الفلسفة والإرهاب: بحث في روحه وجذوره

لا يعتبر صراعًا بين الحضارات أو الأديان بل صراع العولمة مع ذاتها

الفلسفة والإرهاب: بحث في روحه وجذوره
TT

الفلسفة والإرهاب: بحث في روحه وجذوره

الفلسفة والإرهاب: بحث في روحه وجذوره

ما زالت مسألة الإرهاب تفرض إحراجا كبيرا على الباحثين من مختلف التخصصات، في الوقت الذي أصبح فيه الإرهاب قضية عالمية تأثرت بها كل بقاع المعمورة، مما يفرض علينا ضرورة التحلي بالمسؤولية والحس الفلسفي الكبير ونحن نقارب هذه القضية، حتى لا ننساق وراء التحليلات التبسيطية للمسألة، والتي قد تخفي داخلها حمولات آيديولوجية أو براغماتية، خاصة في عالم إسلامي ينعش بالإرهاب ويكتوي بناره ويخسر بسببه الكثير.
اخترت أن نعود إلى فيلسوفين كبيرين استوقفتهما مسألة الإرهاب، وهما الفيلسوفان الفرنسيان جاك دريدا 1930 - 2004 وجون بودريار 2007 - 1929. لأن ما قدماه حول القضية ليس بقليل، حيث تميزا برؤية متبصرة وناقدة عملت على تفكيك خطاب الإرهاب والبحث في جذوره الأساسية. ينضاف لهذا أنهما فيلسوفان عرفا بمواقفهما السياسية العادلة تجاه قضايا الوطن العربي.
الإرهاب مفهوم ملتبس يحتاج إلى تدقيق وتحليل
في الحوار الذي أجرته الصحافية والكاتبة الأميركية جيوفانا بورادوري مع جاك دريدا بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، يتساءل دريدا حول المعنى الحقيقي لمفهوم الإرهاب، فإذا كان الإرهاب يدل على جريمة ضد الحياة البشرية، فلا يمكن أن نستثني من هذا التعريف إرهاب الدولة، والإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية، وكذا الإرهاب الذي مارسته الجماعات الإرهابية المسلحة لتأسيس دولة إسرائيل، وإذا كان الإرهاب كترهيب يرتبط دائما بالقتل فيمكن أن نرهب حتى من دون قتل، ففي بعض الأحيان يكون القتل كبيرا ولكن التأثيرات تكون أقل. هكذا يمكن اتهام أميركا وإسرائيل والقوى الاستعمارية والسلطات ذات الأشكال الإمبريالية بممارسة إرهاب الدولة، وبكونها أكثر إرهابا من الإرهابيين الذين تعمل على محاربتهم، إذا أردنا قبول المعنى الحقيقي للإرهاب.
يمضي جاك دريدا ليبين على أن الإرهاب قد عرف توظيفات متعددة ومتناقضة على مر التاريخ، فقد اعتبرت فرنسا الاستعمارية الجزائريين المناضلين إرهابيين، في الوقت الذي كانوا يعتبرون مناضلين شرفاء في وطنهم، ثم اعتبر الفرنسيون إرهابيين في نظر ألمانيا، هذا دون أن ننسى إرهاب الفرنسيين أنفسهم ضد الجزائر، أما اليوم فظاهرة الإرهاب قد جرى تشويهها انطلاقا من رؤية من الطرف المسيطر والذي هو الولايات المتحدة الأميركية، حارسة العولمة وزعيمة العالم. لقد عملت الولايات المتحدة الأميركية على صنع هذا المفهوم، وحملته بالمعاني التي تريد، لتقوم بتسويقه مشوها مبعثرا عن طريق وسائل الإعلام.
أما عندما نتحدث عن الحرب على الإرهاب فالأمر يزداد سوءا، فإذا كان الفيلسوف الألماني «شميت» يؤكد أن الحرب هي صراع بين دولتين تتبادلان العداء، فإن مفهوم الحرب لا يستقيم والحال هذه، ففي الوقت الذي يتحدث فيه جورج بوش عن الحرب على الإرهاب، لا يحدد من هو هذا الإرهابي الذي يجب محاربته، فالدول التي توصف بكونها مأوى للإرهاب ليست كلها إرهابية، بل حتى أميركا وبريطانيا تؤويان الإرهاب، يتساءل جاك دريدا، كيف يمكن أن نحارب عدوا غير محدد؟ عدوا ينافس الجراثيم والبكتيريا على المناطق الصغيرة والمنافذ المستحيلة؟
إذا كان الأمر هكذا بالنسبة لدريدا فإن جان بودريار ينطلق هو الآخر من موقع الشاهد على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما دام هذا التاريخ هو نقطة الانطلاق الحقيقي لإشكالية الإرهاب، ففي مقالة منشورة له في الجريدة الفرنسية لوموند بعنوان روح الإرهاب، يحلل دريدا هذا الحدث، ليدعونا إلى ضرورة التأني، وعدم الوقوع في فخ التسرع المضلل، ما دام أن كل شيء في نظره وهمي ومفترى، حيث يتوارى الواقع الحقيقي للإرهاب خلف الافتراضي، فالصور التي نراها في وسائل الإعلام أشبه بتلك التي تنتجها هوليوود، وتنقلب الأمور لما يصبح الخبر المشاع عن الإرهاب هو الذي يصنع الحدث عوض أن يكون الحدث هو الذي يصنع الخبر، لقد جرى تكثيف أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل كبير، حتى انعدم الواقعي في الاصطناعي، بطريقة خيالية، جعلت الإرهاب الأسود فلما سينمائيا سحريا، اختفت حقيقته في متاهة الصور، وعمل كل طرف سواء الذين يوصفون بالإرهابيين أو الولايات المتحدة الأميركية، على استغلالها بطريقته الخاصة، على الرغم أن انفجار البرجين حدث هام في حد ذاته.
