الأسماء القديمة.. موضة الاستثمار الجديدة

شراء شركة كورية دار «بول بواريه» يفتح ملف شراء وإنعاش بيوت أزياء منسية ومدى جدواها في عصرنا

معطف صممه بول بواريه في عام 1923 ويوجد حاليا في متحف كيوطو و من عرض «سكاباريللي» لخريف وشتاء 2015 و من عرض «فيونيه» لخريف وشتاء 2015 و («سكاباريللي» 2015)
معطف صممه بول بواريه في عام 1923 ويوجد حاليا في متحف كيوطو و من عرض «سكاباريللي» لخريف وشتاء 2015 و من عرض «فيونيه» لخريف وشتاء 2015 و («سكاباريللي» 2015)
TT

الأسماء القديمة.. موضة الاستثمار الجديدة

معطف صممه بول بواريه في عام 1923 ويوجد حاليا في متحف كيوطو و من عرض «سكاباريللي» لخريف وشتاء 2015 و من عرض «فيونيه» لخريف وشتاء 2015 و («سكاباريللي» 2015)
معطف صممه بول بواريه في عام 1923 ويوجد حاليا في متحف كيوطو و من عرض «سكاباريللي» لخريف وشتاء 2015 و من عرض «فيونيه» لخريف وشتاء 2015 و («سكاباريللي» 2015)

