مفاوضات بين الكوريتين تجنبًا لحرب شاملة

بُعيد انتهاء مهلة الإنذار التي وجهتها بيونغ يانغ

مفاوضات بين الكوريتين تجنبًا لحرب شاملة
TT

مفاوضات بين الكوريتين تجنبًا لحرب شاملة

مفاوضات بين الكوريتين تجنبًا لحرب شاملة

بدأت سيل وبيونغ يانغ اليوم (السبت) مفاوضات على أعلى مستوى بهدف إيجاد حل للأزمة التي أوصلت البلدين إلى شفير نزاع مسلح.
وبدأ اللقاء في بلدة بانمونغوم الحدودية، بُعيد انتهاء مهلة الإنذار الذي وجهته كوريا الشمالية وهددت الجنوب بـ«حرب شاملة»، في حال لم توقف الحملات الدعائية عبر البث بمكبرات الصوت.
وجلس إلى طاولة المفاوضات أربعة مسؤولين، بينهم عن الجنوب مستشار شؤون الأمن القومي كيم كوان - جيم، وعن الشمال نائب رئيس لجنة الدفاع الوطنية هوانغ بيونغ - سو الذي يعتبر الرجل الثاني في النظام.
وتصاعدت حدة التوتر في الساعات الماضية في شبه الجزيرة الكورية التي لم تشهد مثل هذا التصعيد منذ سنوات على الرغم من أنّ الخبراء قلّلوا من شأن تهديدات كوريا الشمالية بالحرب، باعتبار أنّها اعتادت على ذلك.
ومع اقتراب انتهاء مهلة الإنذار عند الساعة (8,30 ت.غ)، أعلن جيش كوريا الشمالية أنّ وحداته المنتشرة على الحدود التي وضعت «في حالة حرب»، جاهزة للرد.
وحذر وزير الخارجية الكوري الشمالي من أنّ الوضع «وصل إلى شفير الحرب»، مؤكدا أنّ «جيشنا وشعبنا على استعداد للمجازفة بحرب شاملة ليس فقط كرد فعل، بل للدفاع عن النظام الذي اختاره شعبنا».
ونقلت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) عن مصادر عسكرية قولها إنّ بيونغ يانغ نشرت وحداتها المدفعية على الحدود لتوجيه ضربة محتملة إلى مكبرات الصوت الكورية الجنوبية التي تبث دعاية عبر الحدود.
وأضاف أن ثماني مقاتلات أميركية وكورية جنوبية حاكت عمليات قصف «يمكن أن تشكل إنذارا لكوريا الشمالية».
وعلى سبيل الاحتياط فقد نزل آلاف المدنيين في كوريا الجنوبية إلى ملاجئ تحت الأرض. وغداة تصريح رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون - هيه، الحازم، أعلنت سلطات سيل أنّها لا تنوي الرضوخ لتهديدات الشمال ووقف البث بمكبرات الصوت التي توجه رسائل إلى الشمال على الحدود.
وقررت كوريا الجنوبية استئناف البث بمكبرات الصوت بعد انفجار ألغام أرضية، ما أدى إلى بتر أطراف عنصرين من دورية لحرس الحدود الكوريين الجنوبيين في وقت سابق الشهر الحالي بينما تجري تدريبات عسكرية كورية جنوبية أميركية كبيرة هذا الأسبوع.
واتهمت سيل بيونغ يانغ بوضع هذه الألغام، وردت باستئناف بث التسجيلات الدعائية بصوت مرتفع عبر الحدود مستخدمة مكبرات للصوت كانت صامتة لأكثر من عقد.
ونفى الشمال أي دور له في زرع الألغام وهدد بقصف «عشوائي» لمكبرات الصوت ما لم يتوقف استخدامها في مهلة تنتهي اليوم.
وحسب مراقبين فإنّ المفاوضات في بلدة بانمونغوم التي شهدت توقيع الهدنة في 1953، تفتح المجال أمام البلدين لتهدئة الوضع، لكن النتيجة تبدو غير أكيدة.
من ناحيته، قال دان بينكستون الخبير في مجموعة الأزمات الدولية في سيول: «لن يكون من السهل إيجاد حل يمكن أن يحفظ ماء الوجه لكل من الطرفين». وأضاف: «سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان الشمال سيحمل شيئا ما، مثل اقتراح استئناف لقاءات العائلات التي فرقتها الحرب، لكي يمكن للجنوب أن يوقف بث مكبرات الصوت».
تقنيا، تعتبر الكوريتان في حالة حرب منذ 65 سنة، إذ إن الحرب بينهما (1950 - 1953)، انتهت بوقف لإطلاق النار ولم يوقع اتفاق سلام رسمي.
ويعود آخر هجوم مباشر من الشمال على الجنوب إلى 2010، عندما قصفت بيونغ يانغ جزيرة يونبيونغ الحدودية الكورية الجنوبية، ما أدى إلى مقتل مدنيين اثنين وجنديين.
وأمر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أمس بوضع القوات في حالة تأهب قصوى بعد تبادل للقصف المدفعي الخميس لم يسفر عن سقوط ضحايا.
واتهمت سيل بيونغ يانغ بإطلاق عدة صواريخ باتجاه واحد من مكبرات الصوت على الحدود. وردت سيل بإطلاق «عشرات» من القذائف المدفعية من عيار 155 ملم.
وسقطت كل القذائف التي أطلقها كل من الجانبين تقريبا في الشطر الذي يخضع لسلطته من المنطقة المنزوعة السلاح التي تمتد كيلومترين على جانبي الحدود.
وفي نيويورك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس الكوريتين إلى وضع حد للتوتر المثير للقلق في شبه الجزيرة. كما أكد البنتاغون في بيان أنّ رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي «كرر الالتزام الثابت للولايات المتحدة» بكوريا الجنوبية «وقوة التحالف» بين البلدين.
وينتشر نحو ثلاثين ألف جندي أميركي بشكل دائم في كوريا الجنوبية، كما دعت الصين الدولة الرئيسة الداعمة لكوريا الشمالية إلى الهدوء وضبط النفس. وترغب بكين في تجنب أي تصعيد، بينما تحاول جذب قادة العالم لحضور الاحتفالات بذكرى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية في سبتمبر (أيلول) المقبل.



