صحافيون عراقيون في مرمى الاعتداء والتهديد وسط ساحات الاحتجاج

اتهموا مسؤولين محليين وفصائل مسلحة متشددة

مظاهرات اجتاحت مدن العراق احتجاجا على تفشي الفساد وسوء الأوضاع (أ.ب)  -  احتجاجات في شوارع بغداد ومدن جنوبية للمطالبة بتحسين الخدمات الحكومية ومكافحة الفساد (رويترز)
مظاهرات اجتاحت مدن العراق احتجاجا على تفشي الفساد وسوء الأوضاع (أ.ب) - احتجاجات في شوارع بغداد ومدن جنوبية للمطالبة بتحسين الخدمات الحكومية ومكافحة الفساد (رويترز)
TT

صحافيون عراقيون في مرمى الاعتداء والتهديد وسط ساحات الاحتجاج

مظاهرات اجتاحت مدن العراق احتجاجا على تفشي الفساد وسوء الأوضاع (أ.ب)  -  احتجاجات في شوارع بغداد ومدن جنوبية للمطالبة بتحسين الخدمات الحكومية ومكافحة الفساد (رويترز)
مظاهرات اجتاحت مدن العراق احتجاجا على تفشي الفساد وسوء الأوضاع (أ.ب) - احتجاجات في شوارع بغداد ومدن جنوبية للمطالبة بتحسين الخدمات الحكومية ومكافحة الفساد (رويترز)

لم يسلم صحافيون عراقيون من محاولات الاعتداء عليهم وترهيبهم وطردهم خلال تغطياتهم للمظاهرات الكبرى التي عمت 9 محافظات عراقية إضافة إلى العاصمة بغداد، كان المتهم الأبرز فيها مسؤولين محليين وعناصر تدعي انتماءها لفصائل مسلحة متشددة، الأمر الذي نفاه الناطق باسم هيئة الحشد وحذر من انتحال صفتهم داخل ساحات الاحتجاج.
وشهدت العاصمة بغداد اعتداءات منظمة ضد مراسلين من قنوات «البغدادية» و«المدى» و«الشرقية»، ومصادرة بعض معداتهم الصحافية خلال الأسبوعين الماضيين، كان أبرزها الجمعة الماضي، وأمام أنظار السلطات الأمنية والقوات العسكرية من دون أن تتخذ هذه القوات أي إجراءات احترازية لحماية المراسلين الميدانيين والفرق الإعلامية التابعة لهم، فيما قادت بعض الجهات الحزبية حملات تحريضية ضد وسائل إعلام محلية وأجنبية تطالبهم بالرحيل وتتهمهم بالعمالة والتخريب.
يقول الإعلامي زياد العجيلي رئيس مرصد الحريات الصحافية في العراق في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن شكاوى وصلتهم من مراسلين تعرضوا للاعتداء من بينها قناة البغدادية الفضائية، وهم كل من المصور هشام محمد والمراسل ظفر المندوب عندما تعرضا للضرب المبرح وتحطيم أدواتهم الصحافية، يوم (الجمعة) الماضي، على يد أشخاص يرتدون الزي المدني أمام أنظار السلطات الأمنية عندما كانا يسجلان بعض اللقاءات مع المتظاهرين، إضافة إلى الاعتداء على فريق عمل قناة (المدى) الفضائية، فيما تعرض قبلها مراسل قناة (الشرقية)، إلى ضرب مبرح وتحطيم أدواته الصحافية، من قبل أشخاص مجهولين».
وطالب العجيلي «القوات الأمنية العراقية بتحمل مسؤولية سلامة جميع المراسلين والمصورين المتواجدين في ساحات الاحتجاجات، والامتثال للقوانين وملاحقة جميع الأشخاص الذين ينتحلون صفات رسمية وغيرها وإلقاء القبض عليهم وتوفير أجواء آمنة لممارسة العمل الصحافي في البلاد وعدم مضايقة الفرق الإعلامية وفسح المجال أمامها من دون وضع شروط أو معوقات».
وكان الصحافي ميناس السهيل، المراسل الميداني لقناة «الشرقية» قد أبلغ مرصد الحريات الصحافية (JFO)، أن «رجال الأمن أنقذوني من محاولة للاعتداء داخل ساحة التحرير وأخرجوني من وسط أشخاص أرادوا ضربي»، مضيفًا أنه يشعر بقلق بالغ من وضع لافتات بالقرب من بيته وفي مناطق أخرى من العاصمة بغداد تحرض بالضد من العاملين في قناته. وسبق أن تعرض مصورا قناتي (الحرة) و(هنا بغداد) الفضائيتين للاعتداء من قبل أشخاص يعتقد أنهم تابعون لأحزاب نافذة في المحافظة، وتمت مهاجمتهم ومصادرة معداتهم الصحافية.
يقول الصحافي راجي نصير مراسل قناة «الحرة عراق» في مدينة النجف: «إن الاعتداءات التي طالت فرق عمل قناة البغدادية والعراقية وصحافيين في المدينة خلال الاحتجاجات مثيرة للقلق ويجب مواجهتها من قبل الأجهزة الأمنية بحزم لأنها تثير مخاوف جميع الصحافيين في البلاد». أما الصحافي عامر مؤيد، أحد المشاركين في المظاهرات الأخيرة، فقال: «الاعتداءات على المتظاهرين والصحافيين جاءت بتصرفات فردية من قبل بعض عناصر القوات الأمنية». وأضاف: «هناك بعض العناصر التي تحمل ولاءات لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وربما من فائدتها إثارة مثل هذه الاعتداءات بقصد التخريب»، رافضا «أي حملة اقتصاص من الصحافيين لأنه أمر يتعلق بمساس حرية التعبير التي نص عليها الدستور وحماية الصحافي خلال تأديته لعمله».
وفي مدينة البصرة جنوب العراق، شهدت هي الأخرى حملات ترهيب بحق الصحافيين العاملين فيها، ووزعت جهات مجهولة، الأسبوع الماضي، منشورات «كفرت وتوعدت» من خلالها المراسلين الميدانيين الذين غطوا الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدينة.
البيان الذي نشره مجموعة من الأشخاص على مناطق البصرة اتهمت فيه مجموعة تطلق على نفسها «أبطال العراق» الصحافيين والمراسلين بـ«التجاوز على رموز سياسية ودينية» وتوعدتهم بالقتل، وتم من خلال المنشور التحريض ضد الصحافي الذي يعمل في إذاعة «المربد» بدر السليطي ومراسل قناة «الشرقية نيوز» حيدر عباس الحلفي والصحافي العامل في إذاعة «الأمل» منتظر الكركوشي، فضلاً عن تهديد الناشط الصحافي شهاب أحمد الذي يعمل مع منظمة جمعية الدفاع عن حرية الصحافة.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».