قضايا عالقة تحول دون انفتاح ألماني كامل على إيران

أبرزها ملف حقوق الإنسان ومعاملة الأقليات القومية

فرانك فالتر شتاينماير ... محمد جواد ظريف
فرانك فالتر شتاينماير ... محمد جواد ظريف
TT

قضايا عالقة تحول دون انفتاح ألماني كامل على إيران

فرانك فالتر شتاينماير ... محمد جواد ظريف
فرانك فالتر شتاينماير ... محمد جواد ظريف

تسعى بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى استعادة علاقاتها التجارية والسياسية مع إيران في أعقاب الاتفاق النووي، رغم أن العديد من الملفات ما زالت عالقة بين طهران وحكومات هذه الدول، وفي مقدمتها قضية حقوق الإنسان، وتعاملها مع الأقليات القومية.
وصرح وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، الاثنين الماضي، أنه يعتزم السفر إلى طهران في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ليبعث برسالة قوية، مفادها أن أكبر اقتصاد في أوروبا يريد أن يعيد سريعا بناء العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إيران.
وتأتي زيارة شتاينماير بعد زيارة وزير الاقتصاد، سيغمار غابرييل، منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وتعد ألمانيا أولى الدول الأوروبية التي توجهت إلى إيران في أعقاب إعلان الاتفاق النووي. وربما كان اندفاع ألمانيا تجاه طهران في أعقاب الاتفاق النووي خطوة مبيتة، خاصة بعد أن لفت المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى ارتفاع حجم التجارة بين إيران وألمانيا خلال عام 2013. وقال المتحدث إنه «في حال التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإن البلدين سيرفعان مستوى علاقاتهما الاقتصادية والتجارية».
وكانت الصادرات الألمانية إلى إيران قد بلغت 4.4 مليار يورو في 2005، لكنها تقلصت إلى 1.8 مليار بحلول عام 2013 بعد تشديد العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
يذكر أن العلاقات التجارية بين ألمانيا وإيران كانت وثيقة، وكانت ألمانيا شريكا تجاريا أساسيا لطهران في عام 1990، كما يقيم أكثر من مائتي ألف إيراني في ألمانيا.
وكانت زيارة نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد والطاقة، سيغمار غابرييل، قد ركزت على مشاريع متعددة في قطاعات السيارات والطاقة والنفط والبتروكيمياويات ونقل التكنولوجية الألمانية. وكشفت التقارير أن ما يقارب ألفي شركة ما بين البلدين ترغب في إعادة العلاقات والعودة إلى معدل التبادل التجاري نفسه الذي بلغ سابقا 2.4 مليار دولار قبل أن يتراجع بفعل الحظر المفروض على إيران بسبب برنامجها النووي.
وفي سياق آخر، سبق أن وجهت حكومة برلين انتقادات كثيرة إلى إيران حول قضايا حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، في المجتمع الإيراني، فضلا عن اضطهاد الأقليات الإثنية والدينية، إلى جانب الفساد. وبات معروفا عن ألمانيا دعمها للمعارضة الإيرانية، حيث استقبلت في 24 يوليو (تموز) 2010 عشرات المعارضين الإيرانيين المنشقين عن حكومة طهران، بعد أن فروا عبر تركيا في أعقاب معارضتهم حكومة أحمدي نجاد آنذاك. وتشهد المدن الألمانية نشاطا وتحركا للجالية الإيرانية التي تحظى بتمثيل واسع في البلاد، وتنظم فيها مظاهرات معارضة ومؤيدة لحركة «مجاهدين خلق».
في سياق متصل، وفي إشارة إلى أزمة الرهائن الأميركيين في طهران، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عام 1981 أن العالم لن يعرف مطلقاً دور ألمانيا الغربية في مفاوضات تحرير 52 رهينة من السفارة الأميركية في طهران، لكن بحثاً جديداً يلقي الضوء على الدور المهم الذي اضطلع به هذا البلد في إنهاء الأزمة؛ حيث كشفت صحيفة «دير شبيغل» للكاتب «كلاوس» تفاصيل جديدة عن الدور الألماني الوسيط. كما أجرى برفقة المؤرخ «فرانك»، مدير مركز التاريخ المعاصر في بوتسدام، بحثًا في الأرشيف الألماني، وتحدثا مع شهود من تلك الحقبة، وأكّدا أن حكومة ألمانيا الغربية أدت آنذاك دورا وسيطا وفاعلا في حل أزمة الرهائن.
وقد تثير هذه الحقائق التاريخية التساؤلات حول التسريبات التي أفادت بدور ألماني وسيط بين طهران وتل أبيب حديثا، خاصة بعد مطالبة وزير الاقتصاد الألماني حكومة طهران بتقديم تعهدات تتعلق بأمن إسرائيل. مقابل ذلك، فإن إيران تطمح إلى أن تلعب ألمانيا دورا في تحسين علاقاتها مع بقية دول الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يتطرق البلدان خلال زيارة شتاينماير المرتقبة إلى العلاقات الدبلوماسية بينهما وإلى تعزيز نشاط سفارتي البلدين.
يذكر أن حكومة طهران لديها تمثيل قنصلي في فرانكفورت، وكذلك في مقاطعة منشن جنوب ألمانيا، إضافة إلى السفارة الإيرانية في برلين.



