مدحت المحمود.. قاضي العراق الأوحد خط أحمر آخر إيرانيًا

طهران تعده صنو المالكي وترفض التعرض له رغم دعوات المرجعية

القاضي مدحت المحمود
القاضي مدحت المحمود
TT

مدحت المحمود.. قاضي العراق الأوحد خط أحمر آخر إيرانيًا

القاضي مدحت المحمود
القاضي مدحت المحمود

على الرغم من سجله القضائي الحافل بوصفه أحد أبرز القضاة في العراق من واقع المسؤوليات التي شغلها سواء في عهد النظام العراقي السابق عام 2003 أو في عراق ما بعد التغيير، فإن القاضي مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية بدا من وجهة نظر الشارع العراقي المنتفض منذ نحو شهر أصغر من حجمه بكثير.
صورتان ارتبطتا في ذهن العراقيين طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية عن المحمود، الأولى قبل المظاهرات التي تعم العراق كل يوم جمعة منذ أكثر من شهر، ومثالها الأبرز ما قيل عن تبعية المحمود لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وفي هذا السياق يقول المستشار القانوني أحمد العبادي، الذي يعرف المحمود عن قرب، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «المحمود وإن كان قد جاء به الأميركيون إلى السلطة القضائية بقرار من الحاكم المدني بول بريمر إلا أن المهمة الأولى والأخيرة له خلال سنوات حكم المالكي الثماني كانت تفسير القوانين، بما فيها قرارات المحكمة الاتحادية، بما ينسجم مع رغبات المالكي».
أما الصورة الثانية عنه فهي تلك التي بات يعبر عنها خلال المظاهرات الجماهيرية، إذ أصبح المحمود أحد رموز مرحلة المالكي التي يطالب المتظاهرون بمحاكمتها من خلال رمزها الأكبر رئيس الوزراء السابق.
لكن المالكي لا يزال متشبثا بكرسيه كنائب لرئيس الجمهورية، مستفيدا من عدم تفاعل الرئيس فؤاد معصوم مع إصلاحات العبادي، ومنها الإطاحة بنوابه بسبب أن رئيس الوزراء لم يخبره بذلك. ويعود فضل بقاء المالكي وعدم محاكمته لطرفين الأول قاضي العراق الأوحد مدحت المحمود الذي وضع كل مفاتيح القضاء بيده (مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز) من خلال ما أفاد المالكي من تفسير لقوانين ورد طعون وطعون مماثلة. والطرف الثاني هو إيران التي أبلغت قادة التحالف الوطني عن طريق الجنرال قاسم سليماني أنها ضد محاكمة المالكي لأنها ستكون بمثابة محاكمة أول نموذج شيعي في العراق.
المظاهرات التي رفعت صور المحمود في بغداد وسواها من المحافظات كانت دائما تقارنه بالمالكي بوصفهما من وجهة نظر المتظاهرين وجهين لعملة فساد واحدة. وفي هذا الصدد يقول المستشار القانوني أحد العبادي إن «مما يؤسف له أنه لأول مرة في تاريخ المظاهرات في العالم يكون رئيس السلطة القضائية أحد أبرز المتهمين بينما معيار كفاءة وجدية أي نظام في العالم يكمن في مدى نزاهة القضاء».
اللافت للنظر في أمر القاضي المحمود هو أنه في الوقت الذي دعت المرجعية الدينية العليا إلى إصلاح القضاء، وذلك عبر خطبتي جمعة متتاليتين فإنه لم يلتفت كثيرا إلى مثل هذه النداءات. المتظاهرون، من جانبهم، عدوا تركيز المرجعية على القضاء دعما لموقفهم. وفي هذا السياق، يقول حميد قاسم، أحد منظمي المظاهرات في بغداد، لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة الكبرى التي نعانيها تكمن في القضاء بالدرجة الأولى لأنه هو متهم نفسه ولأنه يحمي المتهمين، بل وبات يوفر البيئة القانونية المناسبة لهم للإفلات من العقوبة». وأضاف قاسم أن «تركيز المرجعية على القضاء يأتي من هذه النقطة، وبذلك فإنها وفرت غطاء ممتازا للمتظاهرين للاستمرار بالطرق على القضاء وبالأخص القاضي الأول الذي صار بمثابة القضائي الأوحد أو ديكتاتور القضاء مدحت المحمود».
الأغرب في أمر المحمود هو الخلاف بشأنه داخل قيادات وميليشيات الحشد الشعبي، فبعد يومين من مطالبة زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي للمحمود بالاستقالة من منصبه فإن اثنين من أبرز زعامات «الحشد»، وهما زعيم منظمة بدر هادي العامري وأبو مهدي المهندس، زارا المحمود في مكتبه بدار القضاء وأبديا دعمهما له. وجاء في بيان صدر عقب اللقاء أن «العامري والمهندس أبديا دعمهما الكامل للقضاء العراقي ورموزه وعدم السماح لأية جهة بالتدخل في استقلاله»، مبينة أنهما «استنكرا ما يثيره البعض ضد القضاء».
المتابعون للشأن العراقي يرجحون أن هذه رسالة إيرانية ثانية بأن المحمود صنو المالكي القانوني خلال السنوات الثماني الماضية أصبح هو الآخر خطأ أحمر لم يعد ممكنا من الآن السماح بإدانته مهما دعت المرجعية عبر خطب الجمعة أو هتف المتظاهرون ضده عبر المظاهرات.



انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
TT

انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)

أعادت وكالة أممية حديثها عن تسرب ملايين الأطفال من التعليم، وتدمير آلاف المدارس في اليمن، بينما تتعسف الجماعة الحوثية مع موظفي قطاع التعليم، وحرمتهم من صرف نصف راتب شهري تعهدت به سابقاً، بالتزامن مع إجبار طلاب المدارس على المشاركة في دورات قتالية، وسط اتهامات داخلية للجماعة بالتآمر على قطاع التعليم.

ورفض نادي المعلمين اليمنيين ما سماه «سياسة التجويع» التي اتهم الجماعة الحوثية بممارستها ضد التربويين، مطالباً بعدم الانخداع بـ«أنصاف الحلول وفتاتها»، مع دعوته إلى صرف رواتب المعلمين كاملة، ومعها كامل المستحقات الأخرى، وذلك إثر استثناء الجماعة الحوثية قطاع التعليم من نصف الراتب الشهري الذي تعهدت به للموظفين العموميين.

ودعا الكيان النقابي المعلمين والأكاديميين والموظفين العموميين وعموم قطاعات المجتمع إلى الثورة في مواجهة ممارسات الجماعة الحوثية ورفض «حياة العبودية».

من داخل مدرسة في تعز تعمل «اليونيسيف» على إعادة إلحاق الطالبات المتسربات للدراسة فيها (الأمم المتحدة)

وعدّ النادي المطالبة بالراتب الكامل حقّاً أصيلاً، وليس ترفاً، مشدداً على أن كرامة المعلم لا ينبغي أن تكون رهينة لسياسات عمياء تُغلق الأبواب في وجه العدالة، في حين أعلنت مكاتب التربية الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية رفضها القاطع لاستثناء الإداريين في مكاتب التربية من صرف نصف الراتب الشهري.

وتعرضت الإجراءات الحوثية بشأن صرف رواتب الموظفين العموميين، التي أعلنت عنها منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي لانتقادات حادة، كونها تعتمد على التمييز وتصنيف الموظفين إلى فئات، ما يؤدي إلى اختلالات عميقة، وتمييز حاد بين هذه الفئات.

وحذّر الناشط الحوثي طه الرزامي من تقسيم الموظفين إلى فئات (أ) و(ب) و(ج)، لصرف الرواتب لهم بحسب هذا التصنيف الذي قال إنه «سيولد الحقد والكراهية بين من يعملون من الفئة (ج) ولا تُصرف لهم أنصاف رواتب إلا كل ثلاثة أشهر، وبين من يستلمون رواتب شهرية كاملة من الفئة (أ) دون أن يعملوا».

ووصف إسقاط أسماء عشرات الآلاف من الموظفين القدامى ذوي الخبرة والكفاءة من قوائم صرف الرواتب بالجريمة التي ترتكب بحقهم بعد معاناتهم وعائلاتهم لتسع سنوات.

