حكايات ساخنة في الدورة الـ72 من مهرجان فينيسيا السينمائي

نجوم كثيرون وأفلام تجمع بين أجيال مختلفة

مشهد من «فتاة دنماركية»  ومشهد من فيلم الافتتاح «إيفرست»
مشهد من «فتاة دنماركية» ومشهد من فيلم الافتتاح «إيفرست»
TT

حكايات ساخنة في الدورة الـ72 من مهرجان فينيسيا السينمائي

مشهد من «فتاة دنماركية»  ومشهد من فيلم الافتتاح «إيفرست»
مشهد من «فتاة دنماركية» ومشهد من فيلم الافتتاح «إيفرست»

هناك عادة لا يتبعها مهرجان كبير آخر. البدء بالمهرجان قبل يوم واحد من بدايته. بكلمات أخرى: يوم الافتتاح الرسمي في الثاني من سبتمبر (أيلول) هو – تقنيا - اليوم الثاني، وفيلم الافتتاح «إيفرست» هو ليس الفيلم الأول الذي يعرضه المهرجان في دورته الجديدة التي تمتد حتى الثاني عشر منه.
يوم أمس، الأول من الشهر، تم عرض سبعة أفلام من بينها فيلمان للفنان الشامل أورسون وَلز بمناسبة مئوية مولده، هما «تاجر البندقية» و«عطيل». كذلك من بين ما تم عرضه أفلام جديدة مثل «شتاء مبكر» لمايكل راو و«ما» لسيليا راولسون هول و«مدينة الجزيرة» لرشيقة أوبروي.
على الرغم من ذلك، وعلى أهمية الاحتفاء بأورسون وَلز (الخجول) فإن اهتمام الجميع سينصب من اليوم على ما ستدلف إليه أيام المهرجان المقبلة من أعمال تشكل نظريا، على الأقل، ثالث مجموعة من الأفلام المنتظرة هذا العام من بعد تلك التي عرضها برلين في فبراير (شباط) الماضي، والأخرى التي شهدها مهرجان كان في مايو (أيار) قبل نحو ثلاثة أشهر.
هذه المهرجانات الثلاثة إذ اعتادت احتواء العدد الأكبر والأهم من الأفلام العالمية، اعتادت كذلك على التنافس في ما بينها حتى وإن اختلف كل منها عن الآخر بقدر ما. وفي حين أن مهرجاناتنا العربية إما تمر بأزمة أو تنحني تحت وطأة واحدة وتتوقف، فإن شغل المهرجانات الدولية جار على قدم وساق، والمنافسات في عالم تسوده اليوم الوسائط التقنية المختلفة باتت هدفا في حد ذاته يسيطر على رغبة المشاركين فيها من مخرجين ومنتجين وموزعين وممثلين.
إلى ذلك، فإن كلا من فينيسيا وتورنتو بداية حقيقية لموسم المهرجانات. جرسان كبيران يعلنان أننا بتنا في بطن هذا الموسم الحافل. هذا العام في فينيسيا ركّز مديره الفني ألبرتو باربيرا على تشكيل برنامج مهم. قال عنه في معرض حديثه في المؤتمر الصحافي: «يؤمن ما على المهرجانات السينمائية تأمينه قبل سواه: عرض الأفضل من كل البلدان إذا أمكن».
عمليا، وبالأرقام، يعرض البرنامج الرسمي في دورته الثانية والسبعين 55 فيلما جديدا لم يسبق عرضها في أي مناسبة أخرى، بينها فيلم الافتتاح «إيفرست» الذي تم تصويره في استوديوهات شينيشيتا في روما. إنه فيلم أميركي من إنتاج ديزني التي ستتبع العرض الافتتاحي بسهرة كبيرة يحضرها عدد كبير من المدعوين وكذلك الممثلين الذين يشتركون في أداء الأدوار الرئيسية، مثل روبن رايت وكايرا نايتلي وجيك جيلنهال وجوش برولين. مثل افتتاحات فينيسيا الأخرى في الأعوام القليلة الماضية، فإن الفيلم الذي أخرجه بالتازار كورماكور هو رحلة في المستحيل. مجموعة من متسلقي الجبال تقرر القيام برحلتها الأصعب وهي تسلق قمة إيفرست. سيقودنا الفيلم لاعتبار أن الوصول إلى القمة ليس أصعب المهام بل الهبوط عنها.
فيلم الافتتاح يعرض خارج المسابقة، كما يجب على كل فيلم افتتاح أن يكون، لكن هناك اشتراكات أميركية في المسابقة التي تضم كذلك أفلاما إيطالية وبولندية وتركية وصينية وفرنسية وإسبانية وفنزويلية من بين أخرى.
