داهمت قوى الأمن التركية أمس مقر مجموعة إعلامية معارضة بسبب «الاشتباه بمخالفات ضريبية» فيما اعتبرت الصحيفة أن الأمر يندرج في إطار «حملة تخويف منظمة» يمارسها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب إردوغان ضد معارضيه من وسائل الإعلام قبيل الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ونفت مصادر رسمية تركية أي ارتباط للعملية بسياسة الصحيفة. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن العملية خاصة بمصلحة الضرائب، وتوقيتها هو أمر مقرر قبل وقت طويل ولا علاقة له بما نشرته الصحيفة في عددها أمس، في إشارة إلى اتهامات الصحيفة للسلطات بمعاقبتها على نشر تقرير مفصل يظهر عملية تهريب الأسلحة لصالح «داعش» برعاية الاستخبارات التركية. ورفضت المصادر الرسمية التركية الخوض في مدى دقة الأخبار التي نشرتها الصحيفة، معتبرة أن ثمة حملة منظمة من «الدولة الموازية» (وهي العبارة التي يستعملها المسؤولون الأتراك للإشارة إلى جماعة الداعية فتح الله غولن)، تهدف إلى تشويه دور تركيا في الأزمة السورية وغيرها.
لكن أمرة إلكر، مدير تحرير الصحيفة، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن عشرات من رجال الشرطة التركية داهموا المقر الرئيسي للصحيفة في أنقرة وفتشوا في أرجائه وصادروا أجهزة كومبيوتر. وربط إلكر بين عملية الدهم ونشر الصحيفة في عددها الصادر أمس التقرير، معتبرًا أن التدقيق في الضرائب يستلزم حضور بضعة رجال من مصلحة الضرائب مع مدقق مالي، لا هجوم يشنه العشرات من رجال الشرطة، موضحًا أن أجهزة الكومبيوتر التي جرى التفتيش فيها لا تعود كلها إلى قسم المحاسبة، بل إلى أقسام التحرير.
وأكد إلكر أن الصحيفة سوف تصدر اليوم كالمعتاد، مفندة أكاذيب السلطة، مشيرًا إلى ما أورده المدون التركي المشهور – المجهول الهوية فؤاد عوني عن نية السلطات التركية وضع يدها على صحف المعارضة لخوض الانتخابات من دون إزعاج. وقال: «إنهم يكذبون، وسوف نبقى نقول لهم ذلك». وشدد إلكر على أن ما حصل لصحيفته قد يحصل لصحف أخرى ووسائل إعلام أخرى، معتبرًا أنها «استراتيجية لتخويفنا وتخويف وسائل الإعلام الأخرى، وجعلنا أمثولة لمن يتجرأ منها على انتقاد إردوغان وجماعته».
وبدوره، قال أرهان باشيورت رئيس تحرير الصحيفة، إن قوات الأمن داهمت مجموعة «إيبيك» الإعلامية. وأضاف أنه بدأت عملية ترويع وإسكات وتكميم الأفواه المعارضة ضد مجموعة «إيبيك» الإعلامية: «الشرطة داهمت مقرنا، فعار عليهم أيما عار! يداهمون الإعلام ومجموعتنا في اليوم الذي كشفنا فيه عن صفقة الأسلحة المرسلة لتنظيم داعش». وأضاف: «قام رجال الأمن الذين تلقوا الأوامر والتعليمات من الرئيس رجب طيب إردوغان شخصيًّا بتفتيش وتدقيق داخل الشركات التابعة لمجموعة إيبيك، وعلى رأسها منزل أكين إيبيك صاحب مجموعة إيبيك الإعلامية».
يُشار إلى أن فؤاد عوني المدون التركي المشهور، كتب منذ أيام أن إردوغان يستعد لشن حملة بهدف إخراس الإعلام المعارض. وأكد أن إردوغان يستعد أيضًا لمصادرة المجموعات الإعلامية المنتمية للفصيل اليساري والليبرالي وعلى رأسهم جميعًا، حركة الخدمة.
