حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

الكويت على نار الجغرافيا بين أطماع إيران وسوء حال العراق

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
TT

حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره

كشفت السلطات الأمنية الكويتية عن مؤامرة تفجيرات واسعة النطاق يخطط لها حزب الله اللبناني، التابع لإيران، عبر تهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى شبكة من الخلايا السرية المتعاملة معه، يوضح بصورة ما عادت تقبل الجدل حول الأطماع الإيرانية في منطقة الخليج ككل. ذلك أن ما حدث في الكويت ليس جديدًا على الساحة المحلية بل سبق للكويت أن شهدت عمليات إرهابية كثيرة من قبل نفذها الحزب ومن هم وخلفه.
كذلك فإن مواقف طهران وقيادة الحزب من المملكة العربية معروفة، والمطالبات الإيرانية بالبحرين قديمة وتجدد للابتزاز وتبرير التدخل والتخريب. ولقد ارتفعت هذه الوتيرة أكثر بعدما فضحت «عاصفة الحزم» تخطط طهران لتطويق شبه الجزيرة العربية وصولا إلى اليمن.
بعد تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، خرج حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، في خطابات تلفزيونية معتادة، موجها التحية أداء وكلمة لأمير الكويت والشعب الكويتي ومجلس الأمة ووسائل إعلام كويتية وسنة وشيعة، لأنهم وفق حديثه قدموا نموذجا رائعا في التعاطي مع حادث تفجير المسجد خلال شهر رمضان الماضي. وقال نصر الله يوم ذاك إن «ما حصل في الكويت مشهد إنساني وأخلاقي لا يملك الإنسان إلا أن يضرب له تحية»، وتمنى أن يعمّم التعامل الكويتي على المنطقة.
تلك التحية الإيرانية التي أداها نصر الله لأمير الكويت، كانت مجرد شيء عابر. وهو – أي نصر الله - وإن صفق له عدد يسير من شيعة الكويت، لم تجد تحيته صداها كما كان يتمنى وهو المتعكر المزاج منذ بدء «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى اليمن، وتزايد خسائر أوراق قوته على الميدان في سوريا التي يتورط فيها حشد من مقاتلي حزبه في إبادة الشعب السوري.
الكويت منذ العام 1983 تدفع ثمنًا داميًا باهظًا بفعل ما يعرف بحزب الله الكويتي. ولقد أعاد كشف وزارة الداخلية خلية كويتية ترفع ولاءها لحزب الله اللبناني، ومصادرة كمية كبرى من الأسلحة والمتفجرات في مناطق عدة داخل الكويت تورط حزب الله فيها، إلى الأذهان كل صفحات تاريخ الدماء والأطماع الإيرانية في الكويت.
«الجمهورية الإسلامية الإيرانية» التي تقود من خلف الكواليس حزب الله اللبناني، الذي يعد الذراع الأولى لها في المنطقة، كانت قد اصطدمت بقوة الأمن الكويتي بعد كشف وزارة الداخلية لخلية تجسس إيرانية تنشط في الكويت بمنتصف العام 2010، وأسقطت معها أسماء وقيادات كبرى، حاولت إيران لاحقًا التبرؤ منها، واعتبرت أن القصد من ذلك الإعلان «إثارة الفرقة بين الدول الإسلامية».
ثم بعد تورّط حزب الله في الأزمة السورية، سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إغلاق المنافذ المالية التي كانت ترد له من حوالات من بعض دول الخليج، التي كان يعمل عليها عدد من جامعي التبرعات للحزب. وحينذاك اتفق الخليجيون تحديدا في العام 2013 على «اعتبار حزب الله منظمة إرهابية»، وهو ما تعتبره كذلك دول كثيرة على امتداد العالم في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كشفت الداخلية الكويتية قبل أيام مصادر تهريب تلك الأسلحة والمتفجرات عبر جزيرة إيرانية، يفتح كذلك باب القلق من وجود «الحرس الثوري الإيراني»، خاصة وأن ثمة تقارير صحافية تشير إلى تمركزه في جنوب العراق على بعد كيلومترات من الحدود الكويتية. وهذا أمر يقلق دولة الكويت التي تخشى من تمدد الاضطرابات العراقية وتأثيرها على الداخل الكويتي.
ما كشفته السلطات الكويتية يعيد فتح الملفات عن حزب الله في الخليج، من الكويت إلى المملكة العربية السعودية. ومع محاولاته الحثيثة للتحرك داخل مملكة البحرين وما تكشفه الأجهزة المعنية فيها وفي باقي دول الخليج من القبض على خلايا إيرانية تجسسية أو تنفيذية لأعمال تخريبية يعيد جديًا طرح التساؤلات عن حقيقة ما تريد إيران في المنطقة.

