نظم الذكاء الصناعي «الحساسة»... تحديات تواجه البشرية

حوار مع مدير «معهد مستقبل البشرية» في جامعة أكسفورد

نظم الذكاء الصناعي «الحساسة»... تحديات تواجه البشرية
TT

نظم الذكاء الصناعي «الحساسة»... تحديات تواجه البشرية

نظم الذكاء الصناعي «الحساسة»... تحديات تواجه البشرية

يكرّر الخبراء وبصوتٍ عالٍ: الذكاء الصناعي لا يشعر. إلا إن بوتات (نسبة إلى بوت (bot) وهو تطبيق أو برنامج إنترنتي للمحادثة الذكية مع الزبائن في المواقع الإلكترونية - تمييزاً عن الروبوت وهو جهاز آلي ذكي)، أو برامج المحادثة الذكية، أثارت كثيراً من الضجيج في الأشهر الأخيرة، وتسبب حدثان مستجدّان على الأقلّ في زرع فكرة «البوتات» الواعية والحسّاسة في مخيّلتنا.

تطبيقات ذكية واعية

كان أحد موظفي شركة «غوغل» أثار العام الماضي بعض المخاوف عندما تحدّث عمّا سماه دليلاً على وجود الإحساس لدى الذكاء الصناعي. بعدها، في فبراير (شباط)، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي محادثة بين «روبوت المحادثة» الخاص بـ«مايكروسوفت» وزميلي كيفن روز عن الحبّ ورغبة الأوّل في التحوّل إلى كائن بشري، مما أثار هلع النّاس.
في المقابل، يذكّر الخبراء والصحافيون النّاس بشكلٍ متكرّر بأنّ بوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الصناعي ليست واعية، وبأنّها حتى لو بدت بشرية بدرجة مريبة، فهذا الأمر يعود إلى تعلّمها كيف تشبه البشر... من كميات هائلة من النصوص الإلكترونية التي تشمل كلّ شيء؛ من مدوّنات الطعام إلى منشورات «فيسبوك» وصفحات «ويكيبيديا».
يوافق قادّة الصناعة على هذا التقييم حتّى الآن في الأقلّ، ولكنّ كثيرين يصرّون على أنّ الذكاء الصناعي سيصبح يوماً ما قادراً على عمل أي شيء يستطيع الدماغ البشري فعله.
يتحضّر نيك بوستروم (Nick Bostrom)، الفيلسوف ومدير «معهد مستقبل البشرية» في جامعة أكسفورد ومعدّ كتاب «الذكاء الخارق»، منذ عقودٍ لهذا اليوم. يعكف بوستروم على تخيّل المستقبل، ويحدّد المخاطر، ويضع أسساً متخيّلة لكيفية التعامل معها، ويتركّز اهتمامه الأكبر على كيفية إدارة عالم مليءٍ بالعقول الرقمية خارقة الذكاء.

نيك بوستروم

حوار علمي

تحدّثنا مع بوستروم عن احتمال تمتّع الذكاء الصناعي بالأحاسيس وكيف يمكن لهذا الأمر أن يعيد تشكيل افتراضاتنا الأساسية حول أنفسنا ومجتمعاتنا.
س: يصرّ كثير من الخبراء على أنّ بوتات المحادثة «ليست حسّاسة» و«لا واعية»، مستخدمين هذين التعبيرين اللذين يصفان الوعي بالعالم المحيط بنا. هل توافق على التقييم الذي يصف البوتات بالمُدخلات التي يُعاد إخراجها؟
ج: الوعي حالة فضفاضة ومعقّدة، متعدّدة الأبعاد، ويصعب تحديدها أو تعريفها. طوّر علماء أعصاب وفلاسفة فرضيات عدّة عن الوعي على مرّ السنوات، ولكن لا يوجد بعدُ توافق على واحدة منها. يمكن للباحثين مثلاً أن يحاولوا تطبيق هذه الفرضيات المختلفة لاختبار حسيّة أنظمة الذكاء الصناعي.
ولكنّني شخصياً أرى أنّ الإحساس مسألة متدرّجة، وكنتُ أودّ لو أستطيع أن أنسب درجة طفيفة من الإحساس لمجموعة واسعة من الأنظمة كالحيوانات. وإذا كان النّاس مستعدّين للاعتراف بأن مسألة الإحساس ليست «كلّ شيء أو لا شيء»، فعندها لن نبالغ إذا قلنا إنّ بعض هذه البوتات أو الأنظمة قد تملك بعض درجات الإحساس.
في البداية، في مسألة النماذج اللغوية الكبيرة، أعتقد أنّه ليس من الإنصاف أن نصفها بالنصوص المدخلة والمُعاد إخراجها؛ لأنّها ببساطة تُظهر ملامح لافتة من الإبداع والتفكير والفهم، حتّى إنّها قد توحي بمستويات بدائية من المنطق. قريباً، قد تطوّر هذه الأنواع من الذكاء الصناعي مفهوماً ثابتاً للذات، وتبدي مراعاة لبعض الرغبات، وتتفاعل مع المجتمع، وتبني علاقات مع البشر.

