حذَّر الأدميرال المتقاعد بالبحرية الأميركية جيمس ستافريديس من أن الولايات المتحدة وأوكرانيا على السواء تعانيان من نفاد الذخيرة مع استمرار الحرب الروسية.
ومع احتدام الحرب، واحتمال شن كييف لهجوم واسع النطاق في أي وقت، يعاني طرفا الصراع من نقص في الذخائر، والمكونات الإلكترونية، والأسلحة الموجهة بدقة، وحتى الإسمنت.
وفي حين يتمتع الغرب بقدرة شاملة واسعة على توصيل المواد الضرورية للقتال، بدأت تتكشف أزمات في سلاسل التوريد العالمية. وطالب سفير أوكرانيا لدى ألمانيا أوليكسي ماكييف بأن ترسل برلين مزيداً من الأسلحة القوية التي يمكن أن تستخدمها كييف ضد روسيا في ظل الاستعدادات الجارية لشن عمل عسكري كبير متوقع لاستعادة الأراضي التي «احتلتها» موسكو.
وقال ماكييف لمجموعة «فونكه الألمانية» في مقابلة نُشرت (السبت) إن «هناك حاجة مُلحّة إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي مثل (اريس- تي، وباتريوت، وجيبارد). ومن أجل الهجوم المضاد المخطط، نحتاج المزيد من المركبات المدرعة والدبابات وأنظمة المدفعية، وذخيرة طويلة المدى في أقرب وقت ممكن».
وأوضح أن أمن أوروبا يعتمد على سرعة وحجم شحنات الأسلحة والذخيرة لمساعدة أوكرانيا في استعادة وحدة أراضيها، مؤكداً أن «هزيمة روسيا ضمانة للحياة الطبيعية في أوروبا».
وأشاد ماكييف بالشحنات القادمة من ألمانيا حتى الآن قائلاً: «أنا سعيد لانخراط ألمانيا الكامل، مع الشركاء في حلف (شمال الأطلسي) الناتو، في التخطيط لمساعدة أوكرانيا بطريقة استراتيجية للغاية وطويلة المدى. هذا هو النوع من العملية المستمرة التي نحتاجها لتحقيق النجاح على الخطوط الأمامية».
هجوم الربيع
من جهته، قال ستافريديس، وهو الآن عميد كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إن «هجوم الربيع» لن يكون بالدبابات والمدرعات، ولكن بالزيادة في إنتاج الأسلحة لدى الدول الديمقراطية التي تدعم أوكرانيا.
وأوضح ستافريديس أنه عندما كان قائداً للقيادة العليا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) قبل أكثر من عقد، كان عادة ما ينظر بعمق للوجيستيات وسلاسل التوريد، بالقدر نفسه الذي ينظر به لعمليات الحلف القتالية في أفغانستان، والبلقان، وليبيا، وضد القراصنة.
وقال إنهم كانوا يشعرون براحة لأن القاعدة الشاملة للصناعات الدفاعية لدى الغرب، التي تسهم بأكثر من 1.2 تريليون دولار في موازنات الدفاع الجماعية لدول الناتو الـ31، تستطيع التعامل مع هذه الصراعات بسهولة نسبية، ولكن أكثر ما كان يزعجه آنذاك هو احتمال اندلاع صراع قوى في أوروبا، وخاصة أي تصعيد مع الاتحاد الروسي.
وفي حين أن الحلفاء الغربيين يتمتعون بقدرات ساحقة وميزة وجود مخزونات، يمتلك الروس قاعدة صناعية قديرة، ووفرة في المواد الخام، ويستطيعون الاعتماد على العمالة المجندة لتدوير الآلات في المسابك والمصانع.
وتقل موازنة الدفاع الروسية عن 70 مليار دولار، أي حوالي 10% من موازنة الناتو، في أفضل الأحوال.
وبعد أكثر من عام على انسحاب الناتو من أفغانستان، أدت الاحتياجات الواسعة لأوكرانيا إلى ظهور تحديات تتعلق بالمواد اللازمة للعمليات القتالية بمستوى، قال ستافريديس إنه لم يتوقعه، فالحاجة للمكونات الإلكترونية، بشكل خاص، تتنامى بشكل هائل لإنتاج أسلحة ذات توجيه دقيق، ومُسيّرات متطورة، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وقذائف ذكية للمدفعية.
ورغم تباطؤ الاقتصاد العالمي، تعمل الشركات المدنية مع الجيوش الغربية لإنتاج رقائق أشباه الموصلات، بالغة الأهمية، خاصة ذات الجودة الفائقة التي تنتجها تايوان على نطاق واسع.
كما ظهرت ندرة في إنتاج الإسمنت، حيث تزداد احتياجات أوكرانيا منه لإعادة الإعمار، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إليه لمشروعات البنية التحتية في أميركا.
وأشار ستافريديس إلى تحليلات ومحاكاة للحرب تتكهن بمجالات حدوث الأزمات، وتُمثّل المدافع، والصواريخ، والذخيرة، خاصة قذائف هاوترز، مصدر القلق الأكبر. ومن بين مخزونات الأسلحة التي تواجه النفاد، قذائف المدافع عيار 155، والتي ظهرت كعنصر هجوم رئيسي لدى الأوكرانيين.
ويعتقد عدد من المحللين أن أوكرانيا تستهلك شهرياً من هذه القذائف ما يوازي إنتاج أميركا في عام في فترة ما قبل الحرب، ولا يتعلق الأمر بقذائف هاوتزر فحسب، بل يمتد الأمر لصواريخ هيمارس التي تعاني من النقص هي الأخرى.
وكثّفت القاعدة الصناعية العسكرية في أميركا عمليات الإنتاج لديها، كما فعلت البلاد في بداية الحرب العالمية الثانية.
واستشهد ستافريديس بكتاب «مهندسو النصر» للمؤرخ بول كينيدي، الذي تحدّث فيه عن التكنولوجيا، والتنظيم، والإنتاج الحربي، كعناصر قلبت الموازين وأدت إلى انتصار الحلفاء على المحور في نهاية المطاف.
ويرى ستافريديس أن الأمر حالياً بعيد عن التعبئة العامة التي تمت في أوائل أربعينات القرن العشرين، ولكن شركات إنتاج الأسلحة الكبرى والمنتجين الصغار لأنظمة التكنولوجيا العالية (المُسيّرات) يعملون على ابتكار وتوفير ما يحتاج إليه الأوكرانيون.
وفي ظل زيادة الطلبيات، ظهرت مشكلة أخرى، وهي النقص الحاد في العمال المهرة في مجال الذخيرة.
وعندما ألقى الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت خطبته التي أشار فيها إلى أن مصانع الولايات المتحدة تحولت إلى «ترسانة من الديمقراطية» للحلفاء (فرنسا وبريطانيا وروسيا) كاد الاقتصاد الأميركي أن يصبح آنذاك موجهاً بشكل كامل من أجل الحرب (اقتصاد حرب).
ويقول ستافريديس إن ذلك لن يحدث اليوم، ولكن التحدي سيتمثل في استمرار الإنتاج الحربي، وفي الوقت نفسه توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، في ظل تواصل «العدوان الروسي».
ويمتلك الكونغرس والبنتاغون أدوات تحقيق ذلك، والتي تتمثل في الأموال في المقام الأول، فالدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا ضخم (نحو 40 مليار دولار)، ولكنه يظل متواضعاً بالنظر إلى موازنة الدفاع الأميركية التي تصل إلى 850 مليارا.
ويقدم شركاء أميركا الأوروبيون، والحلفاء في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، تقريباً القدر نفسه من المساعدات، مع التركيز أكثر على الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار الاقتصادي.
وسيقدم الطرفان على جانبي الأطلسي أنظمة قتال مختارة (خاصة الدبابات والمدرعات الأرضية) وقذائف المدفعية.
وسيتعين على الحكومات الغربية ضمان الإنتاج التعاقدي حتى لا تجد شركات الدفاع نفسها في موقف صعب إذا ما انتهت الحرب فجأة (وهو أمر لا يلوح في الأفق، بحسب اعتقاد الجميع).
ورغم أنه ستحدث صعوبة في سلاسل إمداد تجارية عالمية بعينها (مثل الإلكترونيات، ومواد التشييد، وبعض المعادن)، تظل القدرة الإجمالية لتجاوز الإنتاج الاقتصادي الروسي المترنح، واضحة.
وعلى افتراض أن الصين ستواصل، بحكمة، رفض مد شريان حياة من العتاد الحربي لموسكو، سوف تتراجع روسيا أكثر وأكثر خلف القدرات الإنتاجية لدى الغرب.
وفي ختام التحليل، يقول ستافريديس إن هذا «النهج الأميركي في الحرب»، والذي أثبت نجاحه في الحربين العالميتين الأولى والثانية وأخيراً في الحرب الباردة، يبقي على الاحتمالات في صالح الأوكرانيين.
مصادر عسكرية تتوقع نفاد الذخيرة لأوكرانيا مع «هجوم الربيع»
مصادر عسكرية تتوقع نفاد الذخيرة لأوكرانيا مع «هجوم الربيع»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة