ضحايا هجمات إرهابية مولتها إيران يتوصلون إلى تسوية بملايين الدولارات

محكمة استئناف أميركية قضت بدفع بنك وطني إيراني تعويضًا ماليًا بقيمة 17 مليون دولار

الأميركيون منقسمون بين مؤيدين للاتفاق النووي مع إيران ورافضين له وفي الصورة ناشطون يدافعون عن الاتفاق في مدينة لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا يوم الأربعاء الماضي (رويترز)
الأميركيون منقسمون بين مؤيدين للاتفاق النووي مع إيران ورافضين له وفي الصورة ناشطون يدافعون عن الاتفاق في مدينة لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا يوم الأربعاء الماضي (رويترز)
TT

ضحايا هجمات إرهابية مولتها إيران يتوصلون إلى تسوية بملايين الدولارات

الأميركيون منقسمون بين مؤيدين للاتفاق النووي مع إيران ورافضين له وفي الصورة ناشطون يدافعون عن الاتفاق في مدينة لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا يوم الأربعاء الماضي (رويترز)
الأميركيون منقسمون بين مؤيدين للاتفاق النووي مع إيران ورافضين له وفي الصورة ناشطون يدافعون عن الاتفاق في مدينة لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا يوم الأربعاء الماضي (رويترز)

قضت محكمة الاستئناف الاتحادية الأميركية منتصف هذا الأسبوع بالحكم لصالح عائلات ضحايا هجمات إرهابية نفذت في منطقة الشرق الأوسط ومولتها إيران، وذلك في سياق دعوى قضائية قدموها ضد البنك الوطني الإيراني للحصول على تسوية من البنك بقيمة 17 مليون دولار من أموال إيران المجمدة في سان فرانسيسكو.
ورفضت محكمة الدائرة التاسعة يوم الأربعاء الماضي دفاع بنك «ميلي» الإيراني، وهو أول مصرف وطني في إيران، كما بينت المحكمة بأن «الحجج الإبداعية» التي قدمها البنك لن تخلصه من دفع ما يفوق 17 مليون دولار لضحايا الهجمات وعوائلهم. وبنت المحكمة قرارها على قرار سابق للكونغرس الأميركي يتيح لضحايا الإرهاب وعوائلهم مطالبة أجهزة الدولة التي ترعى الهجمات الإرهابية بتعويضات مالية.
وأوضحت المحكمة أنه «رغم أن الدول الأجنبية عادة لا يمكن مقاضاتها في المحاكم الأميركية، إلا أن حصانتهم لا تغطي الأضرار الناجمة عن الإرهاب الذي ترعاه الدولة». وبناء على هذا الاستثناء وتعلقه بحوادث الإرهاب، فسيسمح لأربع مجموعات من الضحايا بمقاضاة بنك ملي الإيراني، كما ستؤخذ المبالغ من الأموال التي تحتفظ بها شركة «فيزا» والتي بدأ البنك بقبول بطاقاتها الائتمانية عام 1991. وتم تجميد هذه الأموال عام 2007 بناء على طلب من الحكومة الأميركية كجزء من العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها للأسلحة النووية.
وعندها قامت «فيزا» بإيداع الأموال المتنازع عليها في صناديق الاستثمار تابعة لشركة «فرانكلين ريسورسيس أوف سان ماتيو»، وأصبحت الأموال تحت إشراف المحكمة.
ووفقا لتصريحات محامي بنك «ملي» الإيراني، فإنه لا ينبغي أن يكون البنك مسؤولا عن الأضرار التي لحقت المدعين لأنه «لم يكن طرفا في الدعاوى ضد إيران، ولأن القانون الاتحادي المذكور لم يتم العمل به إلا بعد عام 2008، ولا ينبغي تطبيقه بأثر رجعي ضد الأموال المحتجزة في عام 2007». إلا أن المحكمة رفضت ذلك، وأوضح القاضي أليكس كوزينسكي المسؤول عن القضية بأنه في هذه الحالة تم اعتبار «بنك ميلي هو إيران»، وسيتم تنفيذ القرار الفيدرالي وأخذ الأموال من البنك.
وواجهت الكثير من القضايا الشائكة عملية التوصل إلى تسوية مالية، فبحسب الأوراق التي قدمها القاضي كوزينسكي، فإن «الفوز في قضية التسوية المالية ضد دولة أجنبية لا يعد نهاية القصة، وذلك بسبب الحصانة السيادية التي تحمي الأصول ذات السيادة الأجنبية».
ولولا تعديلات في القانون الذي يغطي مثل هذه القضايا المالية، كان سيصبح البنك الوطني في إيران بمأمن عن تنفيذ الحكم لأنه وبحسب حججه المقدمة لم يكن سوى مكان لإيداع المال وليس المنفذ أو الممول للتفجيرات الإرهابية. ونتيجة لهذه الثغرة وجوانب قانونية أخرى، عدّل الكونغرس القانون مرتين في عامي 2002 و2008 لسد هذه الثغرات القانونية، مما مكن المحكمة في نهاية المطاف من دحض حجة البنك واعتباره دولة إيران.
وتعود هذه القضية بأكملها إلى عام 2002. عندما تقدم المدعيان الرئيسيان في القضية وهما والدا الضحية مارلا بينيت برفع قضية ضد إيران لدى المحكمة الاتحادية في واشنطن. وجاء ذلك بعد مقتل ابنتهما، طالبة الدراسات العليا في جامعة بيركلي بكاليفورنيا آنذاك، مع تسعة طلاب آخرين في تفجير نفذته حماس في مقهى بالجامعة العبرية في القدس، وتأكيد التحقيقات في التفجير بتورط إيران بتمويل العملية. وقضى القاضي الاتحادي بالحكم لصالح الأبوين وقبول طلبهما بالتسوية، بعد أن وجد أن إيران مولت ودعمت الهجوم الذي نفذته حركة حماس الفلسطينية. وحصلت عائلة بينيت على 12.9 مليون دولار تعويضا عن الأضرار التي عانوها.
وفي وقت لاحق، قام أهالي ضحايا آخرين قضوا أو تضرروا من تفجيرات أخرى تورطت في تمويلها إيران برفع دعاوى مشابهه، وربحوا تسويات تصل إلى ما يقارب مليار دولار ضد إيران. ويتعلق الأمر بأربعة تفجيرات إرهابية نفذت بين عامي 1990 و2002 ومنها تفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996 الذي قتل فيه 19 أميركيا، وتفجير آخر في القدس عام 2001 تسبب في مقتل 15 شخصا، وسيتم توزيع المال بين الضحايا بناء على اتفاقية مسبقة تحدد شروط تقسيم المال في حال فوزهم على بنك «ميلي» الإيراني.
جدير بالذكر بأن الاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس الأميركي أوباما مؤخرا مع إيران والذي يقضي برفع العقوبات عن إيران في المستقبل في حال تخليها عن تطوير الأسلحة النووية وإخضاعها للتفتيش الدولي، لن يؤثر على قرار المحكمة والحكم الذي صدر، بحسب ما أكّده مصدر مسؤول في الحكومة الأميركية.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.