لأول مرة «فياغرا وردية».. للنساء

تطرح مع إطار أسود يحمل تحذيرات من مضاعفاتها الشديدة وتثير جدلاً طبيًا

لأول مرة «فياغرا وردية».. للنساء
TT

لأول مرة «فياغرا وردية».. للنساء

لأول مرة «فياغرا وردية».. للنساء

حاز أول عقار يوصف طبيا، يعمل على تحسين الدافع الجنسي لدى النساء، على موافقة السلطات الصحية المختصة أول من أمس الثلاثاء، حيث سجل العقار انتصارا للحملة الضاغطة التي اتهمت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بالتحيز ضد المرأة وتجاهل الاحتياجات الجنسية للمرأة.
والعقار المعروف باسم «أدّيي» Addyi من منتجات شركة «سبراوت» للأدوية، أول عقار تتم الموافقة عليه لعلاج الرغبة الجنسية الواهنة أو المفقودة لكلا الجنسين. وتجدر الإشارة إلى أن عقار الفياغرا وغيره من العقاقير الأخرى المتاحة للرجال يساعد على تحسين الانتصاب، أو لعلاج بعض أوجه النقص في هرمون تيستوستيرون، وليس لزيادة الرغبة الجنسية. ويعتقد أن عقار «أديي» الجديد يعمل عن طريق تغيير التوازن في الناقلات العصبية في المخ مثل دوبامين وسيروتونين. ولكن هناك خلافات بين الباحثين حول ماهية الرغبة الجنسية الطبيعية لدى النساء. كما كانت هناك صعوبات طرح عقار في الأسواق يعالج الرغبة الجنسية المنخفضة.
وقال الناشطون الذين ضغطوا من أجل الموافقة على العقار الجديد، والكثير منهم ينتمون لتحالف معروف باسم «إيفين ذي سكور»، إن العقار الذي يعمل على تحسين الحياة الجنسية للمرأة قد طال انتظاره، مقارنة بالخيارات الكثيرة المتاحة للرجال.
وتقول سالي غرينبريغ، المديرة التنفيذية للرابطة الوطنية للمستهلكين: «تلك هي أكبر طفرة في مجال الصحة الجنسية للمرأة منذ حبوب منع الحمل».
ولكن النقاد يقولون إن الحملة وراء عقار «أدّيي» سخرت من الهيئة التي تشرف على إجازة المستحضرات الدوائية، كما أنها استمالت ضغوط الحركة النسائية على إدارة الغذاء والدواء الأميركية للموافقة على العقار الجديد الذي، في أفضل حالاته، يعد فعالا بالحد الأدنى، ويسبب أعراضا جانبية مثل انخفاض ضغط الدم، والإغماء، والغثيان، والدوخة، والنعاس.
وفي إعلان الموافقة على العقار قالت الدكتورة جانيت وودكوك، المسؤولة البارزة في إدارة الغذاء والدواء الأميركية إن الإدارة كانت «ملتزمة بدعم تطوير علاجات آمنة وفعالة للعجز الجنسي لدى النساء».
ولم يكن قرار إدارة الغذاء والدواء الأميركية من قبيل المفاجأة، حيث كانت إحدى اللجان الاستشارية من خبراء خارجيين قد أوصت بتصويت بأغلبية 18 صوتا مقابل 6 أصوات في يونيو (حزيران) بالموافقة على العقار، ولكن مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من مخاطره وضمان عدم المبالغة في تعاطيه.
وتحمل عبوة عقار «أديي» تحذيرا مكتوبا - وهو الأقوى من نوعه - يقول إنه لا ينبغي استخدام العقار من قبل أولئك اللاتي يتناولن الكحوليات، وذلك لأنه قد يعمل على زيادة الإصابة بانخفاض شديد في ضغط الدم والإغماء. كما لا ينبغي استخدامه أيضا برفقة بعض العقاقير الأخرى، ومن قبل الأشخاص الذين يعانون ضعفا في أداء الكبد.
ولا يمكن وصف العقار أو التوقف عنه إلا بمراجعة الأطباء والصيادلة الذين يشاهدون عرضا توضيحيا للعقار على الإنترنت ويجتازون اختبارا لتفهم طبيعته. ويُنصح النساء بالتوقف عن تناول العقار إذا لم يشعرن بأي تأثير منه بعد ثمانية أسابيع من الاستخدام.
والسؤال المهم الآن هو كيف يمكن للكثير من الناس استخدام عقار «أديي»، والمعروف أيضا باسم «فليبانسرين» وصار يطلق عليه الآن «الفياغرا الوردية»؟
وفقا لأحد الاستطلاعات، هناك نسبة 10 في المائة من النساء يعانين قصورا في نشاط الرغبة الجنسية hypoactive sexual desire disorder. وقالت إدارة الغذاء والدواء الأميركية إن العقار موصوف للنساء اللاتي يسبب فقدان الرغبة الجنسية لديهن نوعا من الضغط النفسي أو صعوبات التعامل مع الآخرين وليس نتيجة لمرض ما أو مشكلات في العلاقات أو أعراضا جانبية لعقاقير أخرى.
ولتهدئة المخاوف من الإفراط في استخدام العقار الجديد، أعلنت شركة «سبراوت» المنتجة أنها لن تقوم بالإعلان عن الدواء الجديد لدى الإذاعة أو التلفاز لمدة 18 شهرا بعد الموافقة عليه. وقالت سيندي وايتهيد المديرة التنفيذية إن الشركة سوف تركز على تسويق العقار لدى الأطباء وليس المستهلكين. وقالت إن الشركة خططت لتعيين 200 مندوب للمبيعات، وهو العدد الكافي للتسويق لدى 30 ألف طبيب، ولا سيما أطباء النساء والتوليد وبعض الأطباء النفسيين كذلك وأطباء الرعاية الأولية.
كما قالت إن السعر المحدد للعقار لم يتحدد بعد، ولكنها أشارت إلى أنه سوف يكون معادلا على أساس شهري لأقراص ضعف الانتصاب لدى الرجال. وهي الأقراص التي تؤخذ عند الحاجة فقط، في حين أن عقار «أديي» يتوقع له أن يؤخذ كل ليلة قبل النوم، مما يجعل من المقارنة المباشرة أمرا عسيرا، ولكن 10 أقراص من الفياغرا، وهو الحد المخصص شهريا، تتكلف نحو 400 دولار.
وليس من الواضح إذا كانت شركات التأمين سوف تغطي تكاليف عقار «أديي».
وتقول السيدة وايتهيد إنها تتوقع أن الكثير من الشركات سوف تغطي تكاليف الدواء مع التحميل المشترك لنحو 30 إلى 75 دولارا من قبل المريض. كما سوف تساعد شركة سبراوت المرضى بالتحميل المشترك، كما قالت.
ويمكن لبعض الأطباء استخدام الدواء لما وراء ضرورات الاستخدام المذكورة في العبوة، في نطاق المسموح للأطباء. تقول الدكتورة شترايشر إنه على الرغم من أن العقار تمت الموافقة عليه للنساء اللاتي لم ينقطع لديهن الطمث فقط، فإنها «بكل تأكيد» سوف تصفه للنساء اللاتي جاوزن سن اليأس كذلك.
ويقول الدكتور إيروين غولدشتاين، طبيب الأمراض الجنسية من سان دييغو الذي كان مستشارا لدى شركة سبراوت، إنه لن يمنع النساء اللاتي يتناولن الكحوليات عرضيا من استخدام الدواء، فبعض النساء قد يتقبلن الأعراض الجانبية للعقار إذا كانت علاقاتهن الشخصية في خطر بسبب نقص الرغبة الجنسية. وقال الدكتور: «وهي مخاطرة أيضا». وأضاف الدكتور غولدشتاين أنه لا يستبعد أيضا وصف نفس العقار للرجال كذلك.
