الخياط: مسرح الطفل في العراق يموت بسبب غياب الدعم الحكومي

يعمل في «دار ثقافة الأطفال» 650 موظفًا معظمهم إداريون

فرقة «أحباب العراق» ({الشرق الأوسط})
فرقة «أحباب العراق» ({الشرق الأوسط})
TT

الخياط: مسرح الطفل في العراق يموت بسبب غياب الدعم الحكومي

فرقة «أحباب العراق» ({الشرق الأوسط})
فرقة «أحباب العراق» ({الشرق الأوسط})

يعيش الفنان العراقي الشاب نصير كامل الخياط، مدير (فرقة أحباب العراق للفنون الشعبية) حالة قلق دائم، وهو يحاول أن يحمي فرقته الصغيرة التي أشرف على تشكيلها من جديد بمشاركة مجموعة من الفتيات والفتيان من خطر الانهيار، نتيجة غياب الدعم الحكومي وإهمال ثقافة مسرح الطفل في العراق، لذلك يحاول دائما أن يزجهم بفعاليات ولوحات مسرحية فنية جديدة، يتولى فيها مهمة التأليف والإخراج والتدريب وحتى خياطة ملابس الفرقة، مستفيدًا من خبرته في الخياطة، حتى تميزت فرقته بأنها الوحيدة اليوم في مجال الفرق المسرحية للصغار في مجال إحياء الفنون الشعبية والفلكلورية.
ويشهد واقع مسرح الطفل في العراق إهمالاً ملحوظًا، تسببت فيه جهات وأسباب عدة، يقف على رأسها التقشف وقلة التخصيصات المالية لوزارة الثقافة المعنية بالأمر على مدى تعاقب الحكومات في العراق وانزواء أغلب المدربين والمختصين في هذا المجال، يقابله حاجة ماسة إلى هذا النوع من الفنون، خاصة وأن إحصاءات رسمية أعلنت عن ارتفاع نسبة الأطفال في تركيبة المجتمع العراقي، إذ تشير آخر إحصائية رسمية لمنظمة «اليونسيف» العالمية إلى أن عدد الأطفال بلغ 16.6 مليون نسمة، بينهم 5.3 مليون من الأطفال المحرومين من الخدمات الأساسية.
يقول نصير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» خلال إشرافه على تدريبات للصغار لإعداد لوحات فنية جديدة استعدادا للمشاركة في مهرجان الطفولة العالمي في تركيا: «كان هناك فرقة لمسرح الطفل أسسها الفنان الكبير الدكتور يحيى الجابري عام 1989، وهي تابعة لاتحاد الشباب باسم (فرقة دار الفنون). كان عمري وقتها 12 عامًا وكنت أعزف على آلة (الزرنة) وتعلمت منه الكثير، وشاركت في عدة أعمال فنية داخل وخارج العراق، بداياتي كانت عندما كنت خياطًا، أخيط بعض ملابس الفرقة، قبل أن يتغير اسمها في زمن النظام السابق ليصبح (فرقة أحباب القائد) وتم تجييرها لأعمال فنية لصالح السلطة الحاكمة، لتنتهي بعدها تماما ويتفرق أعضاؤها، وحاولت في مارس (آذار) من عام 2012 أن أعمل امتدادًا للفرقة، وأعيد أمجادها، مستعينًا بخبرتي في هذا المجال فكنت أخيط ملابس الصغار وأدربهم على الرقصات وأكتب المسرحيات أيضا وأضع لها الألحان، ووضعت اسمًا للفرقة وهو (فرقة أحباب العراق للفنون الشعبية)، مضيفًا لها فن المسرح وهي تُعنى بالفلكلور العراقي في كل أنحاء البلاد من شماله وحتى جنوبه، وعدد أعضائها يتراوح من (10 - 14) عامًا ومقرها اليوم المركز الثقافي للطفل في دار ثقافة الأطفال»، مضيفًا: «أحاول تدريب الصغار لأجل المشاركة في الفعاليات والمهرجانات الخارجية، وتجري الاستعدادات اليوم لتقديم لوحة (الجوبي) تتكون من ثمان أولاد وسبع أولاد، بملابسهم الفلكلورية المعروفة».