مصر تشدد على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لتفادي «الحرب المفتوحة»

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر تشدد على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لتفادي «الحرب المفتوحة»

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

شددت القاهرة على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لتفادي ما سمته «الحرب المفتوحة». وندد وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، مساء الجمعة، بـ«إمعان إسرائيل في توسيع رقعة الصراع»، مجدداً مطالبة تل أبيب بالانسحاب من معبر رفح و«محور فيلادلفيا» الحدودي.

وحمَّل عبد العاطي إسرائيل «المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في غزة والمنطقة، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال». وقال في كلمته، خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن بشأن الوضع في فلسطين: «تل أبيب هي المسؤول الأول والمُباشر عن توسيع رقعة الصراع، ومثلها مثل بقية الدول يجب عليها الالتزام بتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية الصادرة منذ بداية الأزمة، وكذلك أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».

وشدد وزير الخارجية والهجرة المصري على «رفض مصر الكامل لاستهداف المدنيين»، مُديناً «العدوان الإسرائيلي على لبنان»، وأكد «ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بمسؤولياته، واتخاذ الإجراءات اللازمة بما يؤدي إلى وقف الحرب الدائرة، وتحقيق وقف فوري وشامل ودائم لإطلاق النار في غزة ولبنان، وتجنيب المنطقة الانزلاق إلى حرب إقليمية مفتوحة».

مبنى استهدفته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (رويترز)

وأشار عبد العاطي إلى «استمرار القاهرة في العمل بلا كلل أو ملل لوقف الحرب، ولضمان النفاذ الكامل والمُستدام للمساعدات الإنسانية لغزة، ودعم الصمود الفلسطيني أمام محاولات التهجير». وقال إن «مجلس الأمن قادر على إحداث تغيير على الأرض إذا خلصت النيات»، وطالب مجلس الأمن بـ«إلزام إسرائيل بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، ووقف التصعيد المُتعمد في المنطقة بما في ذلك لبنان، والانسحاب الكامل من القطاع، بما في ذلك الانسحاب الفوري من معبر رفح و(محور فيلادلفيا)، حتى يتم استئناف تدفُّق المساعدات الإغاثية العاجلة، والانسحاب كذلك من الجانب الفلسطيني لجميع المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل وفتحها بالكامل للنفاذ الإنساني».

و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين قطاع غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية السلام» الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979. ومنذ اندلاع حرب غزة بات المحور نقطة أزمة بين القاهرة وتل أبيب، لا سيما مع سيطرة إسرائيل عليه في مايو (أيار) الماضي.