تقول السيدة وايتهيد إنه كان هناك اهتمام بمعرفة ما إذا كان العقار مفيدا بالنسبة للرجال، ولكن أولويات شركة سبراوت كانت تتركز حول الموافقة على العقار بالنسبة للنساء اللاتي لم يجاوزن سن اليأس بعد وبالنسبة للأسواق الخارجية كذلك.
ويعتقد أن عقار «أديي» يعمل عن طريق تغيير التوازن في الناقلات العصبية في المخ مثل دوبامين وسيروتونين.
ولكن هناك خلافات بين الباحثين حول ما يشكل الرغبة الجنسية الطبيعية لدى النساء، كما كانت هناك صعوبات طرح عقار في الأسواق يعالج الرغبة الجنسية المنخفضة.
وكانت شركة بروكتر وغامبل أخفقت في الحصول على موافقة رسمية على لاصقة هرمون تيستوستيرون الدوائية للنساء قبل عشر سنوات. ورفضت إدارة الغذاء والدواء الأميركية عقار «أديي» مرتين من قبل، في عام 2010، و2013، بسبب فعاليته الهامشية وأعراضه الجانبية.
وفي إحدى التجارب، على سبيل المثال، فإن النساء اللاتي تناولن العقار مررن بـ«تجارب جنسية جيدة» بنسبة 4.4 في المائة في الشهر، مقارنة بنسبة 3.7 للنساء اللاتي تناولن العقار الوهمي، ونسبة 2.7 للنساء قبل إجراء الدراسة. لم يعمل العقار على زيادة الرغبة بأكثر مما عمل العقار الوهمي عن القياس وفقا للأداء اليومي، ولكنه حقق نتائج متواضعة عند القياس وفقا للاستبيان الشهري.
بعد الرفض الثاني، شكلت مختلف المجموعات النسائية الصحية تحالف «إيفين ذي سكور». وتدفع شركة سبراوت جزءا من نفقات ذلك التحالف، الذي يضم في عضويته كلا من: المجلس الوطني للمنظمات النسائية، وجمعية حتمية صحة المرأة السوداء، ورابطة أطباء الصحة الإنجابية.
وحتى بعد الموافقة المواتية للجنة الاستشارية، أرسل نقاد العقار خطابات إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية تحثها على رفض عقار «أديي». ولقد تابعت الإدارة في المعتاد نصيحة اللجان الاستشارية، مع أنه من غير الضروري عليها ذلك.
أحد تلك الخطابات أرسله الدكتور تيفر من جامعة نيويورك ووقع عليه نحو 100 طبيب آخر، يقول فيه إنه من «السخافة» أن نتوقع من النساء الشابات اللاتي يتناولن عقار «أديي» أن يتوقفن عن تناول الكحوليات. وخطاب آخر من مشروع «فارميد أوت» في المركز الطبي لجامعة جورج تاون، يحمل هو الآخر نحو 100 توقيع، يقول إن «حملة العلاقات العامة التي لم يسبق لها مثيل وغير المبررة والممولة من شركات الأدوية» قد سببت خلطا ولبسا لدى أعضاء اللجنة الاستشارية. وهناك خطاب ثالث، من الباحثين في الأمور الجنسية في هولندا وبلجيكا، يقولون إن العقار الجديد يعتمد على فكرة خاطئة بأن الرغبة الجنسية العفوية، في غياب المحفزات الخارجية، تعتبر أمرا غير طبيعي.
ويخطط تحالف «إيفين ذي سكور» للبقاء في مجال الأعمال، أملا في أن الموافقة الرسمية على عقار «أديي» سوف تحفز شركات دوائية أخرى على تطوير العقاقير للصحة الجنسية للمرأة.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».