. قليلة هي الأعمال العربية التي تترجم مما يحول بين القارئ الفرنسي وأعمالنا».
بصدد لغات الكتابة، يتحدث عدنان عن تجربته الشخصية، فيقول: «كل مبدع يحمل معه وطنه وذاكرته ولسانه. كلّ حسب تاريخه الشخصي وخصوصية علاقته بالوطن الأم وموطن الهجرة ولغاتهما.
أنا هاجرت عام 1996. كان عمري حينها 26 سنة. وصلتُ هنا حاملا ثقافة وفكرا ووجدانا ولغة كتابة، أيضًا. ولن تطاوعني لغةٌ كما يُمكن للضّاد أن تفعل، لذا فقد اعتمَدْتُها ناطقا رسميّا باسم الوجدان. خاصة أن اللّغة العربيّة لغة طيّعة متفتّحة ويمكنها التأقلم بسلاسة مع مفردات البيئة المختلفة. كما أنني كمواطن بلجيكي يعيش في مدينة متعددة الثقافات مثل بروكسل، أدافع عن كتابتي باللغة العربية باعتبارها لغة بروكسلية،شأنها في ذلك شأن الفرنسية والهولندية والإنجليزية وغيرها من اللغات التي توشّي فضاء العاصمة اللغوي. اللغة العربية التي أصبحت تحتل المركز الرابع، بعد اللغات الثلاث الآنفة الذكر، من مجموع اللغات المائة المتداولة في هذه العاصمة المتعددة الثقافات. لكنني أفهم تماما اختيار الروائي عيسى آيت بلعيز الكتابة بالفرنسية. إنها اللغة التي حملها معه من مغرب السبعينات، قبل سياسات التعريب والمغربة. تماما كما أتفهّم اضطرار أبناء الجيل الثاني والثالث للهجرة المغربية ببلجيكا إلى التعبير بلغات هذا البلد،إذ يمكن اعتبار اللغتين الفرنسية أو الهولندية حسب منطقة نشأتهم، جنوبًا أو شمالاً، لغة أمًّا لهم ولغة كتابة، أيضًا. رغم أن ثمرات إبداعهم تظل متشبثة بالمغرب خيالا وفضاء».
يقارن عدنان بين الوضع الراهن للمشهد الإبداعي في المهجر وبدايات الظاهرة في أواخر القرن التاسع عشر، فيشدد على أنه «لا علاقة لما يكتب اليوم بأدب المهجر الذي واكب نزوح بعض المسيحيين العرب في سوريا ولبنان أواخر القرن التاسع عشر إلى المهاجر، هربا من ظلم العثمانيين وبطشهم، ولا حتى بكتابات المنفيين الذين هربوا إلى أوروبا من جور الأنظمة الوطنية في النصف الثاني من القرن الماضي. فالكثير من أبناء جيلي هاجروا بمحض اختيارهم ولأسباب ليست سياسية على الإطلاق. لذا فهم ليسوا مهجّرين ولا منفيين. إنهم شباب أقاموا في بلدان الاستقبال الأوروبية عموما وتأقلموا معها وأبدعوا داخلها أدبا قد يكون عربيا، تماما كما يمكن اعتباره رافدا من روافد الأدب المعاصر لبلدان الاستقبال. ويمكنك بعدها أن تسميه ما شئت: أدب اغتراب أو أدب إقامة حتى».
لا ينسى عدنان أن يعطي رأيه في قيمة الإبداع المهجري في النسيج الثقافي والإبداعي بالمغرب: «أولا، ومهما تعدّدت لغات الكتابة، فالإبداع المهجري هو إبداع مغربي، أيضًا. إبداع يرصّع شجرة الأدب المغربي المتحركة ويغنيها بالموضوعات الفنية والمقترحات الجمالية. كما أنه يقرّب القارئ المغربي من عوالم الهجرة خارج الصور النمطية الجاهزة التي يروّج لها الإعلام بشكل موسمي. إنه قيمة مضافة أكيدة للأدب المغربي. كما أنه منذور للتطور تبعًا لتطور الهجرة. وأتوقع شخصيا مفاجآت أدبية في بلدان ولغات تظل غير مطروقة من طرف الكتاب المغاربة، كإيطاليا التي تعتبر الهجرة إليها حديثة نسبيا. فمن الطبيعي أن تنتج الهجرة هناك أقلام تروي سيرة هذه الهجرة بلغة إيطالية ووجدان مغربي. وتنتج أدبًا يؤكد التعددية اللغوية كقيمة مركزية في الأدب المغربي المعاصر ويوسّع من مدار الأدب المغربي ويعزز حضوره العالمي».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.