القضاء الكوري الجنوبي يُصدر مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)
TT

القضاء الكوري الجنوبي يُصدر مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)

أصدر القضاء في كوريا الجنوبية مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول تتيح للمحققين القيام بمحاولة ثانية لاعتقال يون سوك يول المتحصن في مقر إقامته في سيول تحت حماية حرسه، فيما أعلن زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون أن بلاده اختبرت بنجاح، الاثنين، صاروخاً فرط صوتي جديداً سيساهم في ردع «جميع الخصوم» في المحيط الهادئ، على ما أوردت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية الثلاثاء.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه نظيره الكوري الجنوبي شو تاي-يول (أ.ف.ب)

ويجري مكتب مكافحة الفساد والشرطة وإدارة التحقيقات بوزارة الدفاع تحقيقاً مشتركاً في محاولة يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) وإغلاق البرلمان بقوة الجيش.

وبرر الرئيس المحافظ المعزول الذي لطالما واجه عمله السياسي عرقلة من البرلمان ذي الغالبية المعارضة، هذا الإجراء لكونه يريد حماية البلاد من «القوى الشيوعية الكورية الشمالية» و«القضاء على العناصر المعادية للدولة».

تحاول الشرطة إيقاف المتظاهرين خلال مظاهرة ضد الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول بالقرب من مقر إقامته الرسمي في سيول بكوريا الجنوبية (رويترز)

واضطرّ الرئيس للتراجع عن خطوته المفاجئة بعد ساعات من إعلانها وتمكّن النواب من الاجتماع في البرلمان الذي طوّقته القوات العسكرية، والتصويت لصالح رفع الأحكام العرفية، تحت ضغط آلاف المتظاهرين. وعزل البرلمان يون من منصبه في 14 ديسمبر، ورُفعت شكوى ضده بتهمة «التمرد»، وهي جريمة عقوبتها الإعدام و«إساءة استخدام السلطة» وعقوبتها السجن 5 سنوات.

وجاء في بيان أصدره المحققون، الثلاثاء، «إن مذكرة التوقيف الجديدة ضد المشتبه به يون صدرت بعد ظهر اليوم» بتوقيت سيول، بسبب محاولة إعلانه الأحكام العرفية لفترة وجيزة.

انتهت مهلة مذكرة التوقيف الأولى الصادرة في 31 ديسمبر، الاثنين، دون أن يتمكن مكتب التحقيق في الفساد من توقيف يون لاستجوابه.

والجمعة، حاول المحققون بمؤازرة الشرطة دخول مقر إقامة يون لاعتقاله لكنهم واجهوا حوالى 200 جندي وعنصر في جهاز الأمن الرئاسي، وتراجعوا بعد استحالة تنفيذ المذكرة القضائية بعد 6 ساعات من المواجهة التي شابها توتر.

موالون للرئيس المعزول يون سوك يول يتظاهرون في سيول صباح اليوم احتجاجاً على أمر الاعتقال (أ.ب)

وأعلن الحزب الديموقراطي المعارض، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، أنه قدم شكوى ضد الرئيس المؤقت شوا سانغ موك بتهمة «التقصير في أداء الواجب»، لأنه لم يفلح في منع جهاز الحراسة عن اعتراض «توقيف» يون. وطلب الجهاز المكلف التحقيق مساء الاثنين من محكمة منطقة غرب سيول تمديد المهلة المحددة لمذكرة التوقيف.

وعزا يون بوك نام، رئيس جمعية «محامون من أجل مجتمع ديموقراطي»، فشل المحاولة الأولى لتوقيف الرئيس المخلوع في المقام الأول إلى افتقار مكتب مكافحة الفساد الذي لم يمض على تأسيسه أربع سنوات، ويعمل فيه أقل من مائة موظف، إلى الخبرة، فهو لم يوجه اتهاماً إلى أي شخص حتى الآن.

وأوضح يون: «بطبيعة الحال، ليست لديهم خبرة في الاعتقالات، ناهيك عن اعتقال الرئيس»، مشيراً إلى أن «تعاون الشرطة ضروري».

ونشب خلاف بين مكتب مكافحة الفساد والشرطة حول دور كل منهما في عملية التوقيف، فقد تحدث المكتب عن افتقاره إلى الخبرة في هذا المجال، ورغبته بتولي الشرطة مهمة تنفيذ المذكرة، وردت الشرطة بأن المسؤولية تقع على عاتق المكتب. وأقر المكتب في نهاية الأمر بأن هذا الإجراء ضمن مهامه، في حين أكدت الشرطة أنها ستوقف حرس الرئيس في حال قاموا بعرقلة العملية ضد يون سوك يول.

متظاهرون يطالبون باعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول يحضرون تجمعاً بالقرب من المقر الرئاسي في سيول (أ.ب)

وتعهد يون، الأسبوع الماضي، في بيان، بـ«القتال حتى النهاية». وطعن محاموه في قانونية مذكرة التوقيف واختصاص مكتب مكافحة الفساد، وأوضحوا أن القانون يمنح هذه الهيئة سلطة التحقيق في عدد محدد من الجرائم التي يرتكبها مسؤولون رفيعو المستوى، لكن القائمة لا تشمل جريمة «التمرد».

وبعد إصدار مذكرة التوقيف الأولى، خيّم أنصار يون ومعارضوه خارج مقر إقامته الرئاسي متحدين البرد، لكن قبل إصدار المذكرة الجديدة، تضاءل عدد أنصار يون بشكل كبير، الثلاثاء، وفق ما شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في المكان.