حزب الله وجه لـ«داعش»

المحلل السياسي الكويتي، سالم العجمي قال خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «بالمقارنة مع أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق وخلية حزب الله الكويتي، يظهر تطابق كبير في الأهداف وهو محاولة ضرب التعايش في الكويت بين السنة والشيعة بوصفه المثال الأول في الخليج».
وأوضح العجمي أن الكشف عن خلية حزب الله واعترافات المنتمين لها أنهم تلقوا تدريبات عسكرية في لبنان على يد الحزب، وتلقيهم كل الأطنان الكبيرة عبر البحر من موانئ إيرانية، له تفسيرات عدة تلتقي في إجابة واحدة هي «داعش»... أن لحزب الله أجندته الخاصة حيث كان أفراد الخلية ينتظرون ساعة الصفر لبدء استهداف أمن الكويت وربما نقل تلك الأسلحة إلى دول خليجية أخرى من بينها على وصفه السعودية والبحرين. واعتبر أن الخسائر الكبرى التي مني بها حزب الله والنظام الإيراني في اليمن وسوريا، جعل الأمر يأخذ طابع ردة الفعل على الخليجيين، وخصوصا الكويت التي تعد بوابة الخليج من إيران والعراق، التي يساند عدد منهم إيران و«بذراع مغنية جديد بقيادة حزب الله على الأرض».
وأضاف العجمي أن «إيران عبر قيادتها لحزب الله الذي يشن حربًا بالوكالة في المنطقة، ترى دوما في عناصر وخلايا حزب الله الكويت، دورًا مؤثرًا على بقية الأفراد والخلايا في الخليج»، كاشفا كذلك عن تاريخ الحزب في إمداد عناصر شيعية تتبع لحزب الله في البحرين بالأسلحة والموارد المالية للقيام بهجمات إرهابية واختطاف.
ومن ثم، طالب العجمي دول الخليج، والمجتمع الدولي كذلك، بسرعة التدخل لوقف تدخلات حزب الله وتهديداته للمنطقة وسعيه إلى إشاعة الفوضى، مبينًا أن الوقت الحالي يستدعي مواقف شجاعة وتاريخية بعيدة عن المجاملات من أجل مصلحة استقرار دول المنطقة، والقضاء على العبث الإيراني وأذرعه التي ينفذها حزب الله وجماعة الحوثي.

