أحمد دوابشة يفتح عينيه لأول مرة ويسأل جده: لماذا حاول المستوطنون إحراقنا؟

جمعية أطباء إسرائيلية تحذر من الأوضاع النفسية لأطفال دوما: مصابون بالصدمة منذ العملية الإرهابية ولا يتلقون العلاج المناسب

الطفل علي دوابشة (18شهراً) في صورة مع والديه بمنزلهم الذي أحرقه مستوطنون يهود في قرية دوما بالقرب من نابلس (إ.ب.أ)
الطفل علي دوابشة (18شهراً) في صورة مع والديه بمنزلهم الذي أحرقه مستوطنون يهود في قرية دوما بالقرب من نابلس (إ.ب.أ)
TT

أحمد دوابشة يفتح عينيه لأول مرة ويسأل جده: لماذا حاول المستوطنون إحراقنا؟

الطفل علي دوابشة (18شهراً) في صورة مع والديه بمنزلهم الذي أحرقه مستوطنون يهود في قرية دوما بالقرب من نابلس (إ.ب.أ)
الطفل علي دوابشة (18شهراً) في صورة مع والديه بمنزلهم الذي أحرقه مستوطنون يهود في قرية دوما بالقرب من نابلس (إ.ب.أ)

«لماذا حاول المستوطنون اليهود إحراقنا؟»، هذا هو أول سؤال نطق به الطفل ابن الرابعة، أحمد سعد دوابشة، أمس، عندما فتح عينيه وشاهد جده قرب سريره في المستشفى الإسرائيلي الذي يعالج فيه، من جراء إصابته بحروق شديدة خلال العملية الإرهابية التي نفذها مستعمرون يهود في مطلع الشهر. ثم وجه سؤالا آخر لم يستطع جده الرد عليه، فانهار بالبكاء: «أين أمي وأين أبي؟ لماذا لا يسألان عني؟!».
وكان الطفل أحمد قد نجا من الموت عندما استله المواطنون في قرية دوما من بين النيران. لكن شقيقه الأصغر، الرضيع، ذاب في النيران. ووالده توفي بعد صراع مع الحروق دام أسبوعا. فيما والدته ريهام ترقد في المستشفى نفسه بالقرب من غرفته، وما زالت تصارع على روحها. وعلى الرغم من الدخول إلى الأسبوع الرابع الذي يمر على العملية، ما زالت الشرطة الإسرائيلية والمخابرات وغيرهما «عاجزة» عن اعتقال منفذي العملية. وقد اعتقلت نحو 15 شابا يهوديا من غلاة المتطرفين بين المستعمرين لكنها وضعتهم قيد الاعتقال الإداري. ولم تثبت على أي منهم التهمة.
ويقول د.شبتاي بنديت، الناطق بلسان جمعية أطباء لحقوق الإنسان، وهي جمعية يهودية عربية، إن وفدا من عشرة أطباء زار قرية دوما المنكوبة، فوجدوا أن آثارها فظيعة ومريعة على حياة الناس عموما وأطفالهم بشكل خاص. ويؤكد: «أطفال قرية دوما يتخوفون من عملية إرهابية يهودية أخرى، يتم فيها إحراق عائلاتهم وهم نيام». ويتابع بنديت أن مجموعة من أطفال قرية دوما، ضمت 15 طفلا تتراوح أعمارهم بين 5 و12 عاما، جلست صبيحة أول من أمس السبت على شكل دائرة مع طبيب نفسي ومتطوعة. وبدأ اللقاء بإجراء تمارين خفيفة للتنفس والاسترخاء، ومن ثم تحدث الأولاد عن مشاعرهم، حيث قال الكثير منهم إنهم يخشون مصيرا مشابها لمصير عائلة دوابشة التي تم إحراق منزلها قبل نحو شهر. كما طرح الأولاد عدة أفكار حول سبل مواجهة الخوف، واقترحوا النوم في غرف من دون شبابيك من أجل منع إلقاء زجاجات حارقة داخلها، ونصب كاميرات حراسة في القرية وتنظيم حراسة ليلية.
وتبين للجمعية أن السكان عموما والأطفال والأولاد خاصة يعانون حالات من الخوف بسبب الحادث القاسي الذي قتل خلاله الطفل علي ووالده سعد. وقد وصل عشرة أطباء، بينهم الخبراء والأطباء النفسيون، إلى المدرسة، حيث كان في انتظارهم عشرات الأهالي مع أولادهم. واجتمع الأطباء ورجال الطاقم داخل إحدى الغرف وتلقوا التوجيهات، ومن ثم توزعوا إلى طواقم، فيما امتدت طوابير من الناس في الخارج، تم توجيهها إلى الغرف حسب احتياجاتها. وإلى جانب كل طبيب كان هناك مترجم. وقالت إحدى المواطنات في القرية والتي وصلت إلى اللقاء مع ابنها (13 عاما) وابنتها (10 أعوام) إنه منذ الحادث لا ينام طفلاها جيدا في الليل، ويستيقظان وهما يصرخان بسبب الكوابيس. وأضافت أنه طرأ انخفاض كبير على أدائهما اليومي، انعكس أيضًا بعدم قدرتهما على الدراسة وإعداد الوظائف البيتية. وحسب أقوالها، فإن حقيقة الوصول إلى العيادة المتنقلة كانت صعبة لأن طفليها يخافان من مغادرة المنزل. وبالإضافة إلى ذلك فإن الولد يتبول في ملابسه بسبب الخوف من العملية في دوما.