الفيلم الأميركي «الفتاة الدنماركية» هو جديد المخرج توم هوبر الذي صنع صيته الحسن عبر فيلم «خطاب الملك» سنة 2010، قبل أن ينتقل منه إلى فترة تاريخية أخرى نص عليها فيكتور أوغو في رائعته «البائسون». فيلمه الجديد «فتاة دنماركية» قصة حياة الفنانة الدنماركية (التي عاشت واشتهرت في باريس قبل كوبنهاغن) غيردا ويغنر وزواجها من آينر الذي رضي أن يُرسم كامرأة أمامها. وما لبث لهذا القرار أن تحوّل إلى ممارسة حياتية، إذ بقي آينر (يؤديه إدي ردماين الذي خرج بأوسكار أفضل ممثل في مطلع هذا العام عن دوره في «نظرية كل شيء») في الثياب النسائية وتزوّجته غيردا على أساس أنه امرأة، وهو زواج رفضته الملكة كريستينا آنذاك ولم تسمح به.
وفي «الانتظار» حكاية أخرى بين امرأتين، لكنها حكاية أقل حدّة وطبيعية إلى حد بعيد. سنجد الممثلة الفرنسية جولييت بينوش أمًا تنتظر مجيء ابنها للزيارة. قبل وصوله تطرق الباب فتاة تدعي أنها صديقته وأن زيارته ستتأخر. الفيلم، الذي أخرجه الإيطالي بييرو مسينا، حظي بإشادة رهط من النقاد الإيطاليين الذين شاهدوه في عرض خاص في روما قبل أيام قليلة.
لكن الانتظار الحقيقي ليس من نصيب هذا الفيلم أو أفلام أخرى تجاوره ذلك الطموح الفني مستندة إلى ما تسنى لمخرجيها من مواهب. هناك بعض القمم السينمائية الموجودة في هذه الدورة من بينها الفيلم الجديد «فرانكوفونيا» للروسي ألكسندر زوخوروف الذي كان مقررا له أن يعرض في «كان» لكن الفيلم لم يكن جاهزا آنذاك. اللافت أن المخرج لم يعتمد على تمويل روسي بل اتجه صوب شركات ألمانية وفرنسية وهولندية. البعض وصف الفيلم بأنه احتفاء بالهوية الأوروبية، وهو يقول إن أوروبا بالنسبة إليه «دائما ما بدت كعائلة متماسكة وقوية واحدة تستند إلى الثقافة كأساس».
أتوم إيغويان، اسم كبير آخر (ومن خارج العائلة الأوروبية فهو وُلد في الإسكندرية وهاجر صغيرا مع عائلته إلى كندا)، وكان تردد في التوجه إلى مهرجان «كان» الفائت لكن قيل إن فيلمه لم يكن جاهزا. على أي حال ما يخسره كان هو ما يفوز به فينيسيا، وعلى هذا الأساس سنرى هنا فيلمه الجديد «تذكر». يعد أغويان في هذا الفيلم الاختلاف عن الأفلام الأخرى التي تناولت حكاية ناجٍ من الهولوكوست يبحث عن الضابط النازي الذي عرف أنه ما زال حيا ويعيش في أميركا.
ثم هناك، ومن بين الجيل المخضرم، الإيطالي ماركو بيلوكيو الذي يضرب بمطرقته على قضايا اجتماعية ودينية (كنسية) وسواها في فيلمه الجديد «الدم دمي» أيضًا مع جولييت بينوش في أحد الأدوار الرئيسة، في حين يستعير المخرج الجديد لوكا غوادانينو ممثلين بريطانيين لبطولة فيلمه «رذاذ أكبر» هما تيلدا سوينتون وراف فاينس.
تعداد ما هو معروض في المسابقة أو خارجها لا ينتهي عند هذا الحد بالطبع، وليس ما سبق سوى ثلة من الأفلام التي جمعها مديره باربيرا للمناسبة. وسنلاحظ أن هناك العديد من الأفلام التي حققها جيل أحدث من المخرجين منهم الأميركي لوري أندرسن (بفيلمه «قلب كلب») والتركي أمين ألبر (جنون) والأسترالية سو بروكس (البحث عن عظمة) والأرجنتيني بابلو ترابيرو (العصبة).
ما يتفق عليه الوافدون لحضور هذا المهرجان الكبير كثرة ضيوفه من النجوم: براد بت، غاري أودلمان، كايت مارا، مارك روفالو، راتشل ماكآدامز، مايكل كيتون، جوني دب، جاك جيلنهال، كيرا نايتلي، كيفن باكون، بندكت كمبرباتش.. ما هم إلا بعض الأسماء الجماهيرية التي احتشدت لهذا المهرجان والتي يحتشد الجمهور الإيطالي ليتلقط لها الصور حين مرورها كل ليلة على ذلك البساط الأحمر.

