«داعش» لا يخطئ في الترجمة

صعود المقاتلين الغربيين بشكل غير مسبوق حوّر السؤال من «لماذا يكرهوننا؟} إلى {كيف جندوا شبابنا؟»

«داعش» لا يخطئ في الترجمة
TT

«داعش» لا يخطئ في الترجمة

«داعش» لا يخطئ في الترجمة

قدرة تنظيم داعش المتطرف على تجنيد الأعضاء باتت هاجسًا للدوائر الأمنية والسياسية في العالم. ومما يقلق هذه الدوائر تطور الخطاب التواصلي الجاذب الذي يستخدمه التنظيم لترويج نفسه وتسويق نشاطه، وتنوعه تبعًا لكل بيئة يستهدفها. وكذلك الإمكانيات التقنية والمالية التي تتيح له الإطلالة على كل البيئات التي يأنس فيها وجود أرضية واعدة لكسب المناصرين والأعضاء، وبين هؤلاء أبناء الجيلين الثاني والثالث في الدول الغربية من الذين يواجهون مشكلات مع الاندماج، أو خاب أملهم بالثقافة الغربية التي يعيشون.
«أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدًا»، ربما هذا ما يتردد في نفوس الكثير من الباحثين الغربيين ومراكز الدراسات المتخصصة في معالجة الإرهاب. إذ بدأ الجميع يغيّر حقيبته المملوءة بـ«الصور النمطية» عن الإرهابي والانتحاري، المكتئب، القليل التعليم، الخارج عن سياقه المجتمعي بسبب مشكلات البطالة والعنف وقبضة السلطة.
لكن مشكلة الإرهاب أنه يتطوّر بشكل متسارع ومذهل يفوق الكثير من حملات محاربته ومناشط مكافحته، فهو إن جاء متأخرا يكون قد ازداد قوة وصلابة ووحشية، وكذلك قدرة على تجاوز كل العقبات الأمنية والعسكرية، وهو ما بات ظاهرة تطفح بها عبارات الحسرة على لسان العائلات التي فقدت ذويها لصالح تنظيم داعش ودون أي مقدمات.
فرنسي عجوز طاعن في السن يبكي شقيقته وابنها اللذين كانا في طريقهما لقضاء إجازة في تركيا إلا أنهما بسبب تأثير خطاب «داعش» الاستقطابي وصلا أخيرًا إلى سوريا. وهو ما يفتح السؤال كيف يغادر شبّان صغار ليس لهم حظ من التديّن في بلدانهم ليعودوا إرهابيين تعرضوا لأقصى أنواع غسيل الدماغي والتغيير المفاهيمي بسبب بيئة التطرف والعنف التي عاشوا فيها؟
كيف وقع هؤلاء فريسة للتجنيد على أساس «الهويّة».. في حين ضاقت بهم هويّاتهم الأصلية التي تتعرّض في كل العالم إلى أزمات خانقة وتحديات كبيرة؟
بول كروكشانك، أحد محللي الإرهاب البارزين - وهو بريطاني مقيم في نيويورك - يذهب إلى أن «داعش» نجح في خلق صورة نمطية سهلة وجاذبة بسبب غفلة الدول المتضرّرة منها بالصراع على القضايا الإقليمية، مما أسهم في انتعاش التنظيم وقدرته على التجنيد، فهم عبر أفلامهم ومنتجاتهم الإعلامية الموجه للغرب يقدمون جانبًا من حياة محافظة وسلهة وبسيطة توحي بالألفة والروح المعنوية العالية، ومظاهر البطولة والتحدي والانتصار كجزء من «احترام الذات» الذي يفتقده الإنسان المعاصر المشغول حتى أخمص قدميه بملاحقة إيقاع الحياة السريع.
ويرى ماثيو أولسن، مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، في هذه الصورة النمطية المريحة أعظم آلة دعاية أنتجتها المنظمات الإرهابية منذ نشأتها، فهي تنجح في جعل الغربيين يتخلّون عن حياتهم الوادعة للسفر إلى مناطق التوتر والدماء المسالة بحثًا عن هدف مختلف أقرب ما يكون إلى محاولة إحداث الفرق في معادلات الموت والحياة والانتماء والشعور بالواجب.
