بارزاني.. بدأ رئاسته بترتيب البيت الكردي وانطلق إلى حشد الدعم الدولي

سياساته استقطبت كبريات الشركات العالمية.. وحققت طفرة نوعية في الإقليم

مسعود بارزاني أصبح مقاتلا في البيشمركة وله من العمر 14 سنة
مسعود بارزاني أصبح مقاتلا في البيشمركة وله من العمر 14 سنة
TT

بارزاني.. بدأ رئاسته بترتيب البيت الكردي وانطلق إلى حشد الدعم الدولي

مسعود بارزاني أصبح مقاتلا في البيشمركة وله من العمر 14 سنة
مسعود بارزاني أصبح مقاتلا في البيشمركة وله من العمر 14 سنة

كانت الخطوة الأولى لمسعود بارزاني بعد توليه رئاسة إقليم كردستان قبل عشر سنوات هي وضع خطة شاملة للنهوض بكل مجالات الحياة في الإقليم. وأول الإنجازات التي حققها بارزاني كان توحيد نظام الإدارتين في الإقليم، والعمل على توحيد كل الوزارات التي كانت قبله منقسمة بين حكومتي أربيل والسليمانية. وبجهوده وبالتعاون مع كل الأطراف الكردية تمكن من إنهاء ذلك التقسيم المرعب للإقليم وقاده إلى بر الأمان بسياسة ناجحة في ظل القانون والدستور.
وحسب إحصائيات رسمية، كان مستوى الفقر في الإقليم قبل تولي بارزاني الرئاسة يتجاوز 50 في المائة، وانخفضت هذه النسبة في ظل رئاسته إلى 7 في المائة، وذلك عن طريق السياسة الاقتصادية التي خطط لها في الإقليم وأسهمت في رفع المستوى المعيشي للمواطنين وقلصت نسبة الفقر، بالإضافة إلى انخفاض نسبة البطالة التي تكاد تقترب من الصفر، وهذا مؤشر على تقدم المشاريع، وإقبال الشركات العالمية الكبرى على الاستثمار في الإقليم.
ويرى مراقبون سياسيون أن الانفتاح الاقتصادي وإقبال الشركات العملاقة على الإقليم كان بفضل السياسة الاقتصادية التي اعتمدتها رئاسة الإقليم وحكومته التي حولت كردستان إلى «واحة» أمن وسلام في بحر متلاطم من الحرب والإرهاب، مما جعل الإقليم ملاذا لكل العراقيين، ويؤوي حاليا نحو مليوني نازح ولاجئ.
وعلى صعيد التعليم، شهد الإقليم قفزة نوعية في السنوات العشر الماضية، إذ ازداد عدد الجامعات ليتجاوز 20 جامعة، بالإضافة إلى أن بارزاني وجه منذ توليه رئاسة الإقليم الحكومة ببناء مدرسة في كل قرية من قرى الإقليم، الأمر الذي وفر التعليم المجاني.
كما شهد الإقليم تطورا كبيرا في مجالات الصناعة والتجارة وفي المجال العمراني، حيث بنيت المدن السكنية وانخفضت أزمة السكن التي كانت تطغى على الواقع الاجتماعي في كردستان، فأصبحت السنوات الماضية سنوات تحول كبيرة في هذه المجالات. كما تطور القطاع الصحي في الإقليم، وافتتحت الكثير من المستشفيات التي تستقبل المرضى من كل أنحاء العراق.
وشهد القطاع السياحي أيضًا تطورا ملحوظا، فاستقطب الإقليم أعدادا كبيرة من السياح الأجانب والعراقيين في ظل استقرار الأمن، وأنشئت العديد من المشاريع السياحية الكبرى.
أما في مجال العلاقات الخارجية، فقد شهد الإقليم في العقد الفائت تحولا كبيرا في علاقاته الخارجية، خاصة بعد اعتماد سياسة الانفتاح على دول العالم كافة. واليوم تحتضن أربيل، عاصمة الإقليم، 33 قنصلية وممثلية لدول العالم المختلفة بما فيها قنصليات للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى قنصليات لدول عربية. وفي هذا الإطار حرص الرئيس بارزاني على بناء علاقات أخوية متينة مع الدول العربية ودول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي يعتز الإقليم بالعلاقات الوثيقة التي تربطه معها اليوم. ولعل من ثمار هذا الانفتاح على الخارج الدعم الذي تلقاه الإقليم من شتى دول العالم في الحرب ضد تنظيم داعش، خاصة عندما تعرضت أربيل الصيف الماضي إلى خطر الإرهاب.
اللافت أن بارزاني يعتبر نفسه أولا وقبل كل شيء من البيشمركة، وتجسيدا لذلك فإنه وكل أفراد عائلته هم على الخط الأمامي في جبهات القتال ضد «داعش» ومنذ بداية الحرب، مما رفع معنويات القوات الكردية وأسهم في كسر شوكة تنظيم داعش بتحرير أكثر من 95 في المائة من الأراضي الكردستانية من التنظيم المتطرف، بل أصبح اسم البيشمركة معروفا عالميا باعتبارها القوة البرية الوحيدة التي استطاعت أن توقف مد «داعش».
كما يعد بارزاني مهندس عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية والتي استمرت على مدى عامين كاملين قبل أن تنهار في يوليو (تموز) الماضي، وهو يواصل حاليا، حسب مصادر مطلعة، جهوده من أجل إعادة الجانبين مرة أخرى إلى طاولة الحوار حقنا للدماء.
وفي مجال النفط والطاقة، فإن السياسة الناجحة لرئاسة الإقليم وحكومته مكنت الإقليم من استقطاب الشركات النفطية العملاقة التي، رغم تعرضها إلى الكثير من المضايقات أيام رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، اختارت العمل في الإقليم وربطت مصيرها الاقتصادي مع الإقليم، ولم تتركه عندما تعرض لهجمة «داعش».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.