أغلى فيلم قصير في العالم

إلى هؤلاء، كان من المفترض أن ينضم المخرج مارتن سكورسيزي لعرض فيلم جديد له بعنوان «الاختبار»، لكن العرض تم إلغاؤه بعدما بعث المخرج برسالة اعتذار فحواها أن مشاكل تقنية أخرت إنجاز الفيلم في موعده المقرر. لكن لا أحد يعرف إذا ما كان هذا هو السبب أو هو السبب الوحيد. ففي طيّاته أن بعض التمويل جاء من جهتين تجاريّتين: مؤسسة «مانيلا سيتي أوف دريمز» التي تملك عددا من الكازينوهات ومؤسسة «ملكو كراون» مالكة الاستوديو الجديد «ماكاوي استوديو سيتي» وكلاهما قصد الترويج لنفسه عبر فيلم من إخراج عملاق.
ليس فقط من إخراج عملاق، بل من بطولة ممثلين كبيرين هما روبرت دينيرو وليوناردو ديكابريو. والسائد في لوس أنجليس الآن هو أن الفيلم القصير ربما كان أغلى فيلم قصير في التاريخ، إذ لا تزيد مدّة عرضه على 16 دقيقة لكن كلفته وصلت إلى 70 مليون دولار من بينها 26 مليون دولار للممثلين المذكورين، ونحو 13 مليون دولار للمخرج سكورسيزي. لكن الممولين نفوا هذه الأرقام، وإن لم يتبرعوا بذكر أرقام أخرى. إذن بدأت الدورة قبل موعدها الرسمي وبطلها ممثل ومخرج ولد قبل مائة سنة ورحل قبل ثلاثين سنة وما زال مصدر اهتمام كبير. أحد الفيلمين المعروضين هنا هو أحد أسباب هذا الاهتمام، ففيلم «تاجر البندقية» هو واحد من الأفلام القليلة التي تم تحقيقها عن مسرحية ويليام شكسبير المعروفة (وصفها البعض بأنها معادية للسامية) وفي عام 1982، أي قبل ثلاث سنوات من وفاته، أعلن وَلز أن نسخة الفيلم مسروقة. وأكد بعض المؤرخين أن الموجود منها لا يعدو بضعة مشاهد. الغريب أن سيناريو الفيلم كان بدوره مفقودا إلى أن تم اكتشافه مؤخرا ثم قام فريق من الباحثين والمرممين باستخدام ما اكتشفوه من مشاهد وما اكتشفوه من نص لتأليف فيلم جديد - قديم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».