خطة {ديمستورا}.. حكم انتقالي ومصير الأسد مجهول

المعارضة تنظر بإيجابية إلى «خطة السلام».. واختيار الشخصيات لتشكيل اللجان الأربع بدأ

مقاتل من الجبهة الشامية يقصف أهدافا لـ«داعش» قرب مدينة أعزاز بريف حلب أول من أمس (غيتي)
مقاتل من الجبهة الشامية يقصف أهدافا لـ«داعش» قرب مدينة أعزاز بريف حلب أول من أمس (غيتي)
TT

خطة {ديمستورا}.. حكم انتقالي ومصير الأسد مجهول

مقاتل من الجبهة الشامية يقصف أهدافا لـ«داعش» قرب مدينة أعزاز بريف حلب أول من أمس (غيتي)
مقاتل من الجبهة الشامية يقصف أهدافا لـ«داعش» قرب مدينة أعزاز بريف حلب أول من أمس (غيتي)

رحّبت المعارضة السورية بـ«خطة السلام» بشأن سوريا التي تبناها مجلس الأمن للمرّة الأولى بانتظار أن تتوضّح بعض النقاط العالقة لا سيما لجهة المرحلة الانتقالية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد.
وبينما كان الائتلاف قد أعلن عن استعداده للدخول في مفاوضات تؤدي إلى تغيير النظام السياسي وكافة رموزه، أيد مجلس الأمن في قراره مساء الاثنين «إطلاق عملية سياسية بقيادة سورية تقود إلى انتقال سياسي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري».
ويرى محللون أن تجاوز الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لخلافاتهما من خلال التوافق على البيان ذاته مؤشر على بدء انفراج بعد فشل الكثير من المبادرات، وإن كان لا يعكس بالضرورة تقاربا في وجهات النظر حول أساس الأزمة وتحديدا مصير الأسد، فيما اعتبر الائتلاف على لسان عضو الهيئة السياسية محمد مكتبي أنّ التصعيد العسكري في الأيام الماضية ردّ واضح من النظام على التحركات الإقليمية الإيجابية باتجاه الأزمة السورية في الفترة الأخيرة،
وبحسب القرار تتمتع هيئة الحكم الانتقالي بكافة الصلاحيات التنفيذية على أن «يتم تشكيلها على قاعدة التوافق المشترك مع ضمان استمرارية المؤسسات الحكومية».
وتتضمن خطة السلام المقترحة من مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا والتي من المفترض أن يبدأ تطبيقها في سبتمبر (أيلول)، تشكيل أربعة فرق عمل تبحث عناوين «السلامة والحماية، ومكافحة الإرهاب، والقضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار» كما تنص على حكم انتقالي فيما لم يأتي ذكر الرئيس الأسد فيها.
وقال مكتبي لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار مجلس الأمن خطوة جيدة وجديدة على أمل أن تسلك الطريق الصحيح لجهة التعامل الجدي مع الأزمة السورية بعد التوافق الدولي والدفع باتجاه العملية السياسية». وأضاف: «كنا ولا نزال ندعم الحل السياسي الذي سبق أن دعا إليه مؤتمر جنيف وسنتعامل بإيجابية مع ما صدر عن مجلس الأمن، رغم أننا نعتبر أنّ هناك بعض النقاط بحاجة إلى المزيد من الإيضاحات التي سنتواصل بشأنها مع المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وستكون كذلك محور بحث في مجموعات العمل التي ستعقد في هذا الإطار والتي ستكون مؤلفة من المعارضة والنظام». وأوضح مكتبي أنّ أبرز هذه الإيضاحات هي تلك المتعلقة بالشخصيات التي ستمثل النظام في هذه الاجتماعات إضافة إلى مهمة المجموعات وكيفية أدائها والمدة المرتقبة لعملها، إضافة إلى ضرورة توضيح كيفية التعامل مع من سيعمد إلى عرقلة هذا الاتفاق ولا سيما من قبل مجلس الأمن الذي أصدر القرار. وقال هيثم مناع القيادي السوري المعارض، الذي شارك في المشاورات التي أجراها دي ميستورا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «اختيار الشخصيات المؤهلة (من الجانبين) لتشكيل اللجان الأربع بدأ بالفعل». ويرى مناع أن «السؤال حول مصير الأسد يطرح خلال العملية (السياسية) أو في نهايتها، لأن طرحه في البداية يعني الذهاب إلى الفشل التام».