من جهة أخرى، أعلنت الأكاديمية التركية دنيز أولكه أريبوغان مقدمة برنامج «وجهة نظر» على قناة «تي آر تي» الحكومية، إنه تم فصلها من تقديم البرنامج بعدما نشرت على حسابها في «تويتر» رسالة أدانت خلالها حملة المداهمة التي شنتها قوات الأمن على مجموعة إيبيك الإعلامية. وقالت فيها: «الديمقراطية هي نظام يستحقه من يليق به ويحافظ عليه ويدافع عنه. ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية في جو لا ينعم فيه الإعلام بالحرية». ثم كتبت أريبوغان في تغريدة ثانية: «تم إنهاء مهمتي في برنامج وجهة نظر الذي أقدمه في قناة (TRT) منذ سنوات طويلة. وإن ذلك سبب فخر بالنسبة لي إذ إن سبب فصلي من عملي هو دفاعي عن الديمقراطية والحرية».
وكانت صحيفة «بوجون» نشرت أمس تقريرًا قالت فيه إنه كشفت «فضيحة كبيرة على المعبر الحدودي أكتشه قلعة الواقع على الحدود السورية التركية، إذ أثبتت بالصور إرسال شحنة معدات ومستلزمات تستخدم في صنع الأسلحة لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا بدعم وتغاضٍ من موظفي الجمارك بالمعبر». وذكرت الصحيفة في خبر نشرته على صدر صفحاتها أمس أنه يتم إرسال براميل محمّلة بصفائح معدنية وأسمدة اصطناعيّة ومواد متفجرة تستخدم في صناعة الأسلحة والمتفجرات إلى تنظيم داعش في سوريا عبر شاحنات منذ شهرين. ويظهر بوضوح في المقاطع المصورة التي يظهر فيها عناصر داعش، كيف يتم تحويل هذه المعدات إلى أسلحة ومواد متفجرة. وذكرت الصحيفة أنه تم تشجيع بعض الموظفين الذين يعملون في الجمارك على تسهيل الإجراءات لشحنة هذه المعدات والأسلحة. ومن بين المعدات المرسلة لداعش شوهدت لوحات معدنية يبلغ وزنها 400 إلى 500 كيلوغرام لكل واحدة منها، تستخدم في صناعة الدروع الواقية. وقالت الصحيفة إن الفضيحة لم تقتصر فقط على غض الطرف عن نقل هذه المعدات التي سُمح لها بالعبور من الجمارك، إنما تبين أيضًا أنه تم السماح بعبور قطع كهربائية وكابلات مستخدمة في صناعة الأسلحة نتيجة تغاضي موظفي إدارة الجمارك المذكورة. ويظهر ذلك بشكل جلي في الصور والمقاطع المصورة التي تكشف عن لحظة تمرير هذه المعدات. وأضافت: «وفي الوقت الذي كان يتم فيه تمرير الأسمدة الاصطناعيّة من الجمارك، يظهر في المقاطع المصورة كل من مديري الجمرك (ف.ك) و(ك.س) وموظفي التفتيش (و) و(ت) وقد اكتفوا فقط بمشاهدة عبور الأسمدة المعروفة بأنها تستخدم في صناعة المواد المتفجرة، ولم يتخذوا أي قرارات حازمة تجاه ذلك». وقالت الصحيفة أيضًا أن المقاطع المصورة كشفت أيضًا عن أن معدات الأسلحة التي تم تمريرها من الجمارك لإرسالها إلى تنظيم داعش في سوريا كانت بأعداد كبيرة. وأنه كان يتم عبور شاحنتين يوميًا محملتين بالأسمدة الاصطناعية على مدى شهرين، وشاحنة صفائح معدنية، وشاحنة معدات كهربائية وكابلات. وقالت كذلك إنه «كان يتم إرسال مواسير مرة كل يومين. ولفتت إلى أن المعدات التي تم تمريرها من الجمارك لم تكن بأحجام صغيرة يُحتمل أنها قد تغيب عن الأنظار أو لا تلفت انتباه المسؤولين بالجمارك. وتبين أن هذه المعدات بأكملها تم نقلها عبر الشاحنات إلى المناطق الآمنة في سوريا من أجل داعش. أما المعدات التي تم عبورها من جمرك البوابة الحدودية أكتشه قلعة فكانت البراميل المحمّلة بمواد متفجرة، والتي تم إرسالها برميلاً برميلاً إلى داعش أمام أعين موظفي الجمارك».
السلطات التركية تداهم مقر صحيفة معارضة.. وتتهم جماعة غولن بتشويه الدور التركي في سوريا
مدير تحرير الصحيفة لـ«الشرق الأوسط»: يعاقبوننا على فضح تعاونهم مع «داعش»
السلطات التركية تداهم مقر صحيفة معارضة.. وتتهم جماعة غولن بتشويه الدور التركي في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة