المصارف البرازيلية تحقق أرباحًا في أوقات عصيبة

مجموع الأرباح السنوية لأكبر 4 منها زاد بـ850 % في 12 عامًا

المصارف البرازيلية تحقق أرباحًا في أوقات عصيبة
TT

المصارف البرازيلية تحقق أرباحًا في أوقات عصيبة

المصارف البرازيلية تحقق أرباحًا في أوقات عصيبة

عندما تولى حزب العمال الذي كان رئيسه السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيسته الحالية ديلما روسيف، السلطة عام 2003 وعد برفع مستوى معيشة الفقراء، والطبقات العاملة في البلاد، وتمكن من الوفاء بهذا الوعد لسنوات كثيرة. مع ذلك كانت مكاسب القطاع المصرفي هي الأكثر إثارة للإعجاب، رغم حالة الركود في قطاع التصنيع وما واجهه الاقتصاد بوجه عام من تأرجح في الأسعار العالمية للسلع. وارتفعت الأرباح السنوية مجتمعة في المصارف الأربعة الكبرى في البرازيل بنسبة تتجاوز 850 في المائة، حيث تخطت خلال فترة حكم حزب العمال، التي بلغت 12 عاما، 20 مليار دولار بعد أن كانت 2.1 مليار. وحتى مع ما تسببت فيه فضيحة الفساد، التي حدثت في شركة البترول العملاقة «بتروبراس» المملوكة للحكومة، من شلل لقطاعات مهمة في الاقتصاد، ظلت أرباح المصارف في ازدياد رغم الأحزاب السياسية التي تتخذ من النجمة الحمراء رمزا لها تميل إلى عدم تفضيل المصرفيين أو الانحياز إليهم، لكن الحزب الحاكم في البرازيل سجل استثناء مربحا.
وكانت مكاسب المصارف تمثل أكثر من نصف إجمالي أرباح الشركات المدرجة في سوق ساو باولو للأوراق المالية خلال عامي 2013 و2014 طبقا لشركة «إيكونوماتيكا» للاستشارات. وفي الوقت الذي لا تعبر فيه سوق الأوراق المالية بشكل دقيق عن وضع الاقتصاد البرازيلي، حيث بالكاد يتم تمثيل المشروعات الزراعية وشركات تصنيع السيارات بها، لم تتجاوز أرباح المصارف ربع الإجمالي على مدى العقد الماضي.
لا يحقق مصرف «بانكو دي برازيل»، أكبر مصرف في البرازيل، ومصرف «كايسا إيكونوميا فيدرال»، ثالث أكبر المصارف في البرازيل، أرباحا بوصفهما متحكمين وحيدين في بيع الأصول، حيث كانت الحكومة، التي تتحكم في الاثنين، تلزمهما بالمشاركة في عمليات لا تحقق أرباحا كبيرة في إطار تقديم خدمات عامة. ويحصل المصرفان العملاقان «إيتاو» و«براديسكو»، وهما من المصارف الخاصة، باستمرار على عائدات على الأسهم، وهي جزء من العائدات التي يمكن لشركة ما الحصول عليها من كل دولار يتم استثماره، وتبلغ نسبتها نحو 20 في المائة، وهي نسبة أكبر من تلك التي تحققها المصارف الكبرى في الولايات المتحدة بنحو النصف.
وتميل سياسات الحكومة والتوجهات الاقتصادية نحو مساعدة المصارف هنا. ومن تلك الأمور التي تساعد فيها سعر الفائدة المرتفع الذي يذهل المقترضين في أكثر الدول الأخرى. في ما يسمى بالسوق غير الموجهة أو الائتمان الحر، الذي يخصص القروض المدعومة من الحكومة للإسكان والبنية التحتية، يدفع المستهلكون البرازيليون في المتوسط سعر فائدة على القروض قدره 58.6 في المائة، وتدفع الأعمال التجارية 27.5 في المائة.
ويختلف أكاديميون برازيليون حول أسباب ارتفاع سعر الفائدة، لكن تاريخا من التضخم الهائل، وتقلبات العملة الحادة، والعجز الكبير في موازنة الحكومة، يعني أن الحكومة نفسها عليها دفع سعر فائدة كبير لاقتراض الأموال. يبلغ السعر الأساسي الذي يحدده البنك المركزي، ويدفعه على ما يعادل سندات الخزانة، 14.25 في المائة. ونظرا لقدرة المصارف على تحقيق أرباح كبيرة من خلال شراء سندات الحكومة، من أجل المخاطرة بمنح قروض، هي بحاجة إلى أرباح أكبر. وهو ما يمكنها تحقيقه في كثير من الأحوال. ويبلغ متوسط الفرق بين السعر المدفوع والسعر المطلوب، أي الفرق بين ما يدفعه المصرف من أجل الحصول على رأسمال وما يفرضه من رسوم لتقديم المال، 30.7 درجة مئوية في سوق الائتمان الحر.
ولا يندرج كل ذلك ضمن الأرباح. الضرائب وتكاليف العمليات التنظيمية مرتفعة، وأعلنت الحكومة أخيرا خطة لزيادة الضرائب المفروضة على أرباح المصارف. ويعد التخلف عن السداد مخاطرة كبيرة، حيث تخلف بالفعل نحو 56 مليون برازيلي، أي أكثر من ربع سكان البلد، عن سداد أقساط من ديونهم تكفي لوضعهم على القائمة السوداء لـ«سيراسا إكسبيريان»، وهو أحد مكاتب التقارير الائتمانية. مع ذلك يكفي الفرق بين السعر المدفوع والسعر المطلوب لتعويض كل تلك التكاليف خاصة عندما يشهد الاقتصاد نموا.
في الأوقات العصيبة، يمكن للمصارف أن تلجأ إلى الحكومة. ولا تبيع وزارة المالية البرازيلية فقط سندات خزانة تحمي المستثمرين من التضخم، كما تفعل بعض سندات الخزانة الأميركية، بل إنها تقدم أيضا سندات تزيد قيمتها عندما يرتفع سعر الفائدة، أو تنخفض قيمة العملة. وعندما تشعر المصارف بأن الاقتصاد على وشك الانهيار، تتراجع عن تقديم القروض وتتجه نحو الاستثمارات التي تحظى بدعم الحكومة. ونتيجة لذلك، دعمت الكثير من المشكلات الاقتصادية الأخيرة في البرازيل، مثل وصول معدل التضخم إلى نحو 9 في المائة، وتراجع قيمة العملة، وزيادة سعر الفائدة، صافي عائدات المصارف.
وقال لويس فرناندو دي باولا، أستاذ الاقتصاد في جامعة ريو دي جانيرو: «المصارف هنا خبيرة في العمل في ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي. وبفضل سندات الحكومة التي توفر الحماية، لا تسبب أزمات العملة، وصدمات سعر الفائدة، أزمات للمصارف، فالحكومة تدفع الثمن بدلا منها». وفي مؤشر يدل على مدى التشابك بين الحكومة والمصارف، يمتلك القطاع المصرفي في البرازيل نحو 27 في المائة من الدين الحكومي.
وقد يساعد غياب المنافسة في تحقيق أرباح أيضا. منذ أن مثلت الأزمة المصرفية في تسعينات القرن الماضي تهديدا لعدد كبير من المؤسسات المالية بالعجز عن تسديد ديونها، شجعت السلطات على تنفيذ سلسلة من عمليات الدمج والاستحواذ. وقال روبرتو لويس تروستر، كبير خبراء الاقتصاد السابق في اتحاد المصارف البرازيلية: «لم يصدر عن أي مسؤول حكومي بيان بشأن هذا الأمر، لكننا شهدنا تحيزا تنظيميا واضحا للمصارف التي تتسم أوضاعها بالثبات وإن قل عددها».
من جانب لاقت هذه السياسة نجاحا، ففي الوقت الذي اهتزت فيه المصارف الأميركية والأوروبية بفعل الأزمة المالية عام 2008 كان هذا احتمالا أبعد من الخيال في البرازيل. وقال لويس ميغيل سانتاكريو، محلل القطاع المالي في وكالة «أوستين ريتينغز» للتصنيفات الائتمانية في البرازيل: «بفضل هذه الفروق المرتفعة على القروض، كانت العمليات المصرفية التقليدية تحقق أرباحا كبيرة إلى حد جعل المصارف لا تحتاج إلى المخاطرة كثيرًا. ومن غير المرجح أن يحتاج أي مصرف كبير إلى زيادة رأسماله من أجل الصمود والبقاء».