ويؤكد محللو الخطاب الإعلامي الداعشي أن «داعش» أكثر خبرة وأعلى كعبًا على مستوى الإنتاج الإعلامي من كل التجارب السابقة، بل ومن قدرة عدد من الدول التي تحاول كبح جماح دعاية التنظيم المتطرّف على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو لا يهدف فقط إلى تغيير كل المفاهيم بشأن دور الدين في حياة الإنسان أو تداخل العمل السياسي والمسلح مع مفهوم الانتماء للإسلام كدين متسامح، بل على العكس تمامًا، فإن خطابات «داعش» الموجهة لكوادره الغربيين تقوم بإرساء قواعد منهجية لاستقطاب كوادر نوعية مؤهلة على المستوى العسكري والإعلامي. وبالتالي فإنه يكفي لنقل إيمانهم بالتنظيم وولائهم المطلق أن تظهر لقطة فيديو تبدو عفوية يحرق فيها شبّان غربيون تشربوا حياة «داعش» جوازات سفرهم والابتسامة تعلو وجوههم. هذه الصورة التي يراد أن تستقر في الأذهان من شأنها محو كل الصور السلبية التي يكافح التنظيم بشكل عكسي لمحاربتها.
محللون آخرون يرون أن قدرة «داعش» على جذب الآلاف الغربيين على الرغم من انتشار مقاطع «حزّ الرؤوس» وسحل الأجساد في الشوارع، والتفنن في التعذيب مع التقاط صور «السيلفي» (الذاتية) يعني أننا أمام انهيار منظومة قيم أساسية، وأن «داعش» استغل ذلك لتظهر بشكل حازم غير مهادن لأعدائه بأكثر مما يعكسه الواقع الحقيقي على الأرض. هذا الحزم يجعله أيضًا أكثر جاذبية للمقاتلين الأجانب الذين يطمحون في بناء شخصية قتالية مستقلة ومؤثرة، فهؤلاء لا يحضرون لمجرد المشاركة أو الاندفاع العاطفي بقدر محاولة تغيير المعادلات على الأرض.
اللافت في تتبع سياق تجنيد «داعش» للمقاتلين الغربيين هو نوعية أولئك المقاتلين الذين لم يسبق لهم تجارب تديّن أو المرور عبر وساطة إحدى المجموعات المعتدلة أو المراكز الإسلامية التي تعاني من عبء «الإسلاموفوبيا» مع تقلّص دورها في إنتاج شخصيات متدينة قد تتبنى أفكارا راديكالية. وأن مسيرة التطور في شخصية الإرهابي التقليدية من متشدّد فكريًا إلى متعاطف مع العنف إلى ممارس له.. لا مكان لها في سيرة حياة المقاتل الغربي الذي قد لا يكون أمضى وقتًا طويلاً في الإسلام. وغالبهم كما يؤكد الخبير ماثيو غودير في بحثه الذي شمل طلابا في جامعة تولوز الفرنسية ممن انضموا أو تعاطفوا مع «داعش» جلهم من المثاليين المحبطين ومن الثوار المناهضين للرأسمالية والحكومات.
20 ألف مقاتل من الأجانب تأكد التحاقهم بصفوف «داعش» في سوريا والعراق، علما أن هناك تقارير تتحدث عن أرقام أكبر. واللافت في الأمر أن هؤلاء الأجانب ليسوا من المهاجرين، بل من الجيلين الثاني والثالث، ولقد ولدوا في أراضي الغرب وتشربوا مبادئ التعليم والهويّة والثقافة الغربية، لكن فشل الاندماج ومشكلات مجتمعية ضخمة ما كانت عوامل كافية لانتقال هؤلاء إلى مربع «داعش» لولا نجاح خطاب التنظيم في تغيير الهويّة المركبة عندهم وتفتيتها لهويّات صغيرة وبسيطة، وربما ساذجة، في تصورها عن الإسلام. وكما يؤكد بعض القادة المحللين لـ«داعش» في تفسيرهم لهذا التدفق الغربي الهائل في حواره مع الـ«سي إن إن» أنهم فقط يكرهون بلدانهم ويريدون تجربة الفرق، ونحن نمنحهم ذلك.
والحال أن «داعش» لا يخطئ في الترجمة، فهو استفاد جدًا من تاريخ ودعايات الجماعات العنفية غير الإسلامية التي تنشط في الغرب. ولذا يرى كثير من الخبراء أوجه شبه بين تلك التنظيمات المتطرفة غير الدينية وبين تجربة «داعش»، لا سيما فيما يخص خصائص وملامح المقاتلين الأجانب. فهناك ذات الأسلوب والجرأة وقلة الاكتراث ببشاعة الوحشية تشبه إلى حد ما أسلوب «الألوية الحمراء» الإيطالية أو «الجيش الأحمر» - الفصيل الدموي الذي نشط في ألمانيا الغربية - هذا بالإضافة إلى استخدام اليوتيوبيا (أو المثالية) الشيوعية ولكن بمضامين دينية تلائم البيئة الداعشية التي يتم ترويجها للأجانب. إن الموقف من توحّش رأسمالية الغرب كان الدافع الأساس لمخاطبة الجمهور الغربي الحانق، كما يؤكد توماس هيغاهمر، الباحث النرويجي الذي درس الإرهاب المشرقي، ويعود الآن بأدواته المنهجية لمقارنته بالإرهاب الغربي.
