دول تخرق القانون الدولي بصادرات من النفايات البلاستيكية

حاوية محملة بالنفايات البلاستيكية في أحد مرافئ جاكرتا بإندونيسيا (أ.ب)
حاوية محملة بالنفايات البلاستيكية في أحد مرافئ جاكرتا بإندونيسيا (أ.ب)
TT

دول تخرق القانون الدولي بصادرات من النفايات البلاستيكية

حاوية محملة بالنفايات البلاستيكية في أحد مرافئ جاكرتا بإندونيسيا (أ.ب)
حاوية محملة بالنفايات البلاستيكية في أحد مرافئ جاكرتا بإندونيسيا (أ.ب)

خلصت دراسات مستقلة لبيانات الأمم المتحدة بشأن تجارة النفايات إلى حصول انتهاكات للقانون الدولي، من خلال قيام عدد من الدول المتقدمة بتصدير نفايات بلاستيكية إلى دول الجنوب، في مخالفة للتعديلات الأخيرة لاتفاقية بازل حول التحكُّم في نقل النفايات الخطرة والتخلُّص منها عبر الحدود.
وتشير الدراسات، التي أعدّتها الشبكة الدولية للقضاء على الملوِّثات (IPEN) وشبكة عمل بازل غير الربحية (BAN)، إلى أن دولاً، بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا وكندا، استمرت في تصدير كميات كبيرة من النفايات البلاستيكية، تحت ستار إعادة التدوير، إلى بلدان نامية مثل إندونيسيا والهند والمكسيك وفيتنام وماليزيا وتركيا، وأن قسماً من هذه النفايات جرى تصديره ضمن مزيج أنواع أخرى من النفايات كالمنسوجات والأوراق والإكسسوارات.
ويرتبط انتقال النفايات البلاستيكية عبر الحدود بمصاعب جمعها وفصلها وإعادة تدويرها بأمان. وهي تُعد قليلة القيمة، حيث لا يمكن تدويرها لأكثر من دورة أو دورتين، كما تتطلب إضافات مستمرة من البلاستيك البِكر. وتحتوي المنتجات البلاستيكية على عدد كبير من الإضافات السامّة، ما يجعل تدويرها على نحو آمن وفعّال صعباً ومكلفاً للغاية. ويشير تقرير، صدر قبل أسابيع عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن نحو 9 في المائة فقط من المخلّفات البلاستيكية يجري تدويرها حالياً.
ورغم أنها لا تمثّل سوى 16 في المائة من سكان العالم، تولّد البلدان ذات الدخل المرتفع حوالي 34 في المائة من نفايات العالم. وجزء كبير من النفايات المتولّدة عبارة عن مواد بلاستيكية تحتوي غالباً على مواد كيميائية سامّة. وتاريخياً، كانت البلدان ذات الدخل المرتفع تتهرّب من تكاليف تدوير ومعالجة نفاياتها البلاستيكية، بتصدير كميات كبيرة منها إلى البلدان الأقل دخلاً مقابل أثمان بخسة.
وفي محاولة للحدّ من التجاوزات في تجارة النفايات البلاستيكية التي تنتهي بالحرق المكشوف أو في مكبات عشوائية ضمن البلدان النامية، وافقت الدول الأطراف في اتفاقية بازل على إجراء تعديلات جديدة تضبط حركة المخلّفات البلاستيكية عبر الحدود وفق معايير محددة. وتحظر هذه التعديلات، التي أصبحت سارية مع مطلع عام 2021، تصدير النفايات البلاستيكية دون إخطار البلدان المستوردة وموافقتها، فضلاً عن ضمان إدارتها بطريقة «سليمة بيئياً»، وشريطة أن تكون غير مختلطة بنفايات أخرى أو ملوَّثة.
وبينما تُعد هذه التعديلات صارمة، وهي ساهمت بالفعل في خفض تدفُّق النفايات البلاستيكية إلى البلدان النامية، إلا أن تجارة النفايات البلاستيكية التي لا تراعي الاعتبارات البيئية والقدرات التقنية للدول المستورِدة لا تزال مستمرة. وتخلص تقارير منظمات حكومية، تعتمد على تحليل بيانات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن استمرار هذه التجارة ينطوي على انتهاكات واسعة النطاق لاتفاقية بازل.
وعلى سبيل المثال، أرسلت الولايات المتحدة، وهي واحدة من ثماني دول فقط لم تصادق بعد على اتفاقية بازل، أكثر من 360 ألف طن من النفايات البلاستيكية إلى المكسيك وماليزيا والهند وفيتنام في العام الماضي. وينتهك هذا الإجراء اتفاقية بازل، لأنها تمنع الدول الأطراف من التجارة في المواد البلاستيكية المنظّمة مع الدول غير الأطراف. ومن المستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد نجحت بالفعل في فصل النفايات البلاستيكية إلى بوليميرات معزولة ونظيفة، لأنها عملية صعبة تقنياً ومكلفة اقتصادياً في الوقت الراهن، بينما هدف التصدير التهرُّب من كلفة المعالجة الصحيحة محلياً.
