حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

الكويت على نار الجغرافيا بين أطماع إيران وسوء حال العراق

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
TT

حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره

كشفت السلطات الأمنية الكويتية عن مؤامرة تفجيرات واسعة النطاق يخطط لها حزب الله اللبناني، التابع لإيران، عبر تهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى شبكة من الخلايا السرية المتعاملة معه، يوضح بصورة ما عادت تقبل الجدل حول الأطماع الإيرانية في منطقة الخليج ككل. ذلك أن ما حدث في الكويت ليس جديدًا على الساحة المحلية بل سبق للكويت أن شهدت عمليات إرهابية كثيرة من قبل نفذها الحزب ومن هم وخلفه.
كذلك فإن مواقف طهران وقيادة الحزب من المملكة العربية معروفة، والمطالبات الإيرانية بالبحرين قديمة وتجدد للابتزاز وتبرير التدخل والتخريب. ولقد ارتفعت هذه الوتيرة أكثر بعدما فضحت «عاصفة الحزم» تخطط طهران لتطويق شبه الجزيرة العربية وصولا إلى اليمن.
بعد تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، خرج حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، في خطابات تلفزيونية معتادة، موجها التحية أداء وكلمة لأمير الكويت والشعب الكويتي ومجلس الأمة ووسائل إعلام كويتية وسنة وشيعة، لأنهم وفق حديثه قدموا نموذجا رائعا في التعاطي مع حادث تفجير المسجد خلال شهر رمضان الماضي. وقال نصر الله يوم ذاك إن «ما حصل في الكويت مشهد إنساني وأخلاقي لا يملك الإنسان إلا أن يضرب له تحية»، وتمنى أن يعمّم التعامل الكويتي على المنطقة.
تلك التحية الإيرانية التي أداها نصر الله لأمير الكويت، كانت مجرد شيء عابر. وهو – أي نصر الله - وإن صفق له عدد يسير من شيعة الكويت، لم تجد تحيته صداها كما كان يتمنى وهو المتعكر المزاج منذ بدء «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى اليمن، وتزايد خسائر أوراق قوته على الميدان في سوريا التي يتورط فيها حشد من مقاتلي حزبه في إبادة الشعب السوري.
الكويت منذ العام 1983 تدفع ثمنًا داميًا باهظًا بفعل ما يعرف بحزب الله الكويتي. ولقد أعاد كشف وزارة الداخلية خلية كويتية ترفع ولاءها لحزب الله اللبناني، ومصادرة كمية كبرى من الأسلحة والمتفجرات في مناطق عدة داخل الكويت تورط حزب الله فيها، إلى الأذهان كل صفحات تاريخ الدماء والأطماع الإيرانية في الكويت.
«الجمهورية الإسلامية الإيرانية» التي تقود من خلف الكواليس حزب الله اللبناني، الذي يعد الذراع الأولى لها في المنطقة، كانت قد اصطدمت بقوة الأمن الكويتي بعد كشف وزارة الداخلية لخلية تجسس إيرانية تنشط في الكويت بمنتصف العام 2010، وأسقطت معها أسماء وقيادات كبرى، حاولت إيران لاحقًا التبرؤ منها، واعتبرت أن القصد من ذلك الإعلان «إثارة الفرقة بين الدول الإسلامية».
ثم بعد تورّط حزب الله في الأزمة السورية، سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إغلاق المنافذ المالية التي كانت ترد له من حوالات من بعض دول الخليج، التي كان يعمل عليها عدد من جامعي التبرعات للحزب. وحينذاك اتفق الخليجيون تحديدا في العام 2013 على «اعتبار حزب الله منظمة إرهابية»، وهو ما تعتبره كذلك دول كثيرة على امتداد العالم في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كشفت الداخلية الكويتية قبل أيام مصادر تهريب تلك الأسلحة والمتفجرات عبر جزيرة إيرانية، يفتح كذلك باب القلق من وجود «الحرس الثوري الإيراني»، خاصة وأن ثمة تقارير صحافية تشير إلى تمركزه في جنوب العراق على بعد كيلومترات من الحدود الكويتية. وهذا أمر يقلق دولة الكويت التي تخشى من تمدد الاضطرابات العراقية وتأثيرها على الداخل الكويتي.
ما كشفته السلطات الكويتية يعيد فتح الملفات عن حزب الله في الخليج، من الكويت إلى المملكة العربية السعودية. ومع محاولاته الحثيثة للتحرك داخل مملكة البحرين وما تكشفه الأجهزة المعنية فيها وفي باقي دول الخليج من القبض على خلايا إيرانية تجسسية أو تنفيذية لأعمال تخريبية يعيد جديًا طرح التساؤلات عن حقيقة ما تريد إيران في المنطقة.