وتشير التقارير إلى أن جزءًا كبيرًا من مقاتلي «داعش» من الغربيين الذين ليس لديهم أي أصول عربية أو إسلامية هم متحولون من المسيحية، وهؤلاء يشكلون نسبة لا بأس بها من مجموعات المقاتلين الآتين من دول أوروبية، تقف على رأسها فرنسا التي تحتل المركز الأول في تصدير المقاتلين لـ«داعش».
نسبة المتحولين، مثل السيد إمدي، لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الجاليات المسلمة في أوروبا، وهم يشكلون نحو ربع المقاتلين الأجانب من فرنسا. وبإزاء المتحولين دينيًا هناك المتحولون على مستوى الاهتمامات، إذ نلحظ ظاهرة «مغني الراب» وممارسي الرياضات العنيفة، إضافة إلى شخصيات ناجحة وظيفيًا في مجالات الإعلام الجديد وصناعة الترفيه. كل هذه المجالات يترك «داعشيوها» عالمها المليء بالألوان ليختاروا الانغماس بلون الدم هربًا من لسعات الروح القلقة الباحثة عن المختلف..كنوع من اضطراب قضايا الهويّة والانتماء التي يشكو منها إنسان اليوم.
ولكن، «داعش» بدوره يزيد من جرعات الإحساس بالعدمية والنقمة على الرأسمالية المتوحشة في خطابه باللغات الأجنبية. فالمستمع لا يجد هنا أي حديث عن «الحور العين» أو «الخلافة المسلوبة» بل يجري استثمار الغضب العام في الأوساط الغربية من إيقاع الحياة عبر الحديث عن «عبودية الوظيفة» و«الرأسمالية المتوحشة» و«الغرب المعادي للإنسان» و«العودة إلى الجذور».. إلخ.
ثم إن الخطاب المكتوب عادة ما يشفعه إعلام مرئي ذو جودة عالية تلائم الشباب الباحث عن المغامرة في الحياة وما أكثرهم. وهم كما يقول أحد المقاتلين «يريدون فعل شيء استثنائيا ومختلفا ومغامرا». وهو ما يتجلى في دعايات «داعش» على شبكات التواصل الاجتماعي التي تعتبر ملعب التنظيم الأول، إذ توجد أفلام مترجمة إلى كل اللغات الحيّة وأناشيد بلغات نادرة أو خاصة بفئة معينة، ولعل أنشودة «تعال لنا يا صديقي» باللغة الأويغورية التي تنتشر في غرب الصين (إقليم سنكيانغ، أو تركستان الشرقية) دليل على النهم الداعشي لابتلاع أكبر قدر من المجندين الأجانب من كل مكان، وهي جهود تنوء بحملها الكثير من الجماعات الإسلامية المعتدلة أو المتشددة. كما أن هذا يطرح السؤال عن البديل في ظل هذا التضخم الداعشي على مستوى المنتجات والخطاب، وإن كان تراجعهم ملموسًا على مستوى مناطق التوتر المحرّرة حيث بدأ يضيق الخناق على التنظيم.
إن المنتجات الإعلامية الداعشية مخدومة على مستوى الانتشار والحماية، فهناك العشرات من «المواقع الصديقة» التي تقدم مواد «داعش» مجانًا بصيغ مختلفة وبلغات كثيرة، منها الحيّة ومنها اللغات المحلية لشعوب الهند وشرق آسيا والصين، وصولاً إلى دول أفريقية كثيرة صارت تعاني من تمدد دعاية التنظيم.
الأكاديمية الوطنية للعلوم ومقرها في الولايات المتحدة (PNAS) قامت بصكّ مصطلح للتعبير عن تمدد «داعش» والجماعات الإرهابية بفضل منتجات إعلامية صغيرة وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي هو «فيتموريسك femtorisk». المصطلح يعني تضخم ظواهر صغيرة عددًا وعدة على ممارسة تأثير ضخم وكبير في العالم، وهو ما حصل للتنظيم بعدما عاد إلى الأضواء في خضم الدعاية ضده وضد وحشيته ليحصد الآلاف من الأنصار. وهو هنا يعتبر خيارًا مثاليًا لتمدّد التأثير المعنوي مع محدودية القوة العددية. إنه بالضبط، كما يقول خبير إعلامي مهتم بظاهرة الإعلام التحريضي، إن «تستطيع جماعة ما الحضور الإعلامي المكثف وتصدر شاشات التلفزيون والأخبار، أي ألا تمر 24 ساعة دون أن يمر ذكر (داعش)، هذا هو النجاح الإعلامي بغض النظر عن التقدم على الأرض».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».