إيقاف الدراسة للتجنيد

اتهم القيادي الحوثي علي عبد العظيم، وكنيته أبو زنجبيل الحوثي الجماعة التي ينتمي لها، باستهداف قطاع التربية والتعليم وإهماله، إثر استثناء موظفيه من كشوفات صرف نصف الراتب الشهري الذي كانت تعهدت به لجميع موظفي الدولة في مناطق سيطرتها، واصفاً ذلك بالمؤامرة على التعليم، خصوصاً مع عدم إبداء الأسباب، وتجاهل مطالب المعلمين.

ويقود نادي المعلمين اليمنيين إضراباً منذ بداية العام الدراسي للمطالبة بصرف رواتب المعلمين، واعترض على تعرض قادته وعدد من المنتمين إليه خلال هذه الفترة لإجراءات عقابية حوثية، مثل الاختطاف والإخفاء القسري، واتهامهم بالخيانة والعمالة والتآمر، وقد توفي عدد من الخبراء التربويين في السجون.

في غضون ذلك أجبرت الجماعة الحوثية عشرات المدارس في مناطق سيطرتها على التوقف عن الدراسة لإلزام مئات الطلاب والمدرسين على المشاركة في دورات قتالية للتدرب على استخدام الأسلحة في أفنية المدارس.

ونقلت مصادر محلية في مدينة الحديدة الساحلية الغربية عن مدرسين وأولياء أمور الطلاب أن المدارس تحولت إلى مراكز حوثية لاستقطاب الأطفال وإغرائهم أو ترهيبهم للانضمام للجماعة والمشاركة في فعالياتها التدريبية والدعوية، تحت مزاعم مواجهة الغرب وإسرائيل.

منذ بداية العام الدراسي الماضي يواصل المعلمون اليمنيون إضرابهم للمطالبة برواتبهم (إكس)

وتنوعت وسائل الترهيب والإغراء للطلاب وأولياء أمورهم، حيث يجري استغلال الضربات الجوية الإسرائيلية على ميناء الحديدة وخزانات النفط لإقناعهم بأن هدف هذه العمليات هو إخضاع اليمنيين، إلى جانب عرض إعفائهم من الرسوم الدراسية، وزيادة درجات تحصيلهم الدراسي في حال المشاركة في تلك الأنشطة، والتهديد بزيادة الأعباء المالية والحرمان من الدرجات عقاباً على التغيب أو التهرب منها.

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة مشابهة وموازية يتعرض لها طلاب الجامعات العمومية، وخصوصاً جامعة صنعاء وكادرها التدريسي والوظيفي، ضمن مساع لاستقطاب وتجنيد الآلاف من الشباب والأطفال.

تأهيل أممي للمدارس

أعلنت «اليونيسيف» أن تداعيات الصراع المسلح في اليمن منذ أكثر من عقد من السنوات تسببت بتسرب أكثر من 4.5 مليون طفل خارج المدرسة، حيث خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

وأوضحت المنظمة الأممية أنها وشركاءها من أجل التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين من الأطفال، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، نظراً لأن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

أطفال نازحون يدرسون في مبنى مهجور بمحافظة الحديدة الغربية (أ.ف.ب)

ونبهت «اليونيسيف» من تأثير النزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء اليمن، وتجزئة نظام التعليم الذي وصفته بأنه شبه منهار، وقالت إن ذلك كان له أثر بالغ على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكل الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

وأحصت المنظمة تدمير 2,916 مدرسة، بواقع مدرسة واحدة على الأقل، من بين كل 4 مدارس، أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية بسبب النزاع الذي تشهده البلاد.

ويواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين، ما يقارب 172 ألف معلم ومعلمة، على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ 2016، أو أنهم انقطعوا عن التدريس؛ بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.

وأشارت المنظمة إلى اضطرار المدارس لإغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب تفشي جائحة «كورونا» منذ خمسة أعوام، ما تسبب في تعطيل العملية التعليمية لحوالي 5.8 مليون طالب، بمن فيهم 2.5 مليون فتاة.