جهات خارجة عن القانون تعبث بصحيفة («الشرق الأوسط») ـ طبعة العراق

الحكومة تقر بوجودها.. ومرصد الحريات الصحافية: هناك حملة لإسكات الأصوات الحرة التي تنادي بمحاربة الفساد

الصفحة الأولى لعدد أول من أمس من «الشرق الأوسط» طبعة العراق قبل العبث بها و .. وبعد الانتهاك الذي تعرضت له في المطبعة
الصفحة الأولى لعدد أول من أمس من «الشرق الأوسط» طبعة العراق قبل العبث بها و .. وبعد الانتهاك الذي تعرضت له في المطبعة
TT

جهات خارجة عن القانون تعبث بصحيفة («الشرق الأوسط») ـ طبعة العراق

الصفحة الأولى لعدد أول من أمس من «الشرق الأوسط» طبعة العراق قبل العبث بها و .. وبعد الانتهاك الذي تعرضت له في المطبعة
الصفحة الأولى لعدد أول من أمس من «الشرق الأوسط» طبعة العراق قبل العبث بها و .. وبعد الانتهاك الذي تعرضت له في المطبعة

في انتهاك جديد تعرضت له صحيفة «الشرق الأوسط» في طبعتها في العراق، قام مسلحون باقتحام المطبعة التي تقوم بطباعة الصحيفة في بغداد وعبثوا بصفحتها الأولى، وحذفوا مانشيت تقريرها الرئيسي الذي كان بعنوان «مظاهرات العراق تستبق دخول طهران على خطها بتمزيق صور خامنئي»، واستبدلوا بصورتين كانتا مع التقرير ذاته صورة من صفحة داخلية، وكذلك رفعوا أحد مقالات الصفحة الأخيرة منها، مما أحدث تشوها في الصفحتين، وخرجت الصفحة الأولى بلا عنوان رئيسي.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى، فقد سبق أن تعرضت «الشرق الأوسط» لانتهاكات مماثلة خلال الأشهر الماضية، منها حذف تقرير من صفحة داخلية مخصصة لأخبار العراق في عددها الصادر في 26 مارس (آذار) الماضي. وتأكدت «الشرق الأوسط» من أن المسألة لا تتعلق بخلل فني في المطبعة التي تتولى طبع الصحيفة في بغداد بقدر ما هو فعل متعمد من جهات ميليشياوية، في مقدمتها «عصائب أهل الحق» المقربة من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، لا تعترف بالرأي والرأي الآخر، أو بما لا يواكب أجندتها الطائفية، والجهات الخارجية التي تأتمر بأمرها.
وتجيء هذه الانتهاكات المستمرة كلها تحت مرأى ومسمع السلطات العراقية، رغم أنها تنفي في العلن علمها ومسؤوليتها عما يجري.
وفي هذا السياق، أقر إبراهيم العبادي مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بوجود جهات خارجة عن القانون، مؤكدا أن السلطات تعمل على وقف انتهاكاتها. وأضاف أن «حرية التعبير في العراق مصونة ومكفولة بموجب الدستور العراقي مثلما هي حرية التظاهر، وكلتا الحريتين تمارس الآن في العراق بدليل وجود طبعة عراقية لصحيفة دولية مثل (الشرق الأوسط)، وكذلك الأمر للمظاهرات التي ترفع شتى الأهداف والشعارات المطالبة بالإصلاح»، مبينا أن «هذه الحرية تبقى محترمة ما دامت في إطار القانون ولم تتعارض معه وكذلك مع النظام».
وأوضح العبادي أنه «حتى في حال حصل تعارض من خلال خرق القانون أو النظام فإن المعالجة تتم في إطار القانون والنظام أيضًا وبالتالي لا يسمح لأية جهة خارجة عن القانون بأخذ دور الأجهزة الأمنية والحكومية، إذ إن مثل هذا التصرف إنما هو عدوان على الدولة ذاتها». وبين العبادي أن «الحكومة لا ترضى على الإطلاق بأي تصرف من هذا القبيل، وهو مدان ومرفوض لأننا نرى أن لا أحد فوق القانون ونحن نتابع مثل هذه الانتهاكات ونعمل على وضع حد لها، ولدينا إجراءات في هذا المجال لأننا تهمنا جدا حرية التعبير، كما أن من مسؤوليتنا حماية الجميع بما في ذلك وسائل الإعلام العراقية والعربية والأجنبية».
بدوره، عبر مدير مرصد الحريات الصحافية في العراق زياد العجيلي عن إدانته لهذا التصرف. وقال العجيلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك للأسف حملة منظمة ضد الصحافيين والمنظمات الصحافية والإعلامية بالتزامن مع الحراك الشعبي بهدف إسكات الأصوات الحرة التي تنادي بمحاربة الفساد وإحالة المفسدين إلى القضاء، وقد لاحظنا ذلك عبر عدة انتهاكات وقعت في الآونة الأخيرة ضد صحافيين ووسائل إعلام في بغداد وعدد من المحافظات».
وأضاف العجيلي أن «ذلك يحصل للأسف في ظل غياب للقانون، وهو ما يجعل هؤلاء يسرحون ويمرحون، لا سيما أننا نرى أن الأجهزة الأمنية لا تقوم من جانبها بالدور المطلوب منها لتوفير الحماية لوسائل الإعلام». وتوقع العجيلي أن «المرحلة المقبلة ستكون أصعب، لا سيما مع استمرار حالة الترقب لما يمكن أن تسفر عنه المظاهرات التي تستهدف كبار المفسدين ممن لديهم فصائل وميليشيات تريد أن تكون هي فوق القانون».
وقالت مصادر تحدثت في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من لندن عن سيناريو الانتهاكات التي تحدث لصحيفة «الشرق الأوسط»: «لاحظنا أكثر من مرة حذف بعض التقارير والمقالات من الجريدة أو مسحها باليد قبل الطبع، ولدى استفسارنا من الأمر اتضح أن هناك مسلحين تابعين لإحدى الميليشيات المتنفذة، قاموا بمداهمة المطبعة ومسحوا المواد التي تم فيها ذكر ميليشيات الحشد الشعبي أو تلك التي تتعرض للأحزاب الدينية الموالية لإيران». وقال مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه خشية البطش به من قبل المسلحين، إن «مبيعات الجريدة تقلصت بعد أن تم حذف تلك المواد». وأكد أن العاملين في المطبعة تلقوا تهديدات في حال استمرار نشر الأخبار تحت مسميات حذر منها المسلحون. وأشار المصدر إلى أن صحيفة «الشرق الأوسط» هي «من أبرز الصحف التي يتم تداولها في العراق، فهي توزع بشكل يومي ومطلوبة في جميع الدوائر الحكومية وتصل إلى مكاتب رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب وكل دوائر الدولة المهمة، إضافة إلى قرائها الذين يقتنونها بشكل مستمر كونها صحيفة مهمة وشاملة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم