في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، عرفت ميلانو، الواقعة إلى الشمال من إيطاليا، بأنها مدينة المقاهي التي كانت مقصدا للمثقفين والفنانين ونخبة المجتمع «الميلانيزي»، ومع الوقت تحولت إلى مدينة الموضة والأناقة وموطن دور الأزياء الإيطالية، وفي عام 1931 افتتحت فيها محطة القطارات الرئيسية التي تربطها بباقي المدن الإيطالية الكبرى بما فيها روما وتورين والبندقية.. وبعد عام من افتتاح المحطة افتتح فندق «إكسيلسيور هوتيل غاليا» Excelsior Hotel Gallia الذي كان يطلق عليه اسم «قصر غاليا» نسبة لضخامة مبناه وهندسته التي تشبه هندسة القصور.
ومع صفارة القطار إنذارا بقدومه من جهة ما في إيطاليا، كان يهم العامل في الفندق الذي يقع مقابل المحطة مباشرة للذهاب بعربته المخصصة لحمل الحقائب لمساعدة الضيوف الذين كانوا يأتون إلى ميلانو لرؤية الفندق والإقامة فيه لأنه كان من بين أهم معالم المدينة الراقية المعروفة بأناقة أهلها.
واليوم يعيد هذا المشهد نفسه، مثلما يعيد التاريخ ذاته، فعند وصولي إلى ميلانو قادمة من مدينة جنوا ومع انطلاق صفارة القطار كان العامل حاضرا مثلما كان يفعل العمال الذين سبقوه قبل أكثر من 83 عاما، والعربة لا تزال حاضرة والعامل بهندامه التقليدي الأنيق وقبعته الجميلة يرحب بك ويصطحبك مع أمتعتك مشيا على الأقدام على مسافة لا تزيد على مائة متر، لتصل إلى مدخل الفندق الذي أعيد افتتاحه بعد عملية ترميم وتوسيع ضخمة لتبدأ عملية اكتشاف جوهرة تاريخية تم تجميلها على يد المهندس ماركو بيفا.
لطالما عرف الفندق بأنه «بوابة ميلانو»؛ فإليه كان يأتي الإيطاليون الذين لطالما أرادوا التقرب من الطبقة المرفهة في ميلانو، وإليه كان يأتي التجار الباحثون عن إبرام الصفقات والعقود، واليوم يأتي إليه السياح الذين يعرفون معنى الإقامة الراقية ويريدون اكتشاف ميلانو وزيارة معرضها الأكبر «ميلان إكسبو 2015» الذي يعد حدثا عالميا يمتد على مدى ستة أشهر يجتمع فيه الخبراء والفنانون والمستثمرون والباحثون عن فرص جديدة.
* «إكسيلسيور هوتيل غاليا»
يتبع اليوم مجموعة «لاكشري كوليكشن هوتيل» ويقع تحت مظلة «ستاروود» العالمية، وبمجرد أن تصل إلى البهو الرئيسي تشتم رائحة الجلد الطبيعي، فتدرك أنك في إيطاليا، فتم استخدام كل ما هو إيطالي في الديكورات والأثاث، وتم التعامل مع دور لتصميم الأزياء مثل «فيندي» وغيرها. الأرضية من الرخام البني المطعم بتصميم فضي اللون، وهذا التصميم تراه في جميع أنحاء الفندق، وأهم ما يميز المدخل هو السلم الحلزوني المصنوع من الحديد الأسود، وثريا مصنوعة من زجاج مورانو الشهير في مدينة البندقية تتدلى من السقف الثامن والأخير لتصل إلى المدخل، وهي باللون الأبيض، وتتدلى بدرجات من القطع الزجاجية.. إلى اليمين تجد غرفة تحمل توقيع شركة سيارات «مازيراتي»، وهي أشبه بغرف رجال الأعمال وغرفة السيجار التي تحافظ على الـ«آرت ديكو» في تفاصيلها.
أضيف إلى الفندق مبنى حديث، ولكنه تم العمل على مزج الاثنين ليتناغم القديم مع الجديد، وكانت النتيجة معلما لافتا في سماء ميلانو، وأجمل ما يميز الفندق هو وجود «التراس» أو الـ«Roof Top» الذي أطلق عليه اسم «Terrazza Gallia» الممتد على طول الطابق السابع من المبنيين، ويطل على معالم المدينة الجميلة وعلى أبنيتها الجديدة الشاهقة، وفي الأفق البعيد ترى جبال الألب وهي مكللة بالثلوج، وهنا يجب أن نشير إلى روعة الأثاث المصمم بغالبيته من الجلد الطبيعي ويبدو كأنه قطع من الجلد الحر المنسدل على المقاعد بألوان فاتحة مع إضاءة رائعة.
أما بالنسبة للطعام، فهو محضر في مطبخ عائلة «سيريا» Cerea الحاصلة على «نجوم ميشلان»، ويمكن تناوله في الخارج لأن كل هذه المنطقة مجهزة بمدفآت صيفا وشتاء.
* الغرف والأجنحة
يضم الفندق 235 غرفة إضافة إلى 53 جناحا، ومن أجملها جناح «كتارا» katara Suite ويمكن الجزم هنا بأنه من بين أجمل الأجنحة التي رأيتها في حياتي، فيضم بركة سباحة داخل غرفة النوم مجهزة بوسائل الحمام التركي ودش استوائي، كما يضم شرفتين؛ الأولى بحجم عملاق وتضم طاولات ألعاب مثل البلياردو والبينغ بونغ وعدة جلسات جميلة وشاشة تلفزيون مسطحة، بالإضافة إلى شرفة أخرى أكثر حميمية لا تقل روعة في التصميم.
الديكور الداخلي في هذا الجناح وباقي الغرف يتميز بالرقي وفي الوقت نفسه تم التشديد على المساحة الواسعة التي تناسب العائلات، فهناك عدة أجنحة بغرفتين ومن الممكن فتح عدة غرف بعضها على بعض.
* المركز الصحي
اختارت علامة «شيسيدو» العالمية لمستحضرات التجميل فندق «إكسيلسيور غاليا» عنوانا لها في إيطاليا، بحيث لا تفتتح العلامة أكثر من مركز صحي واحد في كل بلد، ويمتد المركز على مساحة ألف متر مربع، ويعد أكبر مركز صحي في ميلانو، وأجمل ما فيه هو بركة السباحة التي تتميز بسقوفية من الزجاج، وتقع في الطابق الأخير من الفندق، وتطل على أجمل المناظر ومعالم المدينة. للمزيد من التفاصيل: www.luxurycollection.com / exelciorgallia
* التبضع
مسألة التبضع في ميلانو لا تحتاج إلى تفكير عميق ولا ذكاء خارق، فإذا كانت كل الطرق تؤدي إلى روما، فكل الطرق في ميلانو تؤدي إلى المتاجر، ومن أشهر الأماكن مركز «غاليريا» الذي افتتح عام 1867 من تصميم جوزيبي مينغوني، وهو مصنوع من الحديد والزجاج، سقفه يمثل قارات آسيا وأفريقيا وأميركا وأوروبا، وأرضه مرصعة بأحجار الموزاييك، وتنتشر فيه أرقى المحلات التجارية المحلية والعالمية.
ومن العناوين المهمة الأخرى مركز «لا ريناتشينتي» La Rinascente الذي يضم عدة ماركات، ويتميز بجلسة خارجية في الطابق الأخير، وبشرفة مطلة على ساحة دومو، ويتميز بصالة خاصة ببيع أفضل وأجود أنواع الطعام والمنتجات الغذائية الإيطالية.
وبعد يوم حافل بالتسوق، لا بد من تذوق مأكولات إيطالية تقليدية، وعصرية، وأفضل عنوان لذلك هو مطعم «أو إم فود» OM food، bio bistro ويعتمد في أطباقه على المنتجات العضوية والبيولوجية بنكهات إيطالية، ولكن أهم ما يميز هذا المطعم هو موقعه داخل مبنى قديم وعلى أرضية من الحجارة المتراصة، ويتبع المطعم بوتيك صغير لبيع الصابون والزيت العضوي.
* أفضل المقاهي
كما ذكرنا في مستهل الموضوع، فإن ميلانو هي التي نشرت فكرة المقاهي في أوروبا، ولغاية اليوم لا تزال تحتل عرش مقاهي القهوة، ولو أن سلسلة «ستارباكس» الأميركية دخلت إليها، ولكنها لا تزال خجولة ولا يمكن أن يفضلها الإيطالي على قهوته المحلية، والأهم من هذا كله هو أن فكرة «ستارباكس» جاءت بعد زيارة رئيس الشركة هيوارد شولتز إلى ميلانو وعاد بعدها بفكرة مشابهة للمقاهي في ميلانو لتقرب الأصدقاء وتكون بمثابة واحة صغيرة لاجتماعاتهم وتسامرهم.
من أشهر المقاهي: «تروساردي»، و«ميامي»، و«زوكا»، و«فيردي»، و«بار بيانكو» الأشهر في تقديم قهوة الـ«ماكياتو».