لا حديث لأوساط الموضة هذه الأيام سوى سيرة بول بواريه وخبر إحياء داره ونفض غبار 86 عاما تقريبا عنها، بعد أن اشترتها شركة كورية على أمل إعادتها إلى الواجهة على غرار بيوت أخرى اشتراها صناع موضة أو مستثمرون ونجحوا في نقلها إلى الألفية. ورغم أن اسم بول بواريه قد لا يعني شيئا للشخص العادي، لأنه يعتبر من خبر كان، بحكم أنه أغلق داره في عام 1929 ومات مفلسا في عام 1944، إلا أنه بالنسبة لعشاق الموضة والعارفين، مصمم لا يجود الزمان بمثله سوى فيما ندر. هؤلاء لا يزالون يلمسون تأثيره، يظهر بين الفينة والأخرى في عروض مصممين من عصرنا، نذكر منهم جون غاليانو، خلال عهده في دار «ديور»، والثنائي «دولتشي آند غابانا» وغيرهم.
بدأ الحديث عن بول بواريه منذ أكثر من سنة تقريبا عندما تناهت أخبار عن عرضها للبيع، وزادت حدتها في الأشهر الأخيرة بعد تناهي خبر شراء الشركة الكورية شينسيغاي إنترناشيونال Shinsegae International كل ما يتعلق بها، من اسم وأرشيف ومتعلقات، على أمل إعادة البريق إليها، أسوة ببيوت قديمة أخرى تم تلميعها في السنوات الأخيرة، مثل سكياباريللي، وفيونيه، وكوريج، وتشارلز جيمس، وغيرها. ما توصل إليه المستثمرون أن عملية إنعاش دار قديمة أسهل من دعم مصمم شاب واسم جديد عليهم بناؤه من الصفر. فاسم قديم، إذا كان له ثقل ورنة، يمنحهم إمكانية أكبر للتحرك، إلى حد أنها قد لا تستعمل من القديم سوى الاسم، تستند عليه كعكاز للحصول على المصداقية. كل هذا يطرح تساؤلات كثيرة عن الأسباب التي جعلت الموضة مؤخرا مسكونة بالماضي، أو بالأحرى بالعراقة والموروثات القديمة، رغم أنها في أمسّ الحاجة إلى مصممين شباب، يضخون فيها دماء جديدة ويتسلمون المشعل من المصممين الكبار الذين بلغ أغلبهم سن الشيخوخة، من كارل لاغرفيلد مصمم دار «شانيل» و«فندي» إلى جيورجيو أرماني وغيرهما. والجواب، على ما يبدو، أن أحد أسباب التهافت على التاريخ بإرثه وعراقته، يحقق المعادلة الصعبة بالنسبة للمستثمرين. فهم من جهة، يوفرون للمصمم الشاب أرشيفا غنيا ومضمونا يكون نقطة الانطلاق للإبداع، ومن جهة ثانية، هو نص مكتوب وواضح، كل ما عليه هو دراسته عوض البدء من الصفر أو إطلاق العنان لشطحات قد تكلفهم الكثير لصعوبة تسويقها. في المقابل، فإن اسما له وزن ورنة، حتى وإن لم يسمع به الجيل الجديد، يمكن بيعه لهذا الجيل بمساعدة وسائل الإعلام المتواطئة معهم، من ناحية أنها جاهزة لتقديم الدعم من باب تقديرها لهذه الأسماء التاريخية القديمة. وهذا ما أكدته التجارب السابقة مع بيوت أزياء مثل «كارفن»، و«روشا»، و«فيونيه»، و«بالمان» و«نينا ريتشي»، فكلها أسماء لمؤسسين ومصممين لم يعد لهم وجود بيننا، ومع ذلك فإن المستهلك يشعر بأنهم لا يزالون على قيد الحياة.
من وجهة نظر أخرى، فإن الاستثمار في اسم قديم أسهل، من الناحيتين القانونية والإدارية، من الاستثمار في دار أزياء شابة لمصمم له حضور في الساحة. وتكمن السهولة هنا في قدرتها على إملاء شروطها عليه، بل وحتى الاستغناء عنه واستبداله بمصمم آخر إن استدعى الحال، وهو ما حصل فعلا في بيوت مثل «بالنسياجا» و«سكياباريللي» مؤخرا. وهذا ما لا تستطيع القيام به في حال استثمرت في دار المصمم الشاب. فكل ما في إمكانها القيام به في هذه الحالة، أن تنسحب وتسحب دعمها، مضحية بكل ما ضخته من أموال لسنوات. وربما هذا ما يجعل عملية البحث عن مصمم مناسب صعبة ومعقدة، لأن الآمال المعقودة عليه تكون كبيرة قد ينوء تحتها بعد موسم أو اثنين فقط. دييغو ديلا فالي، صاحب شركة «تودز» الذي اشترى «إلسا سكاباريللي»، مثلا، لم يتوفق لحد الآن بمصمم يملأ كرسي المؤسسة ويشفي غليله لفنيتها. وكل التجارب لحد الآن، تؤكد أن كارل لاغرفيلد، فلتة لا تتكرر. فقد قاد دار «شانيل» إلى آفاق أبعد من المتوقع، وبإيقاع ربما لم يكن بإمكان المصممة المؤسسة نفسها أن تواكبه فيما لو ظلت على قيد الحياة، تقود زمام دارها، لأن هناك مصممين عباقرة عندما يكون النص مكتوبا لهم ينطلقون منه للتطوير والإبداع، بينما هناك مصممون لهم رؤيتهم التي لا يحيدون عنها، وبالتالي يفضلون أن يبدأوا من الصفر، أي على كنفس أبيض تماما، ويجدون صعوبة في التأقلم مع أسلوب غيرهم خصوصا إذا كان قد مضى عليه قرابة قرن من الزمن إلى حد أنه لا يبقى من الدار سوى اسم مؤسسها. أكبر مثال على هذا أن الأسلوب الذي أرساه المصمم بيير بالمان في الخمسينات من القرن الماضي، مختلف تماما عن أسلوب الدار حاليا في عهد أوليفييه روستينغ. فبينما كان أسلوب المؤسس يتميز بالأناقة الرفيعة التي تخاطب الطبقات الأرستقراطية والمخملية، فإن روستينغ، من جيل وسائل التواصل الاجتماعي، يعتمد على فتيات الانستغرام والنجمات الشابات، مع جرعات قوية من الإثارة الحسية. ومع ذلك تحقق الدار النجاح التجاري، بينما تستمد عراقتها وشرعيتها من الاسم. ولولا هذا الاسم، لما كانت لتبيع هذه التصاميم.
من بيوت الأزياء القديمة التي تعرف نجاحا ملموسا بعد إحيائها، دار «فيونيه» التي تأسست في عام 1912 واشتهرت صاحبتها، مادلين فيونيه، في بداية القرن الماضي بتقنية الدرابيه. فقد ظلت نائمة ومنسية لمدة 75 عاما قبل أن توقظ من سباتها بفضل سيدة الأعمال والمصممة غوغا أشكينازي التي عرفت كيف تستعمل جينات الدار وتطورها لتلبية ما تحتاجه المرأة من تصاميم أنيقة تخدمها وتبرز جمالها. وكانت غوغا قد اشترت نسبة مهمة من أسهم هذه الجوهرة الفرنسية، ولم تكن تنوي أن تكون المديرة الفنية، لكن كل المصممين الذين تعاقدت معهم كانوا يخذلونها في آخر لحظة بعدم التزامهم بالوقت حتى عندما كان أسبوع الموضة على الأبواب، مما اضطرها لكي تأخذ زمام الأمور بيديها وتُنصب نفسها كمصممة. ولم لا؟ فهي امرأة أنيقة، ثم إنها تمتلك خبرة لا بأس بها في هذا المجال بحكم صداقتها مع إيفا كافالي، زوجة روبرتو كافالي، وأيضا بحكم دراستها في ميلانو وفلورنسا لفن التصميم.
ما يجعل القصة مثيرة بالنسبة لبول بواريه، إضافة إلى أنه اسم دخل المتاحف، وكتب الموضة التاريخية، أنه اسم يحترمه العارفون ويقدرونه. فهو كان من أهم المستشرقين الذين شهدتهم أوساط الموضة، ليس في بداية القرن الماضي فحسب بل لحد الآن. عشق الشرق وترجمه من خلال إبداعات تحاكي لوحات الفنان كريستيان لاكروا في قوتها أحيانا.
المثير في أسلوبه أنه تدرب في دار دوسيه ثم في دار وورث، مؤسس ما يعرف الآن بـ«الهوت كوتير» ومع ذلك لم يكن يجيد الخياطة، مما جعله يبتكر أسلوب الطيات باستعماله أمتارا طويلة من الأقمشة المترفة. كان يبدأ أي زي بقطعة قماش مستطيلة ويصممها مثلما يصمم اليابانيون الكيمونو والمغاربة القفطان، لتتدلى على الأكتاف بسخاء ثم تعانق الجسم بأقل قدر من الحياكة. رحلاته الخيالية للشرق تجسدت أيضا في تصاميم عبارة عن سراويل فضفاضة وعمامات فارسية وتطريزات هندية غنية. قد يتساءل البعض كيف لمصمم مبدع مثله أن يُفلس ويموت مغمورا، والجواب للأسف، أنه لم يستطع أن يقرأ تغيرات العصر بعد الحرب العالمية الأولى، مما جعل المرأة التي كانت تريد التحرر من القيود تعزف عن فخامة تصاميمه وتُقبل على تصاميم غريمته غابرييل شانيل.
الآن وبعد أن قامت شركة «شينسيغاي إنترناشيونال» بالخطوة الأولى وهي الأسهل، أي شراء الدار، فإن الخطوة الثانية والأصعب هي العثور على مصمم في مستوى عبقرية بواريه ليلمعها ويضفي البريق عليها في زمن أصبحت فيه المنافسة على أشدها مع كثرة الأسماء وتشابه الأساليب.
قد يكون جون غاليانو الأقرب لشخصيته، لما يتمتع به من كاريزما إبداعية تتجسد في دراما الألوان وفنية التصاميم وسخاء الأقمشة، لكنه الآن في «ميزون مارجيلا». الخيار الثاني يمكن أن يكون كريستيان لاكروا، وإن كان قبوله يتوقف على الكثير من الأمور منها كبرياؤه المجروح، بعد أن كان يتحكم في داره الخاصة التي أغلقت منذ بضع سنوات تأثرا بالأزمة الاقتصادية في عام 2008 ومدى رغبته في دخول تحدٍ جديد، أو بالأحرى مقارنة، غير مضمونة مع المؤسس.

