ألاسكا تعطي أوباما ذخيرة لحملته ضد التغيير المناخي

أصبح أول رئيس أميركي يعبر الدائرة القطبية الشمالية

الرئيس باراك أوباما يعاين خلال زيارته إلى ألاسكا نهر «إكزيت جلاسير»  الجليدي الذي ينحسر كل عام نتيجة ارتفاع درجة حرارة المناخ (أ.ب)
الرئيس باراك أوباما يعاين خلال زيارته إلى ألاسكا نهر «إكزيت جلاسير» الجليدي الذي ينحسر كل عام نتيجة ارتفاع درجة حرارة المناخ (أ.ب)
TT

ألاسكا تعطي أوباما ذخيرة لحملته ضد التغيير المناخي

الرئيس باراك أوباما يعاين خلال زيارته إلى ألاسكا نهر «إكزيت جلاسير»  الجليدي الذي ينحسر كل عام نتيجة ارتفاع درجة حرارة المناخ (أ.ب)
الرئيس باراك أوباما يعاين خلال زيارته إلى ألاسكا نهر «إكزيت جلاسير» الجليدي الذي ينحسر كل عام نتيجة ارتفاع درجة حرارة المناخ (أ.ب)

عندما تفقد الرئيس الأميركي باراك أوباما، مساء أول من أمس، نهرًا جليديًا في آلاسكا، بدا متأثرًا بالدمار الذي تعرفه هذه البقعة القصية في العالم، وقال إن انحساره يبين مدى مخاطر تغير المناخ، مشيرًا إلى أن نهر «إكزيت جلاسير» الجليدي ينحسر كل عام نتيجة ارتفاع درجة حرارة المناخ، وأن هذه العملية تسير بوثيرة متسارعة، ولذلك أعلن عن رغبته الملحة في أن يتمكن «أحفادنا من رؤية هذا النهر الجليدي»، الذي شهد تراجعًا منذ 200 عام، حيث خسر كيلومترين منذ عام 1815، كما خسر 57 مترًا العام الماضي، بحسب هيئة الحدائق الوطنية.
وكان أوباما قد قال خلال مؤتمر دولي يوم الاثنين إنه يتعين على العالم أن يتحد من أجل إبطاء وتيرة التغير المناخي، وإلا سيواجه مستقبلاً وخيمًا.
وعبر أوباما أمس الدائرة القطبية الشمالية، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي في السلطة يفعل ذلك، حيث زار أول من أمس حديقة فيوردات كيناي الوطنية في ألاسكا، وأمضى بضع ساعات وسط الأنهار والكتل الجليدية في جنوب شرقي هذه الولاية الأميركية. وقد علق الرئيس على المشاهد المبهرة خلال تجواله وسط الجبال الجليدية في جو صاف بقوله: «إنها مذهلة.. نريد أن نضمن لأحفادنا كذلك إمكانية الاستفادة منها».
وتأتي رحلة أوباما إلى آلاسكا، والتي كرست بالكامل لملف الاحترار المناخي وعواقبه، قبل ثلاثة أشهر من انعقاد مؤتمر باريس للمناخ الذي يسعى إلى اتفاق عالمي لمحاولة منع ارتفاع معدل الحرارة الشامل أكثر من درجتين مئويتين، وتفادي اضطراب الماكينة المناخية.
وقد تحدث الرئيس الأميركي خلال هذه الزيارة عن المخاطر المحدقة بمنطقة القطب الشمالي، التي تشهد احترارًا أسرع بمرتين من سائر أنحاء الكوكب. كما تنزه بالقرب من نهر الجليد إكزيت، الذي انحسرت كتلته بأكثر من كيلومترين منذ 1815، موضحًا بأنها «الكتلة الجليدية التي خضعت لأكبر قدر من الدراسة لسهولة الوصول إليها.. وهذا يعكس الحاجة الطارئة للتحرك لمواجهة هذه المشكلة»، مضيفًا أنها «المؤشر الأفضل على التحدي الماثل أمامنا عندما نتحدث عن تغير المناخ»، وذلك غداة إلقائه خطابًا تحذيريًا أكد فيه أننا «لا نتحرك بالسرعة اللازمة».
وتوالت ردود الفعل المتضاربة على هذه الزيارة الرئاسية في الولاية التي ترتبط مواردها بشدة باستغلال النفط، حيث تجمع مئات المتظاهرين في وسط إنكوردج للمطالبة بإلغاء الترخيص لشركة «شل» النفطية لإجراء أعمال تنقيب في بحر تشوكشي شمال آلاسكا، فيما استقبله آخرون بالترحيب داخل هذه الولاية الهائلة، التي اشترتها الولايات المتحدة عام 1867 من قيصر روسيا، وباتت الولاية الأميركية الـ49 في 1959.
وتهدف زيارة أوباما لآلاسكا إلى التأكيد على حقيقة جوهرية مفادها أن ذوبان القمم الجليدية بالولاية، وتآكل سواحلها يمثل إرهاصات لكوارث أكبر في المستقبل ما لم يتحرك العالم حثيثًا للإبطاء من تغير المناخ.
وحسب مراقبين فإن أوباما، الذي يتبقى له 16 شهرًا على انتهاء فترته الرئاسية الحالية، يسعى لحشد تأييد لتنفيذ قواعد صارمة جديدة بشأن الانبعاثات الكربونية الناتجة من محطات القوى، قبل أي تفاق دولي مرتقب بشأن المناخ في قمة الأمم المتحدة في باريس خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وبهذا الخصوص قال أوباما في اجتماع لوزراء خارجية دول ذات اهتمام بالمنطقة القطبية «يجب أن يكون هذا العام في باريس عامًا يتوصل فيه العالم أخيرًا إلى اتفاق لحماية الكوكب الواحد الذي لدينا، بينما لا يزال هذا في مقدورنا». فيما قال البيت الأبيض إن أوباما سيعلن هذا الأسبوع سياسات جديدة لمساعدة من يعيشون في المناطق القطبية على التكيف مع تغير المناخ.
لكن يبقى الهدف الرئيسي من زيارة أوباما هو لفت الأنظار للأخطار التي تواجه ألاسكا، وإقناع الأميركيين بالإقلال من استهلاك الوقود الحفري، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وخصوصًا أن الولايات المتحدة تعد ثاني بلد مسبب لانبعاث غازات الدفيئة في العالم بعد الصين.
لكن في هذه المنطقة الشاسعة، لا يلقى أوباما ترحيبًا من الجميع، ذلك أن النفط يحتل مكانة كبرى في حياة الناس و«الانتقال في قطاع الطاقة» الذي يدعو إليه أوباما، يثير قلقًا كبيرًا. كما يخشى عدد كبير من سكان «الولاية 49» أن ينسى الرئيس الأميركي الصعوبات الاقتصادية التي يعانون منها، حيث ذكرت جمعية منتجي الغاز والنفط في آلاسكا الرئيس الأميركي بأن هذا القطاع يمثل 110 آلاف وظيفة مباشرة أو غير مباشرة، ودعت إلى تحقيق «توازن معقول» في خياراته في قطاع الطاقة.
وكانت واشنطن وحلفاؤها تعهدوا يوم الاثنين في آلاسكا بـ«إجراءات عاجلة» لإبطاء وتيرة ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.