بدوره لفت مكتبي إلى أنّ مصير الرئيس السوري سيكون بندا أساسيا في كل المباحثات التي ستجرى، مؤكدا أن المعارضة لن تتخطى إرادة الشعب السوري ولا تزال تؤكد على موقفها الرافض لأي دور للأسد في المرحلة الانتقالية أو أي طرح يروّج له بعض الداعمين له، بالقول إنه قد يستمر في السلطة بعد تقليص صلاحياته. وأضاف: «ربّما يكون اليوم الموقف الروسي أصبح أقل تمسكا بالأسد لكن إيران لا تزال تعتبر أن نهاية الأسد هي نهايتها».
واعتبر مكتبي أنّ التصعيد العسكري من قبل النظام السوري في الأيام الماضية والتي كان آخرها مجزرة دوما، ليس غريبا عن الأسد الذي يلجأ إليه عند بروز أي مؤشرات إيجابية للدفع نحو الحل السياسي، مضيفا: «وتوقيت هذا التصعيد اليوم يعطي رسالة إلى المجتمع الدولي أنه لا يكترث لأي قرارات وسيبقى متمسكا بالحل العسكري».
وجاء قرار مجلس الأمن الدولي بعد ساعات على إدانة مسؤولين في الأمم المتحدة بينهم دي ميستورا لقصف جوي استهدف مدينة دوما في ريف دمشق وتسبب بمقتل 96 شخصا وإصابة أكثر من 250 آخرين بجروح يوم الأحد الماضي. وفي حين وصف دي ميستورا قصف دوما بأنه «كان مدمرا»، اتهمت دمشق الأخير بـ«الابتعاد عن الحيادية في ممارسة مهامه».
وتستند خطة السلام المقترحة إلى المبادئ الواردة في بيان «جنيف 1» الصادر في 30 يونيو (حزيران) 2012 عن ممثلي الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والداعي إلى تشكيل حكومة من ممثلين عن الحكومة والمعارضة بـ«صلاحيات كاملة» تتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية.
ويرى محللون أن عوامل عدة ساهمت في التوصل إلى خطة السلام هذه، أبرزها استنزاف الفصائل المقاتلة على الأرض والحاجة الملحة لمواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، بالإضافة إلى الانفراج في العلاقات الإيرانية الأميركية بعد الاتفاق النووي.
ويقول كريم بيطار الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) لوكالة الصحافة الفرنسية، إن المبادرة الجديدة ليست إلا بداية و«لا شيء يضمن حتى الآن أنها ستكون أكثر نجاحا من المبادرات السابقة».
ويضيف «هناك إجماع غير مسبوق (...) وبداية تقارب، وأجواء بدأت تتغير» لكنه يوضح أن «أيا من الطرفين ليس مستعدا في هذه المرحلة لتقديم تنازلات إضافية تسمح فعليا بترجمة هذا التقارب على الأرض».
وفشلت كل المبادرات السابقة التي اقترحتها الأمم المتحدة أو القوى الكبرى في وضع حد للنزاع السوري. ولم يتوصل مؤتمر جنيف 2 عام 2014 بين ممثلين عن النظام والائتلاف إلى نتائج حاسمة بسبب الخلاف حول مصير الأسد.
ويشير بيطار إلى أن «أساس المشكلة لم يمس وهو تحديدا مصير الأسد كشخص والذي لا يزال يشكل عائقا» منذ بدء النزاع في سوريا، معتبرا أنّ «هناك وعيا مشتركا لحالة الاستنزاف التي يعاني منها طرفا الصراع».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.