كما تشتبه التقارير في عدم امتثال أوروبا لاتفاقية بازل، بما في ذلك انتهاكات الحظر المفروض على تصدير النفايات البلاستيكية غير المصنَّفة والملوَّثة، من الاتحاد الأوروبي إلى دول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وكانت إندونيسيا وفيتنام وماليزيا ودول نامية أخرى استمرت طيلة عام 2021 في تلقي الكثير من النفايات البلاستيكية الأوروبية، خاصةً من هولندا، التي زادت صادراتها البلاستيكية إلى البلدان النامية بشكل كبير من نحو 8300 طن شهرياً عام 2020 إلى 18600 طن عام 2021.
ويمكن للنفايات البلاستيكية التي تستوردها بلدان لا تملك بنية تحتية كافية لإدارة النفايات أن تسبب أضراراً طويلة الأمد للأشخاص والبيئة. وقد ينتهي الأمر بالبلاستيك إلى الحرق بطرق غير سليمة، ما يُطلِق مواد كيميائية خطرة تسمم المجتمعات والسلاسل الغذائية. كما يؤدي إلقاء البلاستيك في المسطحات المائية والأراضي المكشوفة إلى تلويث مصادر المياه، وخفض الإنتاجية الزراعية، والإخلال بالنظم البيئية.
وتعتمد قاعدة بيانات الأمم المتحدة، التي تتعقب أنواعاً مختلفةً من المنتجات، نظام «ترميز ووصف متناسق للسلع» يعيّن لكل فئة من المنتجات رمزاً خاصاً بها. ويجادل باحثون في أن تصنيف البلاستيك الذي يتم تداوله عالمياً ليس سوى «قمة جبل جليد» النفايات البلاستيكية، لأنه لا يلحظ كميات كبيرة من البلاستيك مدرجة في فئات المنتجات الأخرى، مثل الملابس المهملة والإكسسوارات وبالات الورق والإلكترونيات والمطاط، التي تحتوي في تركيبها على البلاستيك بنسب مختلفة.
وتشير التقارير إلى فشل بيانات الأمم المتحدة في لحظ كميات النفايات البلاستيكية المتسللة ضمن «حصان طروادة» النفايات الأخرى. وتُقدَّر كميات النفايات البلاستيكية المخفية بنحو 1.8 مليون طن سنوياً، تشق طريقها بغطاء شرعي من الاتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة إلى الدول الفقيرة. وتمثّل هذه الكمية نحو ضعف تجارة النفايات البلاستيكية المصنَّفة في بيانات الأمم المتحدة، ومن المرجّح أن يكون حجم تجارة النفايات البلاستيكية عبر الحدود أكبر بكثير مما هو مُعلن.
ولا يمكن للمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فاعلة لقمع انتهاكات تجارة النفايات البلاستيكية، لأن إنفاذ اتفاقية بازل يقع على الدول الأعضاء منفردة. ويتردد مستوردو النفايات البلاستيكية في تطبيق اتفاقية بازل بصرامة، لأنهم يتلقون مدفوعات من البلدان المصدِّرة، ولأن بعض نفايات البلاستيك يمكن إعادة توظيفها في منتجات جديدة تدعم الإنتاج الصناعي المحلي.
وتنسّق الأمم المتحدة حالياً مفاوضات للتوصل إلى معاهدة عالمية ملزمة تغطّي دورة الحياة الكاملة للبلاستيك بحلول 2024. وتحاول المفاوضات الوصول إلى صيغ تفاهم مع قطاعي الوقود الأحفوري والصناعات البلاستيكية، لإنجاز معاهدة تكون أقوى من اتفاقية بازل، للحدّ من تصدير النفايات البلاستيكية إلى العالم النامي.
ويمكن على المدى القريب إقلال التجاوزات الحاصلة، عبر تنفيذ عمليات تفتيش أكثر صرامة في الموانئ للواردات والصادرات غير القانونية من النفايات البلاستيكية، وفرض عقوبات شديدة على الشركات التي تنتهك الاتفاقية. وعلى المدى البعيد يجب حل المشكلة من المصدر عبر خفض تولّد النفايات البلاستيكية.



باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
TT

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة، كما يؤكد أحد الباحثين.

هذه العبارة التي استُحدثت للإشارة إلى منطقة من العالم يقال إن سكانها يعيشون لفترة أطول من غيرهم ويتمتعون بصحة أفضل من قاطني مناطق اخرى. وكانت جزيرة سردينيا الإيطالية أوّل منطقة تُصنّف «زرقاء» عام 2004.

أدت الرغبة في العيش لأطول مدة ممكنة إلى ظهور تجارة مزدهرة، مِن وجوهها نصائح غذائية، وأخرى لاتباع أسلوب حياة صحي، بالإضافة إلى كتب وأدوات تكنولوجية ومكملات غذائية يُفترض أنها تساهم في طول العمر.