حزب الله وجه لـ«داعش»

المحلل السياسي الكويتي، سالم العجمي قال خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «بالمقارنة مع أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق وخلية حزب الله الكويتي، يظهر تطابق كبير في الأهداف وهو محاولة ضرب التعايش في الكويت بين السنة والشيعة بوصفه المثال الأول في الخليج».
وأوضح العجمي أن الكشف عن خلية حزب الله واعترافات المنتمين لها أنهم تلقوا تدريبات عسكرية في لبنان على يد الحزب، وتلقيهم كل الأطنان الكبيرة عبر البحر من موانئ إيرانية، له تفسيرات عدة تلتقي في إجابة واحدة هي «داعش»... أن لحزب الله أجندته الخاصة حيث كان أفراد الخلية ينتظرون ساعة الصفر لبدء استهداف أمن الكويت وربما نقل تلك الأسلحة إلى دول خليجية أخرى من بينها على وصفه السعودية والبحرين. واعتبر أن الخسائر الكبرى التي مني بها حزب الله والنظام الإيراني في اليمن وسوريا، جعل الأمر يأخذ طابع ردة الفعل على الخليجيين، وخصوصا الكويت التي تعد بوابة الخليج من إيران والعراق، التي يساند عدد منهم إيران و«بذراع مغنية جديد بقيادة حزب الله على الأرض».
وأضاف العجمي أن «إيران عبر قيادتها لحزب الله الذي يشن حربًا بالوكالة في المنطقة، ترى دوما في عناصر وخلايا حزب الله الكويت، دورًا مؤثرًا على بقية الأفراد والخلايا في الخليج»، كاشفا كذلك عن تاريخ الحزب في إمداد عناصر شيعية تتبع لحزب الله في البحرين بالأسلحة والموارد المالية للقيام بهجمات إرهابية واختطاف.
ومن ثم، طالب العجمي دول الخليج، والمجتمع الدولي كذلك، بسرعة التدخل لوقف تدخلات حزب الله وتهديداته للمنطقة وسعيه إلى إشاعة الفوضى، مبينًا أن الوقت الحالي يستدعي مواقف شجاعة وتاريخية بعيدة عن المجاملات من أجل مصلحة استقرار دول المنطقة، والقضاء على العبث الإيراني وأذرعه التي ينفذها حزب الله وجماعة الحوثي.

