المالكي بعد عودته من طهران.. يبدأ الهجوم المعاكس لاستعادة نفوذه المفقود

هاجم «القوى السياسية التي تقف خلف الإعلام الساقط»

نوري المالكي
نوري المالكي
TT

المالكي بعد عودته من طهران.. يبدأ الهجوم المعاكس لاستعادة نفوذه المفقود

نوري المالكي
نوري المالكي

بخلاف تحالف سياسي - إعلامي عابر للعرقية والطائفية والحزبية، لم يعد يملك رئيس الوزراء العراقي السابق والنائب المقال لرئيس الجمهورية نوري المالكي الكثير إعلاميا وسياسيا لمواجهته.. ففي الوقت الذي كان بمقدوره التأثير على سلسلة من وسائل الإعلام (فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية) أيام كان رئيسا للحكومة لدورتين برلمانيتين، فإنه اليوم فقد مثل هذه السطوة الإعلامية التي ذهبت إما لصالح خلفه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، أو اتخذت خيارات أخرى بعد فقدانه السلطة.
لكن المالكي الذي واجه في غضون الأسبوعين الماضيين نكستين متتاليتين وغير متوقعتين؛ وهما إقدام رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو قيادي في الحزب الذي يتزعمه المالكي (الدعوة)، على إلغاء منصبه نائبا لرئيس الجمهورية دون علمه، وورود اسمه في تقرير لجنة سقوط الموصل البرلمانية بوصفه أحد المتهمين في سقوطها، «لا يريد أن يسكت» طبقا للعبارة التي نطق بها بعد وصوله إلى مطار بغداد قادما من طهران أول من أمس، وشن هجوما عنيفا على الإعلام والقوى السياسية التي تسنده، واصفا إياه بـ«الإعلام الساقط» وذلك إثر اتهامه بالهروب إلى إيران بعد المظاهرات الجماهيرية التي ترفع صوره بوصفه متهما أول بما آلت إليه الأوضاع في البلاد خلال فترة حكمه التي استمرت 8 أعوام، لا سيما ارتفاع معدلات الفساد، والنقص الفادح في الخدمات، وسقوط نحو 3 محافظات عراقية بيد «داعش».
عبارة المالكي التي وصف فيها الإعلام ومن يقف خلفه بـ«السقوط السياسي» والتي ورد فيها: «ليس سقوطًا إعلاميا؛ بل سقوط القوى السياسية»، مشيرا إلى أن «القوى السياسية تقف خلف الإعلام الساقط»، أعادت إلى الأذهان الجملة التي قالها نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي حين أعلن استقالته، ردا على الإعلام، بأن «كل من يقف ضدي تحت قدمي».
وبينما يرى المراقبون السياسيون في العاصمة العراقية بغداد أن زيارة المالكي إلى إيران، التي جاءت في سياق دعوة وجهت إلى كثير من القيادات السياسية والدينية الشيعية لحضور مؤتمر إسلامي، وهي الدعوة التي اعتذر وزير الخارجية إبراهيم الجعفري عن تلبيتها، إنما هي محاولة من المالكي لضرب عصفورين بحجر واحد؛ وهما محاولة فهم الجو السياسي في إيران الخاص بما يجري في العراق الآن من حراك جماهيري تؤيده مرجعية النجف لا سيما المرجع الأعلى علي السيستاني حيث يقوم رئيس الوزراء حيدر العبادي بسلسلة من الإصلاحات مع تصاعد المظاهرات الشعبية، وكذلك الإيحاء بأنه لا يزال رجل إيران القوي في العراق بدليل قوله في المطار إنه لن يسكت، وهي رسالة يريد إيصالها للخصوم ومنهم داخل الحزب الذي يتزعمه (الدعوة) ممن باتوا مع العبادي، بأنه يحمل تفويضا بالعمل من إيران، فإن إيران، وعلى لسان مسؤولين كبار فيها، أعلنت تأييدها إصلاحات العبادي وما كان منها هادفا إلى امتصاص نقمة المتظاهرين، وبوصفها شأنا داخليا عراقيا ما دام أن المظاهرات لا تريد إسقاط العملية السياسية، والأهم أنها تفوض شخص رئيس الوزراء للقيام بذلك، وهو الذي كثيرا ما أشاد بالدعم الإيراني للعراق لا سيما في الحرب ضد تنظيم داعش.
وقال سياسي عراقي مقرب من التحالف الوطني، لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم ذكر اسمه، إن «المالكي سوف يركز خلال الفترة المقبلة على تقرير سقوط الموصل وليس على منصب نائب رئيس الجمهورية، وقد يسعى بعد مدة، وبانتظار ما يمكن أن تسفر عنه المظاهرات، للتوجه إلى المحكمة الاتحادية للطعن فيه من منطلق أن هناك قانونا ينظم هذا المنصب، وأنه لا بد أن يكون لرئيس الجمهورية نائب واحد في الأقل، وأن المنصبين الباقيين اللذين احتلهما أسامة النجيفي وإياد علاوي كانا لأغراض الترضية فقط»، ويشير السياسي العراقي إلى أن «المالكي أبلغ العبادي في اجتماع خاص لحزب الدعوة بشأن عدم إخبار المالكي بإلغاء منصبه، أن هذا القرار غير دستوري وسوف ترده المحكمة الاتحادية، غير أن العبادي اكتفى في رده على المالكي بالقول إن المحكمة الاتحادية معه، وهي إشارة من العبادي إلى أن الوقت لم يعد يعمل لصالح الجميع بعد الضغط الجماهيري وضغط المرجعية الدينية».
ويضيف السياسي العراقي الذي كان نائبا خلال الدورة البرلمانية السابقة، إلى أن «المالكي سوف يركز في هذه المرحلة على تقرير الموصل بفتح أكثر من جبهة؛ سواء في ما يتعلق بمدى قانونية التقرير ومضمونه، أو بفتح جبهة ضد رئيس اللجنة حاكم الزاملي واتهامه بالخضوع لضغوط كردية وسنية فضلا عن تصفية حسابات مؤجلة مع المالكي من قبل الصدريين».
وفي السياق القانوني للتقرير، يقول المستشار القانوني أحمد العبادي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الكرة الآن في ملعب القضاء بعد أن أحيل التقرير إليهم من أعلى سلطة تشريعية في الدولة وهي البرلمان الذي صادق على نتائجه، وهو ما يعني أن القضاء سوف يحيل التقرير إلى الادعاء العام للبدء بالإجراءات القانونية».
وردا على سؤال بشأن تضارب الأنباء بشأن ما يمكن أن يقوم به الادعاء العام، قال العبادي: «إننا هنا حيال قضية في منتهى الأهمية، وهي مدى نزاهة القضاء، وهو أمر لا يزال مشكوكا فيه، طالما أن السلطة القضائية لا تريد حتى الآن الاستجابة لما يريده الشارع من إجراءات قضائية حقيقية، وإذا بها تبايع رئيس السلطة القضائية الذي تقدم هو نفسه بطلب الإحالة على التقاعد، وبالتالي فإن الإجراء السليم الذي يجب على القضاء اتخاذه هو قيام المدعي العام باستصدار مذكرات إلقاء قبض بحق المتهمين، وكلهم، بمن فيهم المالكي، لا حصانة لديهم، لغرض معرفة حقيقة ما جرى».
ويتابع العبادي قائلا: «لكن هناك الآن كلام يجري ترديده من (دولة القانون) وغيرها، أن الادعاء العام سوف يعيد التحقيق مجددا بقضية الموصل، وهو ما يعني تمييع عمل استمر نحو 8 شهور قامت به اللجنة البرلمانية، وهو ما يعني أن المالكي الذي يمكن أن تكون عقوبته المؤبد، قد يخرج دون محاكمة، لأنه لا يزال لديه تأثير في السلطة القضائية».
من جانبهم، فإن نواب وقيادات «دولة القانون» بدأوا يشنون مزيدا من الهجمات ضد رئيس اللجنة حاكم الزاملي وضد رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، معتبرين أن «الزج باسم المالكي في التقرير ليس أكثر من تسقيط سياسي».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».