وكيف تقيم مكانة الفرق المسرحية المخصصة للطفل اليوم، وما مشكلاتها؟ قال: «مع الأسف لقد اندثرت معظمها، والجابري كان الوحيد الذي يهتم بمثل هذه الفنون، واليوم نعاني من غياب الدعم المادي والمعنوي. ولعل أهم مشكلة أواجهها وأنا أحاول التواصل مع فرقتي هو استمرار الطفل فيها، لذا أحاول أن أكسبهم معي في أجواء عائلية وتربوية، وأحاول المطالبة بحقوقهم مثل توفير سيارات نقل خاصة وبعض الوجبات البسيطة والمستلزمات المهمة في العمل مثل الملابس والإكسسوارات وغيرها».
وعما قدمته الفرقة، قال: «قدمنا في رمضان لوحة اسمها لعب وحكاية من رمضان (ماجينا ياما جينا) تحمل معاني تربوية وفنية في آن واحد، ونالت رضا الجمهور وقدم فيها أعضاء الفرقة من الصغار عرضًا رائعًا. كتبت لها السيناريو وأشرفت على التدريبات وخياطة الملابس، وأعمل في الفرقة بسبع صنايع». وأسأله: أين البدلاء؟ فيجيب: «مع الأسف دار ثقافة الأطفال المؤسسة الوحيدة في هذا المجال فيها نحو (650) موظفًا معظمهم إداريون وليس فنيين، والفنانون مغيبون ولذلك تأخرنا في مجال الفنون المسرحية والفلكلورية للطفل بعد أن كنا متصدرين المشهد».
وعن المواهب التي يكتشفها ضمن الفرقة، أين يكون مصيرها؟ قال: «لدي طاقات ومواهب، فعلا وأعمل لأجل تواصلهم في فرق الكبار، مثل الصبي محمد، عمره الآن 17 سنة، لكن مع الأسف ليس هناك من جهة تدعمهم، وأفتخر عندما أسمع أن أحد أعضاء الفرقة تواصل في الفن وشق طريقه، وهناك بعض الأسماء التي أعتز بها مثل الفنانون رزاق أحمد وعلي فرحان والفنانان الشهيران مهند محسن وهيثم يوسف، إذ كانوا من أعضاء الفرقة في ثمانينات القرن المنصرم.
وعن طموحاته، يقول: «أسعى لأن تستمر الفرقة، وأن أضم بين أعضائها عددًا من الأطفال الموهوبين من دور الأيتام لأجل احتضان مواهبهم وضمان استمراريتهم معي أيضًا، وكذلك ضمان مشاركاتهم خارج العراق عربيا ودوليًا لنقل صورة الفنون العراقية، وهناك مهرجان دولي للأطفال يقام كل عام في تركيا بمشاركة 130 دولة، أسعى للمشاركة به هذا العام لأن أغلب المشاركات الخارجية تهمل بسبب عدم وجود الفرق المناسبة. وكل ما أحتاجه هو مكان ملائم للتدريب خلال العطلة الصيفية يومي الخميس والجمعة وتوفير مستلزمات الفرقة من ملابس وغيرها، وحاليا أقوم بتوفير ذلك من جيبي الخاص، وراتبي فقط 260 ألف دينار، نحو (200) دولار، ولأجل ذلك بعت يوما سيارتي الخاصة»، واستدرك ليقول: «العمل في فرق مسرح الطفل سبب إفلاس الفنان».
يذكر أن الفنان نصير مواليد 1977 يحمل شهادة دبلوم موسيقي من معهد الفنون الجميلة ببغداد، ويعزف على آلات موسيقية عدة من بينها الناي والعود والزرنة والمطبك والرق والطبلة والقربة والبلبان والنقارة وغيرها، بداياته كان خياطًا عندما دخل دار الفنون، أسهم بأكثر من 17 مهرجانًا فنيًا للطفولة، آخرها مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013، إذ قدم لوحة فنية فلكلورية تعبر عن كل المكونات العراقية، شاركت بها أزياء عدد كبير من المحافظات، وكانت ردًا على الطائفية التي استشرت في البلاد.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.