مع ذلك لم يكن أمام المقترضين سوى بضعة خيارات من أجل الحصول على أسعار أفضل. عندما تولى الرئيس دا سيلفا منصبه عام 2003، كانت المصارف الأربعة الكبرى في البلد تمتلك 53 في المائة من إجمالي أصول القطاع المصرفي بحسب البنك المركزي البرازيلي، بينما تمتلك حاليا ما يزيد على 70 في المائة من الأصول، وتعمل الكثير من المصارف الصغيرة في قطاعات محدودة في السوق.
على الجانب الآخر، قال الأستاذ دي باولا: «هناك بعض الأدلة على تمتع المصارف بنفوذ في تحديد الأسعار». ولم ترتفع حصة المصارف الكبرى في السوق فحسب، بل إن سوق الائتمان ذاتها شهدت ازدهارًا بعد تغيير الرئيس دا سيلفا، ثم من بعده روسيف، القواعد التنظيمية لتيسير الاقتراض على المستهلكين وأصحاب الأعمال التجارية. وتحمست الفئتان، حيث أقبل الكثيرون ممن ينتمون إلى الطبقة الدنيا والمتوسطة على الاقتراض من أجل شراء أجهزة كهربائية منزلية أو سيارات.
وارتفع دين القطاع الخاص بحيث بات يمثل 70 في المائة من الاقتصاد تقريبا بعد أن كان 30 في المائة وقت تولي دا سيلفا المنصب. مع ذلك تظل تلك النسبة منخفضة طبقا للمعايير العالمية، ففي الولايات المتحدة، اقتربت النسبة من 200 في المائة، وحتى ديون القطاع الخاص في ألمانيا أكبر من ديون القطاع الخاص في البرازيل بالنسبة إلى حجم اقتصاد كل منهما.
مع ذلك يؤدي ارتفاع سعر الفائدة إلى جعل حتى أقل الديون عبئا ثقيلا. وينفق القطاع المنزلي في البرازيل في المتوسط 22 في المائة من دخله الشهري في دفع أقساط الديون طبقا لإحصاءات البنك المركزي. وتصل النسبة إلى 31 في المائة طبقا للاتحاد القومي للتجارة. على الجانب الآخر، ينفق القطاع المنزلي في الولايات المتحدة في المتوسط أقل من 10 في المائة من دخله في تسديد أقساط الديون. ومع زيادة عدد المقترضين، قد تصبح أيام النمو السريع للمصارف في طريقها للانتهاء، حيث يقترب تحقيق النمو من خلال عمليات الاستحواذ من حدوده.
ومع توصل براديسكو خلال الأسبوع الماضي إلى اتفاق للاستحواذ على عمليات مصرف «إتش إس بي سي» في البرازيل مقابل 5.2 مليار دولار، ستقترب سيطرة المصارف الأربعة الكبرى على إجمالي أصول القطاع المصرفي من الحد الأقصى، الذي يبلغ 75 في المائة، والذي حدده البنك المركزي عام 2012. نتيجة لهذا، قد تمنع السلطات القيام بالمزيد من عمليات الاستحواذ. وإذا استمر الركود في البرازيل لفترة أطول، فسترتفع معدلات التخلف عن سداد القروض، لكن حتى إذا لم ترتفع العائدات بخطى سريعة كما كان الحال في الماضي، فمن المرجح أن تظل في وضع قوي، بينما يصبح الأداء الاقتصادي الأكثر شمولا متواضعا. وقال سانتاكريو: «تقلل المصارف حجم القروض التي تمنحها، لكن سعر الفائدة أكبر من ذي قبل، ولا تزال الفروق بين السعر المدفوع والسعر المطلوب في ازدياد. وتحقق المصارف أرباحا من السندات الحكومية. ومن المحال ألا تحقق المصارف أرباح كبيرة».



بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
TT

بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)

حذَّر الرئيس السابق لمجموعة بورصة لندن، من أنَّ بورصة لندن الرئيسية أصبحت «غير تنافسية للغاية»، وسط أكبر هجرة شهدتها منذ الأزمة المالية.

وقال كزافييه روليه، الذي ترأس مجموعة بورصة لندن بين عامَي 2009 و2017، إن التداول الضعيف في لندن يمثل «تهديداً حقيقياً» يدفع عدداً من الشركات البريطانية إلى التخلي عن إدراجها في العاصمة؛ بحثاً عن عوائد أفضل في أسواق أخرى.

وجاءت تعليقاته بعد أن أعلنت شركة تأجير المعدات «أشتيد» المدرجة في مؤشر «فوتسي 100» خططها لنقل إدراجها الرئيسي إلى الولايات المتحدة، استمراراً لاتجاه مماثل اتبعته مجموعة من الشركات الكبرى في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لبيانات بورصة لندن، فقد ألغت أو نقلت 88 شركة إدراجها بعيداً عن السوق الرئيسية في لندن هذا العام، بينما انضمت 18 شركة فقط. وتشير هذه الأرقام، التي نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أكبر تدفق صافي من الشركات خارج السوق منذ الأزمة المالية في 2009.

كما أن عدد الإدراجات الجديدة في لندن يتجه لأن يكون الأدنى في 15 عاماً، حيث تتجنب الشركات التي تفكر في الطرح العام الأولي (IPO) التقييمات المنخفضة نسبياً مقارنة بالأسواق المالية الأخرى.

وقد تجاوزت قيمة الشركات المدرجة التي تستعد لمغادرة سوق الأسهم في لندن هذا العام، 100 مليار جنيه إسترليني (126.24 مليار دولار) سواء من خلال صفقات استحواذ غالباً ما تتضمن علاوات مرتفعة، أو من خلال شطب إدراجها.

وأضاف روليه أن انخفاض أحجام التداول في لندن في السنوات الأخيرة، مقارنة مع الارتفاع الحاد في الولايات المتحدة، دفع الشركات إلى تسعير أسهمها بأسعار أقل في المملكة المتحدة لجذب المستثمرين.

وقال في تصريح لصحيفة «التليغراف»: «الحسابات البسيطة تشير إلى أن السوق ذات السيولة المنخفضة ستتطلب خصماً كبيراً في سعر الإصدار حتى بالنسبة للطروحات العامة الأولية العادية. كما أن السيولة المنخفضة نفسها ستؤثر في تقييم الأسهم بعد الاكتتاب. بمعنى آخر، فإن تكلفة رأس المال السهمي تجعل هذه السوق غير تنافسية بشكل كامل».

ووفقاً لتقديرات «غولدمان ساكس»، يتم تداول الأسهم في لندن الآن بخصم متوسط يبلغ 52 في المائة مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة.

وتستمر معاناة سوق العاصمة البريطانية في توجيه ضربة لحكومة المملكة المتحدة، التي تسعى جاهدة لتبسيط القوانين التنظيمية، وإصلاح نظام المعاشات المحلي لتشجيع مزيد من الاستثمارات.

وأشار روليه إلى أن المملكة المتحدة بحاجة إلى التخلص من الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي التي تمنع صناديق التقاعد من امتلاك الأسهم، بالإضافة إلى ضرورة خفض الضرائب على تداول الأسهم وتوزيعات الأرباح.

وأضاف: «قلقي اليوم لا يتعلق كثيراً بالطروحات العامة لشركات التكنولوجيا، فقد فات الأوان على ذلك. التهديد الحقيقي في رأيي انتقل إلى مكان آخر. إذا استمعنا بعناية لتصريحات كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأوروبية الكبرى، فسنجد أنهم أثاروا احتمال الانتقال إلى الولايات المتحدة للاستفادة من انخفاض تكلفة رأس المال والطاقة، والعوائد المرتفعة، والتعريفات التفضيلية».