أميركيون: حضارة التكنولوجيا لم تترك لنا وقتًا للاستمتاع بالشعر

فعاليات ومهرجانات صيفية تثبت تراجع دوره

روبرت فروست وروبرت كيلي
روبرت فروست وروبرت كيلي
TT

أميركيون: حضارة التكنولوجيا لم تترك لنا وقتًا للاستمتاع بالشعر

روبرت فروست وروبرت كيلي
روبرت فروست وروبرت كيلي

كل صيف يقيم الشعراء وعشاق الشعر الأميركيون مهرجانات، ومؤتمرات، وورشا، في ولايات مختلفة، ومنها مهرجان الشعر في نيويورك الشهر الماضي، ومهرجان الشاعر روبرت فروست في شافتسبيري (ولاية فيرمونت حيث ولد)، وورشة كتابة الشعر السنوية في جامعة نورث داكوتا، وواحدة أخرى في جامعة نوتردام (ولاية إنديانا).
والشهر المقبل، سينظم مهرجان الشاعر تي إس إليوت في سانت لويس (ولاية ميسوري)، حيث ولد، وعاش، قبل أن يهاجر إلى بريطانيا، ويستغني عن الجنسية الأميركية، ويحصل على البريطانية.
أقيم مهرجان نيويورك في «غفرنار آيلاند»، واختلط الشعراء بعشاق الشعر والتلاميذ الذين شاركوا في مسابقة أحسن قصيدة، وأسوأ قصيدة، وأقصر قصيدة، وأطول قصيدة، كذلك ألقوا قصائد عن الحرب وعن السلام والنساء.
وكان هناك مهرجان الشاعر جون كيلي «شاعر الحب والسلام». ومن المفارقات أن المهرجان عقد في قاعدة عسكرية سابقة.
لكن، مثلما حدث خلال مهرجانات أخرى خلال السنوات القليلة الماضية، كان هناك إحساس بأن الأميركيين لم يعودوا يحبون الشعر كما كانوا.

ما هو الشعر؟

كان إدوارد هيرش واحدا من «مستشاري الشعر» في مكتبة الكونغرس. ومرة سأل: ما هو الشعر؟
وأجاب: «الشعر نشاط قديم ودولي، وسبق النثر في الأدب، ولا توجد ثقافة من دون شعر». وأضاف أن الشعر «يربطنا بأعمق ما في أعماقنا، ويفتح أمامنا الباب نحو أحاسيسنا، ويعلمنا فن أن نخلق معنى للأشياء، ويوسع مساحات حياتنا الداخلية». وأضاف أن الشعر «لغة ساحرة، وغامضة، وغير قابلة للتوضيح، لكنها مفهومة. وللشعر صلة قوية بالصلاة. إنه تعبد داخلي، ويفتح نفوسنا الروحية».
وسأل زميله روبرت بنسكي نفسه مرة، وهو واحد من الذين شغلوا منصب «مستشار الشعر»، نفس السؤال: ما هو الشعر.. وعن ماذا يجب أن ينشد الشعراء؟
ثم قرر أن يبحث بنفسه عن الإجابة. ذهب إلى مدرسة للصم، وسأل تلاميذ صما عن مواضيع الشعر التي يفضلونها. وعلى ضوء إجاباتهم كتب قصيدة قال فيها:
«عن النار، لأنها سريعة وتدمر. وعن الموسيقى، لأنها تزيل الغضب. وعن الحب الرومانسي، لأنه بارد وغبي. وعن لغة الإشارة، لأنها مليئة بالعظمة. قصيدتي يمكن أن تشاهد، ولا يمكن أن تشاهد. قصيدتي غامضة وواضحة. قصيدتي صرخة وصمت. تعيش في داخلي، وتنتظر لتنفجر في الهواء».