تاريخ إرهاب حزب الله في الخليج

من ناحية أخرى، فإن فضح السلطات الأمنية في الكويت أدوار حزب الله في الخليج، منذ تأسيسه وحتى اليوم، وإن كانت البحرين هي في الأساس الدولة التي لا تغيب عن خطابات حسن نصر الله، يشير إلى أن هذا الحزب يستهدف أيضًا الكويت والسعودية على وجه التحديد. وفي هذا السياق اعتبر الباحث السياسي الكويتي عبد اللطيف الفرج في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الكويت والسعودية، نظرا للضربات الأمنية المتلاحقة، وعدم وجود بيئة حاضنة تتقبل أعمال حزب الله، تتصديان له، لكنه يتجه كذلك إلى دول خليجية يراها أرضا جيدة، خاصة إذا كثرت بها الاضطرابات، معربا عن أمله أن تتجه منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس الأمن لوضع حد لانتهاكات حزب الله والسلطات الإيرانية لأمن الإقليم، وسعيهما إلى تجنيد خلايا إرهابية في دول المنطقة. وتابع الفرج أن «الكشف الإعلامي عن تلقي الخلية المقبوض عليها للأسلحة والعتاد العسكري الكبير منذ ثلاثة أعوام يفسر حالة التكتيك الحربي الذي يقوم به حزب الله»، معلقا أن الحزب «دون شك يضع تصورات استخدامها بعد أي تغير جيوسياسي في سوريا أو بعد صدور أي قرارات بشأن قضية اغتيال رفيق الحريري».
وأردف الفرج أن «الكويت كانت ولا تزال من أكثر الدول عرضة لأكبر محاولات الإيرانيين ووكيلها حزب الله التخريبية كردة فعل على فشل مشروعهم، بدءا من حرب إيران والعراق، ومحاولة الانتقام من الفشل الذي تكبدته القوات الإيرانية أمام القوات العراقية». واعتبر أن الحزب - ومن خلفه إيران - يشكل اليوم الخطر الأكبر على الخليج لتمرسه في أعمال الحروب الاستراتيجية والتكتيكات الإرهابية، لافتًا إلى الأزمات التي تسبب بها الحزب على لبنان والمنطقة.
ورقات حزب الله في الخليج، كما سبقت الإشارة، بدأت من الكويت منذ العام 1983. وإن اختلفت مسميات الأذرع الإرهابية فإنها تدين جميعها بالولاء لحزب الله الذي يعرف نفسه بأنه «حزب ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة».
في ذلك العام شهدت الكويت حادثتين، الأولى في شهر مايو (أيار) عبر اختطاف طائرة كويتية على متنها أكثر من 500 راكب توجه بها الخاطفون نحو مدينة مشهد الإيرانية. ثم في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) استهدف أفراد خلية تابعة لحزب الله الكويتي، في هجمات متزامنة، كلا من: مطار الكويت ومجمعًا نفطيًا وسفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، ومحطة الكهرباء الرئيسية للعاصمة الكويتية، أسفرت عن سقوط سبعة قتلى وأكثر من 60 جريحا.
ثم في أواخر شهر (مايو) من العام 1985 حاول حزب الله اغتيال أمير الكويت – آنذاك - الشيخ جابر الأحمد الصباح، أثناء توجهه من قصر السيف، وهو قصر الحكم، إلى قصر دسمان مقر سكنه، بواسطة سيارة مفخخة. ويوم ذلك لم يصب الأمير سوى ببعض الكدمات التي نتجت عن تصادم سيارة حراسته الخاصة نتيجة قوة الانفجار بسيارة الإرهابيين، وقتل في الحادثة اثنان من الحرس الخاص. وبعدها بشهر ونصف الشهر استهدف حزب الله مقهيين شعبيين بمدينة الكويت خلفا الانفجاران عشرات القتلى والمصابين.
وفي العام التالي 1986 أحبطت الكويت مسلسل اختطاف الطائرات الكويتية مؤقتا بعد محاولة 16 شخصا اختطاف طائرة كويتية كانت متوجهة إلى إحدى الدول الآسيوية، ولكن شهد شهر أبريل (نيسان) من العام 1988 الحادثة الأبرز لحزب الله عندما قاد عماد مغنية (القيادي الأمني الراحل في الحزب) مجموعة خطفت طائرة «الجابرية» التابعة لشركة الخطوط الجوية الكويتية بعد إقلاعها من مطار بانكوك في تايلاند. ولمدة أسبوعين جابت الطائرة المخطوفة الأجواء العُمانية وهبطت في مدينة مشهد الإيرانية، قبل أن يرفض لبنان هبوطها في بيروت، ومن ثم تتوجه إلى قبرص، ومنها إلى الجزائر حيث أطلق سراح الخاطفين حينها.
حزب الله برّر عملية الاختطاف، التي كانت خلفها إيران، بالمزاعم الإيرانية عن وقوف الكويت مع العراق في حرب الثماني سنوات ضد إيران، مع مطالبات متكررة لحزب الله بإطلاق سراح المتورطين بحوادث تفجير عدد من المنشآت الكويتية التي وقعت في الكويت العام 1983.

استهداف السعودية

أما بما يخص المملكة العربية السعودية، فبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وولادة حزب الله اللبناني، كانت المراجع الدينية الإيرانية في قُم على ارتباط وثيق بتجنيد عدد من الشيعة السعوديين للقيام بعمليات تخريبية على أهداف استراتيجية داخل المملكة. وكانت أولى نتائجه محاولة إثارة القلاقل في موسم الحج في العام 1987 وكلف بها ما يعرف بـ«حزب الله الحجاز» الذي تورط مستفيدًا من الحشد الإيراني الداعم للثورة الإيرانية، وتمكنت حينذاك الأجهزة الأمنية السعودية من تقليل حجم الأضرار رغم أعداد القتلى والمصابين.
وبعد تلك الحادثة بعام واحد استهدفت عناصر «حزب الله الحجاز» مقر شركة «صدف للبتروكيماويات» في المنطقة الشرقية، وهي حادثة اشتد معها الحزم السعودي مما أدى إلى تجفيف منابعه والقضاء على جذوره. ولقد غيرت تلك الحادثة الأمور العمليات التكتيكية كثيرا بترحيل حزب الله لعناصره من الكويت إلى السعودية في العام 1989، والقيام بعمليات تخريبية بالقرب من الحرم المكي، مما دفع السعودية للمواجهة بحزم أكبر، عبر سرعة محاكمة المتورطين وتنفيذ أحكام القضاء الشرعي فيهم حدًا خلال ذات العام.
وفي المقابل، غير حزب الله قواعد لعبته فاستعاض عن الوجود المكاني داخل السعودية بمحاولة استهداف سفارات المملكة في الخارج، من تايلاند إلى تركيا، وكذلك باكستان، والسعي لاغتيال دبلوماسيين سعوديين يعملون في تلك الدول. ثم شهد العام 1996 ما كشفته تقارير أمنية عن تورط أسماء لها صلة بـ«حزب الله الحجاز» ورأسه في لبنان جريمة «تفجير الخبر» الذي أوقع 19 قتيلا، ومئات من الجرحى. وفي مارس (آذار) من العام الماضي، أدرجت السعودية عددا من التيارات المتطرفة إلى لائحة قوائم الإرهاب، ومنها «حزب الله داخل المملكة».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.