لكنّ الباحث البريطاني في جامعة يونيفرسيتي كوليدج بلندن سول جاستن نيومان، يؤكد في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ البيانات المتوافرة عن الأشخاص الأكبر سنّا في العالم «زائفة لدرجة صادمة جدا».

ودقق بحثه الذي يخضع حاليا لمراجعة، في البيانات المتعلقة بفئتين من المعمّرين: أولئك الذين تتخطى أعمارهم مائة عام، ومَن يبلغون أكثر من 110 سنوات، في الولايات المتحدة وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا واليابان.

وفي نتيجة غير متوقعة، وجد أن «المعمّرين الذين تتخطى أعمارهم 110 سنوات» هم عموما من مناطق قطاعها الصحي سيئ وتشهد مستويات مرتفعة من الفقر فضلا عن أنّ سجلاتها غير دقيقة.

يبدو أنّ السر الحقيقي وراء طول العمر هو في «الاستقرار بالأماكن التي تُعدّ شهادات الميلاد نادرة فيها، وفي تعليم الأولاد كيفية الاحتيال للحصول على راتب تقاعدي»، كما قال نيومان في سبتمبر (أيلول) عند تلقيه جائزة «آي جي نوبل»، وهي مكافأة تُمنح سنويا للعلماء عن أبحاثهم التي تُضحك «الناس ثم تجعلهم يفكرون».

كان سوجين كيتو يُعدّ أكبر معمّر في اليابان حتى اكتشاف بقاياه المحنّطة عام 2010، وتبيّن أنه توفي عام 1978. وقد أوقف أفراد من عائلته لحصولهم على راتب تقاعدي على مدى ثلاثة عقود.

وأطلقت الحكومة اليابانية دراسة بيّنت أنّ 82% من المعمّرين الذين تم إحصاؤهم في البلاد، أي 230 ألف شخص، كانوا في الواقع في عداد المفقودين أو الموتى. ويقول نيومان «إن وثائقهم قانونية، لقد ماتوا ببساطة».

فالتأكّد من عمر هؤلاء الأشخاص يتطلّب التحقق من المستندات القديمة جدا التي قد تكون صحتها قابلة للشك. وهو يرى أن هذه المشكلة هي مصدر كل الاستغلال التجاري للمناطق الزرقاء.

* سردينيا

عام 2004، كانت سردينيا أول منطقة تُصنّف «زرقاء». وفي العام التالي، صنّف الصحافي في «ناشونال جيوغرافيك» دان بوتنر جزر أوكيناوا اليابانية ومدينة لوما ليندا في كاليفورنيا ضمن «المناطق الزرقاء». لكن في أكتوبر (تشرين الأول)، أقرّ بوتنر في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه صنّف لوما ليندا «منطقة زرقاء» لأنّ رئيس تحريره طلب منه ذلك، إذ قال له عليك أن تجد منطقة زرقاء في الولايات المتحدة.

ثم تعاون الصحافي مع علماء سكان لإنشاء «بلو زونز» التي أضيفت إليها شبه جزيرة نيكويا في كوستاريكا وجزيرة إيكاريا اليونانية.

إلا أنّ سجلات رسمية لا تنطوي على موثوقية كبيرة مثل تلك الموجودة في اليابان، أثارت الشك بشأن العمر الحقيقي للمعمّرين الذين تم إحصاؤهم في هذه المناطق.

وفي كوستاريكا، أظهرت دراسة أجريت عام 2008 أن 42% من المعمرين «كذبوا بشأن أعمارهم» خلال التعداد السكاني، بحسب نيومان. وفي اليونان، تشير البيانات التي جمعها عام 2012 إلى أن 72% من المعمرين ماتوا. ويقول بنبرة مازحة «بقوا أحياء حتى اليوم الذي يصبحون اعتبارا منه قادرين على الاستفادة من راتب تقاعدي».

ورفض باحثون مدافعون عن «المناطق الزرقاء» أبحاث نيومان ووصفوها بأنها «غير مسؤولة على المستويين الاخلاقي والأكاديمي». وأكد علماء ديموغرافيا أنهم «تحققوا بدقة» من أعمار «المعمرين الذين تتخطى اعمارهم 110 سنوات» بالاستناد إلى وثائق تاريخية وسجلات يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.

لكنّ نيومان يرى أنّ هذه الحجة تعزز وجهة نظره، ويقول «إذا انطلقنا من شهادة ميلاد خاطئة منسوخة من شهادات أخرى، فسنحصل على ملفات مترابطة جيدا... وخاطئة بشكل تام».

ويختم حديثه بالقول «كي تعيش حياة طويلة، ما عليك أن تشتري شيئا. استمع إلى نصائح طبيبك ومارس الرياضة ولا تشرب الكحول ولا تدخن... هذا كل شيء».