أحاسيس الذكاء الصناعي

س: ما الذي قد يحدث إذا أصرّ الذكاء الصناعي، ولو قليلاً، على أن يكون حساساً؟
ج: إذا أظهر الذكاء الصناعي نوعاً من الإحساس، إذن فسيكون لديه أيضاً مستوى معيّناً من الأخلاق، مما يعني أنه سيكون من الخطأ التعامل معه بأساليب معيّنة تشبه ركل أحدهم كلباً، أو إجراء الجرّاحين عملية جراحية على فأر من دون تخديره.
تعتمد التداعيات الأخلاقية على نوع ودرجة الأخلاق التي نتحدّث عنها. في الحدّ الأدنى منها، قد يعني الأمر ألا نتسبب له في الألم والمعاناة، وفي الحدّ الأقصى، قد يعني أن نراعي تفضيلاته وأن نحصل على موافقته قبل القيام ببعض الأمور. أعمل في مسألة أخلاقيات العقول الرقمية وأحاول تخيّل عالم مستقبلي توجد فيه عقول بشرية ورقمية من جميع الأنواع ودرجات التعقيد، ودائماً ما أتساءل: كيف نتعايش بطريقة منسجمة؟ الأمر صعب بسبب الافتراضات الكثيرة في الحالة البشرية والتي تحتاج إلى إعادة تفكير.
س: ما بعض هذه الافتراضات التي تحتاج لإعادة تخيّل أو تطوير لاستيعاب البشرية الذكاء الصناعي؟
ج: إليكم 3 جوانب؛ أولاً: البشر إمّا أحياء وإما أموات، بينما تختلف الحال مع العقول الرقمية؛ لأنّها قابلة للتوقيف المؤقّت وإعادة التشغيل لاحقاً.
ثانياً: الفردانية: عند البشر، الاختلاف موجود حتّى بين التوائم المتطابقة، في حين أنّ العقول الرقمية يمكن أن تكون نسخاً متطابقة.
ثالثُا: حاجتنا للعمل: الأعمال التي تحتاج البشر لإتمامها كثيرة في يومنا هذا، الأمر الذي قد ينتفي في حال تحقيق الأتمتة التامّة.
س: هل يمكنكم إعطاء مثال على كيف يمكن لهذه الافتراضات أن تختبرنا، أي تخضعنا للاختبار، على المستوى الاجتماعي؟
ج: مثالٌ واضحٌ آخر هو الديمقراطية؛ ففي الدول الديمقراطية، نتفاخر بأنّنا نعيش في ظلّ حكومة تضمن حريّة التعبير للجميع، ويكون الأمر عادة بصوتٍ واحد لشخصٍ واحد. فكّروا مثلاً في مستقبل تكون فيه العقول مطابقة للعقول البشرية باستثناء أنّها منفّذة على جهاز كومبيوتر. كيف يمكن توسيع الحوكمة الديمقراطية لتشملها؟ ربّما يمكننا إعطاء صوت واحد لكلّ ذكاء صناعي، ومن ثمّ صوت واحد لكلّ إنسان، ولكنّ الأمر ليس بهذه السهولة؛ إذ ما الذي قد يحدث إذا كان البرنامج الرقمي قابلاً للنسخ؟
قبل يومٍ من الانتخابات، يمكن صناعة 10 آلاف نسخة من ذكاء صناعي معيّن والحصول على 10 آلاف صوتٍ إضافي؛ أو ما الذي قد يحدث إذا كان مطوّرو الذكاء الصناعي يستطيعون اختيار القيم والتفضيلات السياسية لهذا الذكاء؟ وإذا كنتم من أصحاب الثروات، فيمكنكم بناء كثير من مشروعات الذكاء الصناعي للحصول على تأثير يوازي حجم ثروتكم.

مخاطر على البشرية

س: عمد أكثر من ألف قائد وباحث من صناعة التقنية، ومنهم إيلون ماسك، أخيراً إلى توجيه رسالة تحذّر من التطوير غير المراقب للذكاء الصناعي؛ لأنّه «يرتّب مخاطر كبيرة على المجتمع والإنسانية». ما مدى مصداقية التهديد الوجودي للذكاء الصناعي؟
ج: لطالما اعتقدتُ أنّ الانتقال إلى تفوّق الذكاء الآلي سيكون مصحوباً بمخاطر كبيرة وبعضها وجودي، وهذا الأمر لم يتغيّر، وأعتقد أيضاً أنّ المدة التي تفصلنا عن هذه المرحلة باتت أقصر من الماضي. يجدر بنا اليوم أن نحضّر أنفسنا لهذا التحدّي. مهّدت العقود الثلاثة الماضية لهذا الأمر، ولكنّنا للأسف كنّا نعيش حالة من الاسترخاء والاكتفاء بمشاهدة ما يحدث بدل التفكير في ما يجب علينا فعله في مجال أخلاقيات وحوكمة الذكاء الخارق المحتمل، وهذا الوقت الضائع لن يعود أبداً.
س: هل يمكنكم التوسّع أكثر في الحديث عن هذه التحديات؟ ما المسائل الأكثر إلحاحاً التي يجب أن يفكّر فيها الباحثون، وصناعة التقنية، وصانعو السياسات؟
ج: أولاً: يجب أن نفكّر في الاصطفاف. كيف نضمن أنّ أنظمة الذكاء الصناعي ذات القدرات المتزايدة التي نبنيها تسير في الاتجاه نفسه الذي يريد مطوّروها أن تسير فيه؟ إنها مشكلة تقنية. وتوجد أيضاً مشكلة الحوكمة. لعلّ المسألة الأهمّ بالنسبة لي هي محاولة مقاربة هذا الأمر بطريقة تعاونية؛ لأنّ الأمر أكبر من أي أحد منّا، أو أي شركة، أو حتّى أي دولة.
ويجب أيضاً أن نتجنّب تصميم نظم ذكاء صناعي يصعّب على الباحثين تحديد ما إذا كانت فعلاً تملك درجة من الأخلاق، كتدريبها مثلاً على رفض فكرة أنّها واعية أو أنّها تملك أخلاقاً في الأساس. صحيحٌ أنّنا لا نستطيع الحكم على المخرجات الشفهية الصادرة عن أنظمة الذكاء الصناعي اليوم، ولكنّنا يجب أن نبحث دائماً - دون محاولة القمع أو الإلغاء - عن إشارات واضحة على أنّ هذه الأنظمة نمّت فعلاً درجة من الإحساس أو الأخلاق.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

المدير التنفيذي لـ«سيسكو» السعودية: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

الاقتصاد المدير التنفيذي لشركة «سيسكو السعودية» سلمان فقيه (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:37

المدير التنفيذي لـ«سيسكو» السعودية: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

في ظل ما يشهده قطاع التقنية السعودي من تطور، حقَّقت «سيسكو» أداءً قوياً ومتسقاً مع الفرص المتاحة وقرَّرت مواصلة استثماراتها لدعم جهود السعودية في التحول الرقمي.

زينب علي (الرياض)
عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.