إجراءات أميركية تعزيزاً لـ«الابتكار المسؤول» في الذكاء الصناعي

هاريس تجتمع مع رؤساء شركات التكنولوجيا وتعلن خطوات لحماية الأفراد

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (أ.ف.ب)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (أ.ف.ب)
TT

إجراءات أميركية تعزيزاً لـ«الابتكار المسؤول» في الذكاء الصناعي

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (أ.ف.ب)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (أ.ف.ب)

اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس إجراءات جديدة لتعزيز الابتكار المسؤول في الذكاء الصناعي وحماية حقوق الأميركيين وسلامتهم، معلنة تخصيص 140 مليون دولار إضافية للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة قبيل اجتماع عقدته نائبة الرئيس كامالا هاريس مع الرؤساء التنفيذيين لشركات «غوغل» و«مايكروسوفت» و«آنثروبيك» و«أوبن إيه آي».
ويأتي الاجتماع مع الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا بعدما حذر الرئيس بايدن هذه الشركات من أنها تتحمل مسؤولية التأكد من أن منتجات الذكاء الصناعي آمنة قبل إطلاقها. وكررت هاريس هذه الرسالة أمام الحاضرين، معلنة استثماراً جديداً في الذكاء الصناعي «الجدير بالثقة» جنباً إلى جنب مع الالتزامات الطوعية من شركات التكنولوجيا الكبرى للمشاركة في تقييم عام لأنظمة الذكاء الصناعي الخاصة بها في مؤتمر الأمن السيبراني المقبل، علما بأن مكتب الإدارة والميزانية سيصدر أيضاً مسودة إرشادات حول الطرق التي يجب أن تستخدم بها الوكالات الفيدرالية أنظمة الذكاء الصناعي.
ويتعامل صانعو السياسة في واشنطن بشكل متزايد مع التهديدات والمخاطر التي يشكلها الذكاء الصناعي، لا سيما بعدما أدى نجاح «تشات جي بي تي» إلى طفرة تكنولوجية. وأحدث الذكاء الصناعي موجات من القلق، بينما يتصارع صانعو السياسات والمنظمون حول كيفية معالجة هذه المخاوف، ولا سيما ما يتعلق بمخاطر المعلومات المضللة والاحتيال وجمع البيانات.
وحذر مسؤول رفيع في إدارة بايدن طلب عدم نشر اسمه من «مجموعة واسعة من المخاطر التي يجب التعامل معها»، التي يمكن أن تؤثر على المؤسسات الديمقراطية ووظائف الأميركيين والحقوق المدنية. وقال إنه «مع وصول أدوات جديدة إلى السوق، أصبحت الفرص غير العادية التي يقدمها الذكاء الصناعي أكثر تركيزاً»، مضيفاً: «ولكن كما هو الحال مع كل التقنيات، نعلم أن هناك بعض المخاطر الجسيمة».
ورغم أن مبلغ 140 مليونا مجرد جزء بسيط من المليارات التي تضخها شركات القطاع الخاص لتطوير التكنولوجيا، ومنها «مايكروسوفت» التي استثمرت بنحو عشرة مليارات دولار في «أوبن إيه آي»، لكنه سيساعد الاستثمار الحكومي الجديد في زيادة عدد معاهد أبحاث الذكاء الصناعي الوطنية، التي تركز على التطوير في مجالات تراوح من الصحة العامة إلى الأمن السيبراني، في وقت يسعى فيه صناع السياسات بشكل متزايد إلى مواكبة السباق الجديد للذكاء الصناعي بين شركات التكنولوجيا الكبرى.
وستستثمر المؤسسة الوطنية للعلوم التمويل الجديد لإطلاق سبعة معاهد بحثية وطنية جديدة للذكاء الصناعي، ليصل العدد الإجمالي لهذه المعاهد إلى 25 في الولايات المتحدة.
وبينما أوضحت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان الأربعاء الطرق التي يمكن أن تنظمها اللجنة للذكاء الصناعي، التقى زعيم الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر مالك «تويتر» الرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا» إيلون ماسك لمناقشة اقتراحه بشأن تشريع الذكاء الصناعي، الذي لم يصدر بعد.
وفي الوقت ذاته، يمضي الاتحاد الأوروبي في خططه لتنظيم التعامل بنظام «تشات جي بي تي» والأشكال الأخرى من الذكاء الصناعي التوليدي. وأكد المسؤول الأميركي الكبير أن إدارة بايدن تعمل مع نظرائها الأوروبيين على تطوير مثل هذا التنظيم. وقال إن «هذه تكنولوجيا قوية للغاية وأعتقد أنها بالنسبة للعاملين الفيدراليين على وجه الخصوص، فرصة لإظهار كيف يمكن أن تكون خدمة الجمهور مكاناً للقيادة في استخدام الذكاء الصناعي بحكمة ومسؤولية».
وأضاف: «ستتطلب الآثار الواسعة لهذا الجيل الجديد من الذكاء الصناعي سلوكاً مسؤولاً من كل الأطراف»، موضحاً أنه «ستكون هناك أشياء نقوم بها وسنواصل القيام بها في الحكومة لكننا نعتقد أن هذه الشركات لديها مسؤولية مهمة»، في إشارة إلى الجهود لتوفير المعلومات للباحثين والجمهور حول نماذج الذكاء الصناعي ومعرفة كيفية توافق النماذج مع المبادئ في مخطط الإدارة الخاص بمشروع قانون الذكاء الصناعي، الذي أصدرته مؤخراً للتخفيف من أضرار الأنظمة الآلية.
وعند سؤاله عما إذا كانت هناك حاجة أيضاً إلى وضع معايير دولية تطبيقية للذكاء الصناعي، قال أحد المسؤولين الكبار: «نحتاج إلى اتخاذ خطوة واحدة في كل مرة»، مضيفاً أنها «تكنولوجيا عالمية وسيكون التعاون مع الشركاء الأوروبيين أمراً ضرورياً».
إلى ذلك، قدمت النائبة الديمقراطية إيفيت كلارك مشروع قانون يطلب من الجماعات السياسية أو الحملات الكشف عن استخدام المحتوى الذي أنشأه الذكاء الصناعي في الإعلانات السياسية. ويأتي ذلك عقب إطلاق اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري أول إعلان لها مع محتوى أنشئ بواسطة الذكاء الصناعي بعد إعلان عرض إعادة انتخاب بايدن الأسبوع الماضي.
وفي هذا الأسبوع أيضاً، تعهدت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان بأن تكون الوكالة يقظة في مراقبة الاستخدامات «غير العادلة أو المخادعة» للذكاء الصناعي الذي يتم نشره.