وأشار وزير الخارجية والهجرة المصري إلى عدد من الخطوات الأخرى التي تتطلع القاهرة إلى دور مجلس الأمن بشأنها، ومن بينها «تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، وتقديم الدعم الكامل للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتمكينها من القيام بكل واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما في ذلك العودة للمعابر، وتقديم الخدمات الأساسية، وتولِّي مهام الإدارة والحُكم وإنفاذ القانون».

آثار القصف الإسرائيلي على مبانٍ شمال قطاع غزة (رويترز)

كما طالب وزير الخارجية والهجرة المصري مجلس الأمن بـ«الترحيب بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، على أساس خطوط الرابع من يونيو (حزيران) لعام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس الشريف، وإلزام إسرائيل بإنهاء كل مظاهر الاحتلال لدولة فلسطين بقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية».

وأكد عبد العاطي أن «قوات الاحتلال أمعنت في الانتقام من أهل غزة، رغم كل المناشدات الدولية لإسرائيل بوقف نزيف الدماء، وإيقاف القتل المستمر واستهداف المدنيين، ورغم مساعي الوساطة المستمرة لمصر مع قطر والولايات المتحدة وقرارات مجلس الأمن الكثيرة، وما وصل إليه القطاع من وضع إنساني كارثي». وقال إن «إسرائيل استخدمت التجويع والحصار سلاحاً ضد الفلسطينيين، وفرضت عليهم النزوح والتهجير من منازلهم، واحتلت الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ومنعت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية من توزيع المساعدات داخل القطاع، بما أفضى لكارثة إنسانية غير مسبوقة».

دبابات إسرائيلية في الشمال قرب الحدود اللبنانية السبت (إ.ب.أ)

ودعا وزير الخارجية والهجرة المصري المجتمع الدولي إلى «الرفض الواضح للمُبررات الواهية لاستمرار الحرب الحالية، أو الادعاءات الجوفاء التي تُكررها سلطة الاحتلال بخصوص الإجراءات التي اتخذتها للتخفيف من وطأة التداعيات الإنسانية، والتي ثبت مراراً عدم مصداقيتها». وأشار إلى أن «توقُّف تدفُّق المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح البري هو نتيجة مباشرة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية المُتواصلة على كل أرجاء قطاع غزة بما في ذلك الجانب الفلسطيني من معبر رفح والشريط الحدودي مع مصر». وقال: إن «مواصلة العمل الإنساني ما زالت ممكنة، إذا تحمَّلت إسرائيل مسؤولياتها، وانسحبت فوراً من المعبر، وقامت بتسليمه للجانب الفلسطيني، وقامت بفتح كل المعابر الأخرى التي تحيط بغزة من الجانب الإسرائيلي».

ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي انخرطت مصر وقطر والولايات المتحدة في جهود وساطة من أجل هدنة في غزة، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن. كما كررت القاهرة مراراً مطالبتها إسرائيل بالانسحاب من «محور فيلادلفيا»، محذرة من مخاطر توسيع رقعة الصراع.

بدوره، لا يرجح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أن «تدخل المنطقة في حرب إقليمية مفتوحة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل وجّهت ضربات قاسية لـ(حزب الله) في لبنان لم يشهدها في تاريخه، ومارست سياسة الاغتيالات، لكن المعركة لا تزال بين تل أبيب والفصائل المسلحة، ولم تتوسع لتشمل دولاً، لا سيما أن إيران لن تتدخل في المعركة الحالية».

واغتالت إسرائيل، الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، في غارة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية، مساء الجمعة.

وبينما عَدَّ الرقب التحركات والتحذيرات العربية محاولة «لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أمام الغطرسة الإسرائيلية غير المسبوقة تاريخياً»، لا يرجِّح «قبول إسرائيل أي اتفاق لوقف الحرب في غزة أو لبنان في الأمد القريب». وقال: «إسرائيل منتصرة عسكرياً، وشعبية رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في ازدياد داخلياً، ما يعني أنها ستستمر في الحرب لتحقيق أهدافها بدعم من الولايات المتحدة، وستفرض شروطها في النهاية».