من هو بول بواريه؟

> كان أول مصمم أزياء يتفرع إلى مجالات أخرى وطرح عطرًا خاصًا به، يحمل اسم ابنته الكبرى «روزين»
> كان أول من فتح محلا للديكور المنزلي أطلق عليه «أتيلييه مارتين»، على اسم ابنته الثانية
> يعيد بعض المؤرخين الفضل في أسلوبه الفخم والمتحرر من الخطوط الواضحة والخيوط الكثيرة، لزوجته دينيس التي كانت جد مستقلة وأنيقة في الوقت ذاته. كانت أيضا ملهمته وسفيرته الخاصة، من ناحية أنها كانت تتعمد أن تلبس جديده في المناسبات الكبيرة لشد الانتباه إليها والترويج له.
> إلى جانب إعجابه بالقفاطين والعمامات والتطريزات الشرقية، تأثر أيضا بالأزياء الإغريقية الكلاسيكية وترجمها بأسلوب فني تجريدي، ألهم مصممين معاصرين من أمثال راي كاواكوبو، مصممة ماركة «كوم دي غارسون»، وحسين تشالايان.
> أطلق عليه الأميركيون لقب «ملك الموضة» عندما زارهم لأول مرة عام 1913 لكنهم لم يبقوا أوفياء له، وسرعان ما أداروا له ظهرهم بعد أن راقت لهم تصاميم منافسته اللدودة آنذاك، كوكو شانيل. كان أسلوبها هو الضد، خصوصا وأنها تفوقت عليه بقراءتها تغيرات العصر ومتطلباته في وقت كان العالم يعيش فيه تبعات الحرب العالمية وما فرضته من تقشف وتغييرات. وهكذا بينما بقي هو وفيا لأسلوبه الفني والفخم، خففت هي من الأحجام واستعملت أقمشة عملية ورخيصة مثل الجيرسيه لتخاطب امرأة جديدة كانت تتوق أن تتحرر من كل القيود الاجتماعية وبدأت تزرع بذرة مساواتها مع الرجل.
> ما يُحسب له أنه كان من الأوائل الذين انتبهوا إلى قوة الإعلام وتأثيره، لهذا أحاط نفسه بشخصيات ثقافية ومخملية، وتودد للجميلات والشهيرات، مثل سارة برنارد وكوليت وهيلينا روبنشتاين وبيغي غوغنهايم وغيرهن، للظهور بتصاميمه في المحافل الكبيرة، بل وحتى على المسارح.
> في عام 2007، كان موضوع متحف المتروبوليتان للفن في نيويورك، من خلال معرض كبير بعنوان «ملك الموضة».



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.