وسط بيروت يستفيق على مشاهد التخريب وجدار فصل بين مقر الحكومة وساحة الاعتصام

أصحاب المتاجر يتهمون عناصر من «أمل».. وأهالي العسكريين المخطوفين عاتبون

جزء من الجدار الكونكريتي الذي رفع أمس أمام قصر الحكومة في بيروت على الرغم من محاولة بعض المتظاهرين منع استكماله أمس (إ.ب.أ)
جزء من الجدار الكونكريتي الذي رفع أمس أمام قصر الحكومة في بيروت على الرغم من محاولة بعض المتظاهرين منع استكماله أمس (إ.ب.أ)
TT

وسط بيروت يستفيق على مشاهد التخريب وجدار فصل بين مقر الحكومة وساحة الاعتصام

جزء من الجدار الكونكريتي الذي رفع أمس أمام قصر الحكومة في بيروت على الرغم من محاولة بعض المتظاهرين منع استكماله أمس (إ.ب.أ)
جزء من الجدار الكونكريتي الذي رفع أمس أمام قصر الحكومة في بيروت على الرغم من محاولة بعض المتظاهرين منع استكماله أمس (إ.ب.أ)

استفاق وسط بيروت يوم أمس على هول المشهد الذي خلفته أعمال الشغب مساء الأحد خلال التظاهرة التي دعت إليها حملة «طلعت ريحتكم». هنا حيث كانت المحلات هدف من وصفوا بـ«المدسوسين» تحوّلت جدرانها إلى مساحة لكتابة الشعارات السياسية التي لا تمت إلى الطابع السلمي الذي انطلق من أجله التحرّك. أعمال إزالة الركام بدأت منذ الصباح الباكر على وقع الأخبار الواردة حول خطّة التحرك في الأيام المقبلة، بينما القوى الأمنية تعمد إلى استباق أي قرار بموعد التظاهرة الجديد إلى وضع جدران إسمنتية للفصل بين ساحة رياض الصلح والسراي الحكومي من جهة والجزء الثاني من وسط بيروت من جهة أخرى. لكن يبقى السؤال بالنسبة إلى أصحاب المحلات الذين يتشاركون مع الشعب اللبناني بشكل عام والمتظاهرين بشكل عام في همومهم المعيشية حول الهدف من اللجوء إلى أعمال كهذه، محاولين تفسير ما حدث من خلال الشعارات التي كتبت وهوية الفاعلين التي صوّرتها الكاميرات، ليؤكدوا ما سبق أن أعلنه منظمو حملة «طلعت ريحكتم» بأنّ من يقف وراء كل أعمال الشغب هم مندسون ينتمون إلى بعض الأحزاب بهدف إفشال التحرك.
مع العلم أنّه وإضافة إلى الدعوات التي كانت تحذر من العبث بالأمن من قبل المنظمين، كان عدد كبير من المتظاهرين يحاولون، مساء الأحد، منع بعض المجموعات من سحب السياج الشائك الذي يفصل بين القوى الأمنية والمتظاهرين، كما أقدموا في خطوة لافتة على الجلوس أرضا بين القوى الأمنية والمتظاهرين أثناء تراشق متبادل بالحجارة للتأكيد على سلمية تحركهم. وقد وجّه بعض المعتصمين أصابع الاتهام إلى عناصر من حركة «أمل» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والدليل برأي هؤلاء أن «المخربين لم يقتربوا من مجلس النواب ولا من شرطة البرلمان إنما فقط اعتدوا على حراس السراي الحكومي»، وهو الأمر الذي نفته الحركة في بيان لها.
وبينما يقوم مدير شركة تأجير السيارات جوزيف خوري بتفقد مكتبه الواقع في ساحة رياض الصلح، صباحا، يتّهم المتظاهرين بإلحاق الضرر بمحتوياته ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حطّموا الزجاج وكتبوا على الجدران عبارات (ثوار) و(تسقط الحكومة)». ويضيف: «صورهم موجودة على كاميرات المراقبة وسوف نقدم دعوى قضائية ضدهم»، قبل أن يقاطعه موظف يعمل لديه مؤكدًا «من قاموا بالتخريب ليسوا المتظاهرين بل هم مندسّون حزبيون والجميع يعلم من هم ومن أي مناطق أتوا».
وعلى بعد مسافة قصيرة من ساحة الحراك الشعبي، لا يزال أهالي العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش و«جبهة النصرة» منذ أكثر من عام معتصمين في خيامهم بوسط بيروت لمطالبة الحكومة بالعمل على استعادة أبنائهم، معبرين في الوقت عينهم عن استيائهم من تخاذل اللبنانيين تجاه قضيتهم.
وهو ما عبرت عنه شقيقة العسكري المخطوف جورج خوري قائلة: «عتبنا الكبير على الشعب اللبناني الذي اعتصم بالآلاف من أجل قضية النفايات، لكنه لم يجرؤ على النزول إلى الشارع عندما خطف الإرهاب عسكر بلاده».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.