مواقع التواصل «ساحة حرب معنوية» في الأزمة السودانية

دخان معارك السودان (غيتي)
دخان معارك السودان (غيتي)
TT

مواقع التواصل «ساحة حرب معنوية» في الأزمة السودانية

دخان معارك السودان (غيتي)
دخان معارك السودان (غيتي)

لم تعد الأسلحة التقليدية من مدافع ودبابات وطائرات، الوسيلة الوحيدة الفاعلة في أرض المعركة، بل باتت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لحرب معنوية تشتعل بالتوازي مع معارك الميدان. وفي الحرب الدائرة حالياً في السودان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، برز دور مواقع التواصل الاجتماعي كأداة لكسب تأييد الرأي العام، أو نشر التضليل والأخبار المزيفة، بحسب خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط».
المعارك الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي رصدها مركز «بيم ريبورتس»، المتخصص في التحقيق بتدفق المعلومات المضللة في السودان، الذي أشار في تقرير نشره بالتزامن مع اندلاع المعارك في السودان، منتصف أبريل (نيسان) 2023، إلى «إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من المعلومات المضللة من جانب طرفي الصراع».
ويتحدث شوقي عبد العظيم، الصحافي والمحلل السياسي، رئيس تحرير موقع «استقصائي» السوداني، إلى «الشرق الأوسط» عما وصفه بـ«الاستخدام الكثيف لمقاطع الفيديو، والتصريحات المصورة في الحرب الإعلامية بين طرفي الصراع على مواقع التواصل الاجتماعي». ويضيف: «وسائل التواصل الاجتماعي باتت سلاحاً مهماً في الحرب المعنوية الافتراضية الدائرة بالتوازي مع المعارك على الأرض». ويوضح الصحافي السوداني أن «كل طرف يسعى من خلال مقاطع فيديو أو عبر نشر الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي إلى كسب تأييد الشارع السوداني، وتكوين حاضنة اجتماعية لقراراته وخطواته العسكرية على الأرض... والجميع يحاول جعل روايته هي السائدة، حتى إن اعتمد على معلومات وأخبار زائفة ومضللة». وهنا يشير إلى وجود كثير من المعلومات غير الدقيقة الجاري الترويج لها عبر حسابات رسمية أو محسوبة على طرفي الصراع في السودان، بهدف كسب الحرب معنوياً.
عبد العظيم يتابع قائلاً: «هناك حالة من الجدل الإلكتروني الافتراضي، وأخبار ومقاطع فيديو عن انتصارات في معارك وهمية وغير حقيقية يروّج لها من قبل جيش إلكتروني يبث معلومات متضاربة تخدم الطرف الذي يعمل لحسابه، بهدف حشد الرأي العام». إلا أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الصراع السوداني ليس جديداً. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أعلنت شركة «ميتا» («فيسبوك» سابقاً) إغلاقها شبكتين كبيرتين تستهدفان مستخدمين لمنصتها في السودان: الأولى تضم حسابات مزيّفة مرتبطة بـ«قوات الدعم السريع»، والثانية لأشخاص قال باحثون إن الحكومة المدنية استعانت بهم، وإنهم من مؤيدي الرئيس السابق عمر البشير. كذلك أشار موقع «فيسبوك» إلى أنه جرى «حذف شبكة تضم نحو ألف حساب خلال أكتوبر، لديها 1.1 مليون متابع، ويديرها أشخاص على صلة بقوات الدعم السريع».
وفعلاً، رصد مختبر «دي إف آر لاب» للتدقيق الرقمي الأميركي، تلاعب «قوات الدعم السريع» بمواقع التواصل الاجتماعي. وأفاد في تقرير نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، بأن «قوات الدعم السريع استخدمت، منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما لا يقل عن 900 حساب على (تويتر)، يُحتمل أنها مقرصنة لتضخيم شعبية قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)». وحسب الوكالة، فإن «قوات الدعم السريع وقّعت في مايو (أيار) 2019 عقداً بقيمة 6 ملايين دولار أميركي مع شركة (ديكنز آند مادسون) للعلاقات العامة والاستشارات في مدينة مونتريال الكندية، بهدف تنظيم حملات ضغط (لوبي) مع قادة عدة دول ومنظمات عالمية».
محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه «منذ بداية المواجهات في السودان، لوحظ نشاط على منصات التواصل الاجتماعي لقوات الدعم السريع بشكل يبدو ممنهجاً، ما دفع إلى الطرف الآخر - وهو الجيش السوادني - إلى التفاعل عبر حساباته، فيما يشبه الحرب الافتراضية التي جعلت من مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لها». وأردف فتحي: «مع تطور الأمر، لجأ الطرفان إلى بث أخبار متضاربة ومتناقضة، لدرجة نشر الكلام وعكسه، وكل من الطرفين يلقي بتهمة التضليل على الآخر». ولفت إلى «بث كل من قوات الدعم السريع والجيش مقاطع فيديو لا تعود أصلاً للحرب داخل السودان، بجانب معلومات مضللة للإيهام بالسيطرة على الأرض ميدانياً». وحقاً، تداولت حسابات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تتحدث عن شنّ الجيش هجمات جوية على مقرات قوات الدعم السريع، اتضح فيما بعد أنها لقطات من اليمن وليبيا، بل إن بعضها كان جزءاً من ألعاب فيديو.
وتزداد خطورة الأمر مع انعدام وجود مصادر حية لتدقيق المعلومات، بحسب فتحي، الذي يضيف أنه «في ظل التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها مصدراً أساسياً للمعلومات عن الحرب، لا سيما مع صعوبة التحقق من المعطيات الميدانية جراء خطر التنقّل، بات التدقيق في المعلومات أمراً غير يسير على القارئ العادي، الأمر الذي دفع نحو تصديق المعلومات المتاحة من كلا الطرفين».
ويؤكد محمد فتحي أن «النمط الخاص بالنشر الكثيف، واستخدامات حسابات حديثة ووهمية لأحد طرفي الصراع في السودان، والترجمة الدقيقة للبيانات، كلها أشياء تؤشر إلى عمل ممنهج لخلق صورة وهمية وحالة غير موجودة على الأرض ضمن حملة إعلامية ممنهجة ومدروسة من قبل محترفين». ويستطرد موضحاً أن «التضليل واستخدام الحسابات المزيفة مسألة ليست بجديدة في السودان، إذ رصدت شركات الأبحاث في السابق استخدامها من قبل عام 2019 عقب الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير». وبالفعل، يبدو أن المعركة الإعلامية محتدمة بين طرفي الصراع، وإن كان خبراء يرجّحون أن يكون لقوات الدعم السريع «الأفضلية»، خصوصاً مع استخدامها حسابات متعددة تبث نشرات بلغة إنجليزية متقنة، تتكلم عن «دفاع حميدتي عن الديمقراطية، ضد من يصفهم بالجماعات المتطرّفة». وللعلم، فإن مركز «بيم ريبورتس» ذكر أن «الجيش السوداني استخدم حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت بالكاد ناشطة قبل المعارك، وتعمل هذه الحسابات على نشر بيانات هي أقرب ما يكون للدعاية».
في الواقع، على المستوى العالمي، غدت مواقع التواصل الاجتماعي سلاحاً فاعلاً في الحروب. ومع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة لدرجة أنه أطلق على الحرب أنها «أول حرب على تيك توك»، وبالذات مع انتشار مقاطع الفيديو القصيرة التي تنقل الصورة من أرض المعركة، فيما وصف من جانب مراقبين في حينه بأنه «أحد الأسلحة المهمة في الحرب». وقبلها اعتبرت مجلة «تايم» الأميركية حرب القوات الكردية والعراقية ضد تنظيم «داعش»، أنها «أول حرب على فيسبوك». وكانت منصة «تيك توك» قد استخدمت بكثافة في الصراعات الدائرة في ليبيا وسوريا، وفي نقل القصف الإسرائيلي لغزة العام الماضي، إبان ما عرف في حينه بـ«انتفاضة تيك توك».
وقد أشار تقرير نشرته مجلة «نيويوركر» الأميركية، إبان بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، إلى أن «وسائل التواصل الاجتماعي تشكل الآن الطريقة التي يوثّق بها الناس الحرب، فيما يبدو نوعاً جديداً من صحافة المواطن». وتحدث التقرير عن «أهمية مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة لنقل المعلومات، خصوصاً عندما تضطر المؤسسات الإعلامية لسحب مراسليها من ميادين الحرب حفاظاً على حياتهم».


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».