تاريخ إرهاب حزب الله في الخليج

من ناحية أخرى، فإن فضح السلطات الأمنية في الكويت أدوار حزب الله في الخليج، منذ تأسيسه وحتى اليوم، وإن كانت البحرين هي في الأساس الدولة التي لا تغيب عن خطابات حسن نصر الله، يشير إلى أن هذا الحزب يستهدف أيضًا الكويت والسعودية على وجه التحديد. وفي هذا السياق اعتبر الباحث السياسي الكويتي عبد اللطيف الفرج في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الكويت والسعودية، نظرا للضربات الأمنية المتلاحقة، وعدم وجود بيئة حاضنة تتقبل أعمال حزب الله، تتصديان له، لكنه يتجه كذلك إلى دول خليجية يراها أرضا جيدة، خاصة إذا كثرت بها الاضطرابات، معربا عن أمله أن تتجه منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس الأمن لوضع حد لانتهاكات حزب الله والسلطات الإيرانية لأمن الإقليم، وسعيهما إلى تجنيد خلايا إرهابية في دول المنطقة. وتابع الفرج أن «الكشف الإعلامي عن تلقي الخلية المقبوض عليها للأسلحة والعتاد العسكري الكبير منذ ثلاثة أعوام يفسر حالة التكتيك الحربي الذي يقوم به حزب الله»، معلقا أن الحزب «دون شك يضع تصورات استخدامها بعد أي تغير جيوسياسي في سوريا أو بعد صدور أي قرارات بشأن قضية اغتيال رفيق الحريري».
وأردف الفرج أن «الكويت كانت ولا تزال من أكثر الدول عرضة لأكبر محاولات الإيرانيين ووكيلها حزب الله التخريبية كردة فعل على فشل مشروعهم، بدءا من حرب إيران والعراق، ومحاولة الانتقام من الفشل الذي تكبدته القوات الإيرانية أمام القوات العراقية». واعتبر أن الحزب - ومن خلفه إيران - يشكل اليوم الخطر الأكبر على الخليج لتمرسه في أعمال الحروب الاستراتيجية والتكتيكات الإرهابية، لافتًا إلى الأزمات التي تسبب بها الحزب على لبنان والمنطقة.
ورقات حزب الله في الخليج، كما سبقت الإشارة، بدأت من الكويت منذ العام 1983. وإن اختلفت مسميات الأذرع الإرهابية فإنها تدين جميعها بالولاء لحزب الله الذي يعرف نفسه بأنه «حزب ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة».
في ذلك العام شهدت الكويت حادثتين، الأولى في شهر مايو (أيار) عبر اختطاف طائرة كويتية على متنها أكثر من 500 راكب توجه بها الخاطفون نحو مدينة مشهد الإيرانية. ثم في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) استهدف أفراد خلية تابعة لحزب الله الكويتي، في هجمات متزامنة، كلا من: مطار الكويت ومجمعًا نفطيًا وسفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، ومحطة الكهرباء الرئيسية للعاصمة الكويتية، أسفرت عن سقوط سبعة قتلى وأكثر من 60 جريحا.
ثم في أواخر شهر (مايو) من العام 1985 حاول حزب الله اغتيال أمير الكويت – آنذاك - الشيخ جابر الأحمد الصباح، أثناء توجهه من قصر السيف، وهو قصر الحكم، إلى قصر دسمان مقر سكنه، بواسطة سيارة مفخخة. ويوم ذلك لم يصب الأمير سوى ببعض الكدمات التي نتجت عن تصادم سيارة حراسته الخاصة نتيجة قوة الانفجار بسيارة الإرهابيين، وقتل في الحادثة اثنان من الحرس الخاص. وبعدها بشهر ونصف الشهر استهدف حزب الله مقهيين شعبيين بمدينة الكويت خلفا الانفجاران عشرات القتلى والمصابين.
وفي العام التالي 1986 أحبطت الكويت مسلسل اختطاف الطائرات الكويتية مؤقتا بعد محاولة 16 شخصا اختطاف طائرة كويتية كانت متوجهة إلى إحدى الدول الآسيوية، ولكن شهد شهر أبريل (نيسان) من العام 1988 الحادثة الأبرز لحزب الله عندما قاد عماد مغنية (القيادي الأمني الراحل في الحزب) مجموعة خطفت طائرة «الجابرية» التابعة لشركة الخطوط الجوية الكويتية بعد إقلاعها من مطار بانكوك في تايلاند. ولمدة أسبوعين جابت الطائرة المخطوفة الأجواء العُمانية وهبطت في مدينة مشهد الإيرانية، قبل أن يرفض لبنان هبوطها في بيروت، ومن ثم تتوجه إلى قبرص، ومنها إلى الجزائر حيث أطلق سراح الخاطفين حينها.
حزب الله برّر عملية الاختطاف، التي كانت خلفها إيران، بالمزاعم الإيرانية عن وقوف الكويت مع العراق في حرب الثماني سنوات ضد إيران، مع مطالبات متكررة لحزب الله بإطلاق سراح المتورطين بحوادث تفجير عدد من المنشآت الكويتية التي وقعت في الكويت العام 1983.

استهداف السعودية

أما بما يخص المملكة العربية السعودية، فبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وولادة حزب الله اللبناني، كانت المراجع الدينية الإيرانية في قُم على ارتباط وثيق بتجنيد عدد من الشيعة السعوديين للقيام بعمليات تخريبية على أهداف استراتيجية داخل المملكة. وكانت أولى نتائجه محاولة إثارة القلاقل في موسم الحج في العام 1987 وكلف بها ما يعرف بـ«حزب الله الحجاز» الذي تورط مستفيدًا من الحشد الإيراني الداعم للثورة الإيرانية، وتمكنت حينذاك الأجهزة الأمنية السعودية من تقليل حجم الأضرار رغم أعداد القتلى والمصابين.
وبعد تلك الحادثة بعام واحد استهدفت عناصر «حزب الله الحجاز» مقر شركة «صدف للبتروكيماويات» في المنطقة الشرقية، وهي حادثة اشتد معها الحزم السعودي مما أدى إلى تجفيف منابعه والقضاء على جذوره. ولقد غيرت تلك الحادثة الأمور العمليات التكتيكية كثيرا بترحيل حزب الله لعناصره من الكويت إلى السعودية في العام 1989، والقيام بعمليات تخريبية بالقرب من الحرم المكي، مما دفع السعودية للمواجهة بحزم أكبر، عبر سرعة محاكمة المتورطين وتنفيذ أحكام القضاء الشرعي فيهم حدًا خلال ذات العام.
وفي المقابل، غير حزب الله قواعد لعبته فاستعاض عن الوجود المكاني داخل السعودية بمحاولة استهداف سفارات المملكة في الخارج، من تايلاند إلى تركيا، وكذلك باكستان، والسعي لاغتيال دبلوماسيين سعوديين يعملون في تلك الدول. ثم شهد العام 1996 ما كشفته تقارير أمنية عن تورط أسماء لها صلة بـ«حزب الله الحجاز» ورأسه في لبنان جريمة «تفجير الخبر» الذي أوقع 19 قتيلا، ومئات من الجرحى. وفي مارس (آذار) من العام الماضي، أدرجت السعودية عددا من التيارات المتطرفة إلى لائحة قوائم الإرهاب، ومنها «حزب الله داخل المملكة».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».