وقالت د.غرسييلا كورس رامون، الطبيبة النفسية المتطوعة في التنظيم، إنه «تمت دعوتنا بسبب حالات الخوف بعد العملية. يوجد هنا أناس وأولاد يعيشون حالة خوف قاسية جدا. والحديث عن مصاعب في النوم، والاستيقاظ جراء الكوابيس، وعدم الموافقة على النوم في غرف ذات شبابيك خشية دخول مستوطنين وإصابتهم، وغيرها من الظواهر. لقد طلبوا الاجتماع مع الخبراء والأطباء النفسيين في محاولة لتقليص مستوى الخوف لديهم». وقالت إن ما يفعله التنظيم هو «نقطة في بحر»، لأن المقصود علاج لمرة واحدة، و«لا توجد استمرارية لأن الوضع في المناطق المحتلة صعب، وهناك تفضيل لتوفير الخبز والطعام وأمور أخرى. هذه العلاجات تقع في آخر سلم الأولويات لديهم». الجدير ذكره أن العملية الإرهابية وما أعقبها من عمليات مقاومة فلسطينية تثير مخاوف كبيرة في الأوساط العاقلة في إسرائيل، خصوصا الصحافيين. وقد كتب ايتان هابر، أمس، في «يديعوت أحرونوت»، أنه لا بد من حل جذري للصراع. وقال هابر، الذي شغل في الماضي منصب مدير ديوان رئيس الوزراء في زمن إسحق رابين، إن ما يحدث اليوم يذكره بحادثة قديمة ولكن مهمة جدا. وروى: «بعد فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة الأولى، في النصف الثاني من سنوات الثمانينات، دعا وزير الدفاع (رابين) إلى معسكر المخابرات، كبار الخبراء في مجال العلاقات مع الفلسطينيين والمواطنين العرب في إسرائيل - مستشرقين من الصف الأول في الأكاديمية، مستشارين لشؤون العرب في كل العصور، رؤساء الشاباك والخبراء على مدى أجيال، المفاوضين الذين قيل عنهم إنهم عرب أكثر من العرب. وقد استجابوا جميعا لطلب رابين محاولة الرد على سؤال بسيط هو: (ما الذي يجب عمله؟). لقد أعرب غالبية المشاركين الذين بلغ عددهم 80 شخصا عن آرائهم وطرحوا اقتراحات. وعندها قام البروفسور شمعون شمير ليتحدث. بعد حديثه ساد الصمت في القاعة. لقد فوجئ الجميع وأصابتهم الصدمة. فقد كان استنتاج شمير مؤلما في بساطته: (لا يمكن وقف شعب انتفض على من يحكمه بالقوة ولا يمكن الانتصار عليه. هذا التمرد يمكنه أن يتواصل لسنوات وأجيال، وسيكلف الكثير من الدماء، لكن نهايته باتت تقرع النوافذ. يجب أن تكون أصم، وأحمق، وصغيرا كي لا تلاحظ الدلائل. نحن نعتقد أننا جئنا إلى هنا بقوة الحق، وهم يعتقدون أننا هنا بحق القوة)».
ويواصل هابر: «طوال ذلك اليوم طغى على كلمات كل المتحدثين نوع من الخيبة وربما اليأس: ما الذي لم نفعله من أجل قمع الانتفاضة: إطلاق النيران الحية، إطلاق الأعيرة المطاطية، تفريق المظاهرات، الاعتقالات (نحو نصف مليون معتقل فلسطيني حتى اليوم)، حظر التجول، تحطيم العظام، فرض الخوف، تفعيل الثواب والعقاب، هدم البيوت، الطرد والنفي، قتلى وقتلى وقتلى.. فما الذي يمكن أن يطلب منا بعد؟ ولماذا تذكرت ذلك الحدث الآن؟ لأن موجة من الإرهاب عادت واستيقظت، ومرة أخرى عاد وخرج كل الشعبويين الذين يطلقون نداءات مؤثرة (اقضوا على الإرهاب) و(ضعوا حدا)، وغيرهما من الشعارات التي تهدف إلى منح أصحابها الأصوات في يوم الانتخابات. هل يعرضون علينا حقائق من الماضي؟ محض هراء. الإرهاب يوقفه فقط من بادروا إليه. لا يمكن بكل بساطة الاحتماء من كل إرهابي، كان إلى ما قبل ساعة مواطنا صالحا، ولم يعرف حتى هو أنه مقبل على طعن يهودي. طوال سنوات، وبالتأكيد منذ عام 1967، ونحن نحاول قتل الحشرات دون أن نقوم بتجفيف المستنقع.. ألا يمكن تجفيف المستنقع؟ إذن علينا أن نعرف جميعا أنه حكم علينا هذا النوع من الحياة السائدة اليوم: طعنات هنا وهناك، رشق حجارة وزجاجات حارقة هنا وهناك. صحيح أنه يحظر علينا التسليم أمام الإرهاب، لكن علينا جميعا، اليمين واليسار، أن نعرف أنه كتب علينا العيش (والموت) مع هذا الوضع حتى يتغير الأمر. متى سيتغير الأمر؟».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.