وإذ عزل البرلمان، يون، ما أدى إلى كفّ يده عن مزاولة مهماته، فإنه لا يزال رئيساً بانتظار بتّ المحكمة الدستورية بقرار العزل بحلول منتصف يونيو (حزيران). وتبدأ المحاكمة في 14 يناير وستستمر حتى في حال عدم مثوله. وإذا صادقت على العزل، فسيتم تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في مدة شهرين.

من جهة أخرى، أجرت بيونغ يانغ التجربة الصاروخية الجديدة أثناء زيارة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى كوريا الجنوبية، وقبل أسبوعين من تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة. وقال كيم الذي أشرف على عملية الإطلاق برفقة ابنته جو إي إن «نظام الصواريخ الفرط صوتي المتوسط المدى» يهدف إلى تعزيز الردع النووي للبلد تدريجياً. وأكد أن هذا السلاح الجديد «سيردع بشكل موثوق أي خصوم في منطقة المحيط الهادئ يمكن أن يؤثروا على أمن دولتنا».

وذكرت الوكالة الرسمية أنه تم استخدام «مركّب جديد من ألياف الكربون» لمحرك الصاروخ، كما «أدخلت وسيلة جديدة... إلى نظام التحكم في الطيران والتوجيه».

A photo released by the official North Korean Central News Agency (KCNA) shows the launch of an intermediate-range ballistic missile (IRBM) with a hypersonic warhead as payload, at an undisclosed location in North Korea, 06 January 2025 (issued 07 January 2025). EPA/KCNA EDITORIAL USE ONLY

ويسمح استخدام ألياف الكربون في صنع صاروخ بتخفيف وزنه، بالتالي زيادة مداه وقدرته على المناورة، لكنه يصعب السيطرة على هذه التكنولوجيا بسبب ضعف قدرة هذه المادة المركبة على مقاومة درجات حرارة مرتفعة. ويصنف صاروخ بأنه فرط صوتي حين تزيد سرعته عن 6 آلاف كلم في الساعة، ما يزيد بـ5 مرات عن سرعة الصوت.

وأوضح يانغ مو جين، رئيس جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «ما هو مقلق في هذا الصاروخ أن هذه التكنولوجيا لا تمتلكها حالياً سوى روسيا والصين والولايات المتحدة». وتابع: «من أجل الوصول إلى مثل هذه السرعة، لا بد من استخدام مواد قادرة على مقاومة ظروف قصوى».

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية أن الصاروخ أطلق من منطقة بيونغ يانغ واجتاز 1500 كلم بسرعة «ماخ 12» التي تزيد 12 مرة عن سرعة الصوت، قبل أن يسقط في بحر اليابان أو بحر الشرق، حسب التسمية الكورية. وأكد كيم جونغ أون «أن هذه الخطة والجهد هما حتماً للدفاع عن النفس وليسا خطة وعملاً هجوميّين». لكنّه شدد على أنه «لا يمكن للعالم تجاهل أداء» هذا الصاروخ القادر، على حد قوله، على «توجيه ضربة عسكرية خطرة لخصم بكسره بفاعلية أيّ حاجز دفاعي صلب». وأكد كيم أن «تطوير القدرات الدفاعية لكوريا الشمالية التي تهدف لأن تكون قوة عسكرية، سيتسارع بشكل أكبر».

وهذه أول عملية إطلاق صاروخ تقوم بها كوريا الشمالية في العام الجديد، بعد آخر عملية أجرتها في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وندد بلينكن بعملية الإطلاق، مؤكداً أن بيونغ يانغ تتلقى «معدات وتدريباً عسكرياً» من روسيا.

من جانبه، ندد رئيس كوريا الجنوبية بالوكالة، تشوي سانغ موك، الثلاثاء، بـ«تهديد خطير» للأمن الإقليمي. ورأى المحللون في إطلاق الصاروخ وتصريحات كيم جونغ أون رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.