الإرهاب ليس صراعا بين الحضارات أو الأديان وإنما الإرهاب صراع العولمة مع ذاتها.
حول الجذور الحقيقية للإرهاب يقدم دريدا وبودريار تصورا يخرج تماما من الدين الإسلامي، وإشكالاته، بل أكثر من ذلك يعتبران أن الإرهاب بعيد عن الإسلام تماما، وأن ربط الإرهاب بالإسلام أمر غير صحيح.
الإرهاب في نظر دريدا من مسؤولية الغرب الذي عمل على احتضانه وتسويقه، وهو رد فعل وملجأ أخير ضد الولايات المتحدة الأميركية التي تحمي العولمة. لقد عملت العولمة في نظر دريدا على خلق عوالم محظوظة وأخرى مهزومة، منسية لتموت بسبب الأمراض والجوع والحروب وهي ترى الشركات متعددة الجنسيات وأصحاب رؤوس الأموال ينهبون خيراتها، ويعطلون إمكاناتها عن طريق تحالفهم مع حكومات بلدانهم، حيث تعمل هذه الحكومات على توطيد سلطتها غير الديمقراطية عبر تحالف دبلوماسي اقتصادي عسكري مع الولايات المتحدة الأميركية. ماذا يبقى أمام هذه الشعوب المحرومة المعذبة التي ترى النموذج الأميركي في شاشات التلفزيون إذن إلا أن تثور وهي محملة بكل ما هو ضد أميركا، ومثقلة بعواقب الحقبة الاستعمارية والبؤس والاضطهاد، والتلقين الآيديولوجي والديني؟ لا يبقى أمامها إلا العنف بطواعية وقصدية أو حتى دون قصد، العنف بوصفه البديل الوحيد ضد سياسة الآذان الصماء.
نبدأ مع بودريار من حيث انتهى دريدا، يؤكد بودريار على أن الإرهاب ليس صدمة حضارات كما يشير إلى ذلك هنتنغتون، ولا صراعا بين الغرب والإسلام، بل الإرهاب هو مؤشر على العولمة في صراعها مع ذاتها، باعتبارها نموذجا منحرفا قائما على تشوهات كبيرة، ولكن الإسلام متهم لأنه الجبهة الوحيدة المتحركة لتبلور هذا العداء، ولو كان الإسلام يسيطر على العالم لوقف الإرهاب ضد الإسلام.
يمضي بودريار في تحديد جذور الإرهاب باعتباره رد فعل، ضد قوة تذل المرء، ولذلك ينبغي إذلالها، ومن الواجب التضحية في سبيل ذلك عن طريق الموت، مقابل مكان في الجنة ورغبة في الحصول على نصر معنوي كبير، تحت شعار لا أهمية للقصف الأميركي فرجالنا يتمنون الموت بقدر ما يتمنى الأميركيون الحياة. إنه منطق جديد ضد منطق اللامبالاة، حيث يواجه الشر بالشر. وهو ما يوضحه بودريار أكثر في كتابه المصطنع والاصطناع لما يعتبر بأن الوضع لما يصبح محتكرا من قبل قوة معينة ومحددة مستحوذة على كل شيء، لا يبقى من طريق سوى التحويل الإرهابي للوضع كل طرف يرغم الآخر على تغيير اللعبة، في نهاية الوضع نصبح في إرهاب ضد إرهاب آخر. فصحيح أن الإرهاب غير أخلاقي إلا أن العولمة هي الأخرى غير أخلاقية.
ولأن موازين القوى غير متكافئة فالصراع بين الإرهابيين والولايات المتحدة الأميركية يتحول من صراع مادي إلى صراع رمزي بالأساس، فضرب برجي التجارة العالمية، تحدٍ رمزي في الجوهر، ضد الثوابت من الزجاج، والفولاذ والإسمنت، ضد تصميمهما المعلوماتي، والمالي، والحسابي، والرقمي، ضد النظام الذي يسود مدينة نيويورك، بضربهما جرى مس المركز العصبي للنظام الأميركي، وبانهيارهما ينهار رمزيا كل شيء، تنهار قوة عظمى متعجرفة مهيمنة، كما أوضح في مقال له بعنوان السلطة الجهنمية.
في مقال آخر بعنوان بورنوغرافيا الحرب، يقول دريدا بأن الإرهاب قد نجح في زعزعة عدو أصبح هشا بسبب الكمال، وصار حساسا لأقل شرارة، فكافة الاستراتيجيات الأمنية ليست إلا امتدادا للإرهاب الذي نجح في أن يغرق الغرب كله في هوس أمني، أي في شكل مموه من الإرهاب المستمر.
تبقى إشكالية الإرهاب إشكالية معقدة جدا يتداخل فيها الديني بالسياسي بالسوسيولوجي بالاقتصادي، مما يفرض علينا مزيدا من البحث وتطوير المناهج والدراسات، حتى لا نبقى حبيسي الرؤى الأحادية التي تنظر إلى الموضوع بطريقة قطاعية تجزيئية تعطل التفكير في الموضوع أكثر مما تخدمه، إن تفكيرا من هذا النوع هو الذي بإمكانه أن يجنبنا ويلات القادم، ويمهد الطريق للحياة، ولبناء المستقبل.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).