مقالات ذات صلة

«إنفيديا جيفورس آر تي إكس 50»... قفزة ثورية في عالم الرسومات

تكنولوجيا جانسين هوانغ الرئيسي التنفيذي لـ«إنفيديا» لدى الإعلان عن وحدات الرسومات الثورية الجديدة

«إنفيديا جيفورس آر تي إكس 50»... قفزة ثورية في عالم الرسومات

بتقنيات فائقة للإضاءة والرسم وتطوير الصوتيات والفيديو

خلدون غسان سعيد (جدة)
علوم 5 اتجاهات في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لعام 2025

5 اتجاهات في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لعام 2025

قادة الأعمال سيعانون مشاكل حول الوعود بتطويره والتهويل الدعائي

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الزوار يلتقطون صوراً لروبوت «كابتشا» خلال قمة «الذكاء الاصطناعي من أجل الخير» في جنيف (رويترز)

تقرير «مستقبل الوظائف 2025»... 78 مليون فرصة عمل جديدة بحلول 2030

كشف تقرير «مستقبل الوظائف 2025» الذي نشره «المنتدى الاقتصادي العالمي» أن الاضطراب سيصيب 22 % من الوظائف بحلول عام 2030 و170 مليون وظيفة جديدة ستخلق

«الشرق الأوسط» (جنيف)
علوم الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

نجح الذكاء الاصطناعي في تصنيع محرك صاروخي متطور بالطباعة التجسيمية.

جيسوس دياز (واشنطن)
تكنولوجيا شمس الدين جبار يصور نفسه في المرآة بنظارات «ميتا» قبل هجوم نيو أورليانز (أ.ف.ب)

منفذ هجوم نيو أورليانز استخدمها... ماذا نعرف عن نظارات «ميتا»؟

استخدم المهاجم الذي قاد شاحنة عبر شارع بوربون في مدينة نيو أورليانز الأميركية في يوم رأس السنة الجديدة نظارات «ميتا» الذكية لاستطلاع المشهد قبل أسابيع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