الشعر اليومي

صار واضحا أن اهتمام الأميركيين بالشعر قل كثيرا منذ منتصف القرن الماضي، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ونهاية قصائد البطولة والنضال.
قليلا، قليلا، صار كثير من الشعر الأميركي يبتعد عن القضايا المهمة. وبدلا من ذلك، صار يصور الحياة اليومية، وتعقيداتها.
قبل ثلاث سنوات أنشد الشاعر ستيفن بيرت، في ديوانه «ألعاب متوازنة»، عما سماه: «شعر الحياة الأميركية اليومية». يرمز اسم الكتاب إلى نظرية «ألعاب متوازنة» في علم النفس، وهي عن الأطفال الذين يلعبون بطريقتين مختلفتين: يلعبون مع بعضهم البعض، لكن، في الواقع، يلعب كل طفل بلعبته.
لهذا، قال بيرت إن الحياة الأميركية «خليط من انفرادية داخلية وجماعية خارجية»، وأنشد عن بعض ظواهر الحياة اليومية الأميركية:
أولا: أنشد عن انفرادية البنت الأميركية: «أنا ذكية وخطيرة. يتنازعني الناس، ولكن ليس بالطريقة التي أريدها. من كان يتوقع ذلك من بنت من ديرفيلد، في ريف ولاية إلينوي؟».
ثانيا: أنشد عن غموض الحياة الأميركية: «كيف نستمر في العيش هكذا.. مترفين، وقلقين؟ هل نحن فقراء، أم نحن خاسرون؟ هل أنا واحد من فعلة الشر؟».
ثالثا: أنشد عن الحنين إلى الحياة البسيطة، وكأنه يتخيل وجبة طعام بسيطة: «ليست قائمة طعام فيها أنواع مختلفة. هذه وجبة واحدة، بمذاق واحد».

مقررات مدرسية

كما قال واحد من المشتركين في مهرجان نيويوركي، أهمل الأميركيون الشعر. ولا يوجد بصورة منتظمة في غير المدرسة الثانوية. هناك يقرأ الشعر، ويحفظ، ويحلل في انتظام وباهتمام. ورغم أن القراءة إلزامية لأنها مقررة، ورغم أن كثيرا من الشعر ينسى، تبقى، هنا وهناك، قصيدة أو قصيدتان أو بيت أو بيتان، يتذكرهما الإنسان في بقية حياته.
حسب تقرير في مجلة «بويتري» (الشعر)، يختلف الشعر الأميركي عن غيره بأنه:
أولا: «عملي».. يهتم بأشياء واقعية، و«ينظم نفسه مثل الحروف الأبجدية».
ثانيا: «مبالغ في الوطنية».. ربما لم يكتب شعراء عن الوطنية والفخر بوطنهم مثلما كتب الشعراء الأميركيون.
ثالثا: «ديني».. على الأقل بالمقارنة مع الشعر الأوروبي.
قبل عدة سنوات، تبرعت روث للي، حفيدة إيليا للي، مؤسس شركة «للي» لصناعة الأدوية في إنديانا بوليس (ولاية إنديانا)، بمائتي مليون دولار إلى مجلة «بويتري» (شعر). وقالت في خطاب التبرع: «إريد بعث الحياة في الشعر الأميركي. أريد مساعدة الشعر والشعراء لمواجهة غزو التلفزيون والفيديو والإنترنت».
لم يعرف عنها الغرام بالشعر. لكن يبدو أنها تقرأه، وهي الهادئة إلى درجة الانعزالية، والصامتة إلى درجة البكم. لكنها ورثت ما يقارب مليار دولار من ثروة الشركة التي تنتج أدوية مثل «بروزاك» للمصابين بالقلق والإحباط، و«سياليس» للمصابين بالعجز الجنسي.
أما ليف غروسمان، وهي صحافية في مجلة «تايم»، فكتبت موضوعا تساءلت فيه: «هل يقدر الدولار على إنقاذ الشعر؟»، وأجابت هي نفسها: «يبدو أن حضارة التكنولوجيا، والسرعة، واللهو، لم تترك ساعة يختلي فيها إنسان بديوان شعر، ويستمتع بقوافيه ووزنه».



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.