مظاهرات العراق ترفع سقف المطالبات بالدعوة لإقالة حكومات محلية

السيستاني يدعو إلى إصلاح شامل للقضاء وتخفيض رواتب المسؤولين

عراقيون في مظاهرة احتجاج على الفساد الحكومي في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون في مظاهرة احتجاج على الفساد الحكومي في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

مظاهرات العراق ترفع سقف المطالبات بالدعوة لإقالة حكومات محلية

عراقيون في مظاهرة احتجاج على الفساد الحكومي في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون في مظاهرة احتجاج على الفساد الحكومي في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)

في وقت تستمر فيه المظاهرات الكبرى في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية ببغداد للأسبوع الثالث على التوالي وبحضور جماهيري لافت دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني إلى شمول الجهاز القضائي بحزم الإصلاح وإعادة النظر بالقوانين التي فتحت الطريق للفساد.
وقال ممثل المرجعية الدينية في كربلاء عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة أمس إن «عملية إصلاح المؤسسات الحكومية ومكافحة الفساد المالي والإداري المستشري كانت من هواجس المرجعية الدينية العليا منذ السنوات الأولى التي تلت تغيير النظام في العراق»، مبينًا أن «المرجعية طالبت مرارًا بتمكين القضاء من أداء دوره باستقلالية وتحسين الخدمات العامة ومكافحة الفساد وإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت للمسؤولين لكنها للأسف لم تجد آذانًا صاغية لها». وأضاف أن «المرجعية تقدر قرارات الإصلاح التي أعلن عنها في الأيام الأخيرة»، معربًا عن أمله بأن «تجد تلك القرارات طريقها للتنفيذ في وقت قريب».
ودعا الكربلائي، إلى «شمول الجهاز القضائي بالإصلاح كونه يمثل ركنًا مهمًا من استكمال حزم الإصلاح ولا تتم عملية الإصلاح من دونه ليكون المرتكز الأساس لإصلاح بقية مؤسسات الدولة»، مشددًا على ضرورة «الاعتماد في إصلاح الجهاز القضائي على القضاة الشرفاء الذين لم تتلوث أيديهم بالرشى». وطالب الحكومة والبرلمان «بإعادة النظر في القوانين التي صدرت خلال السنوات الأخيرة التي فتحت آفاقًا واسعة لممارسة الفساد بأشكال متنوعة وتعديلها أو إلغائها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة»، مؤكدًا أن «هناك حاجة ماسة إلى تشريع قوانين وإصدار قرارات لا يتم الإصلاح بغيرها من أهمها القانون الخاص بسلم الرواتب لموظفي الدولة لضمان العدالة».
وعد ممثل السيستاني أن «من غير المقبول أن يحظى بعض كبار المسؤولين برواتب تصل إلى عشرات الملايين شهريًا في حين لا تبلغ الرواتب الشهرية للكثير من الموظفين 300 ألف دينار»، داعيًا الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء إلى «إجراء الإصلاحات بصورة مدروسة ولكن من غير تلكؤ وتأخير».
من جهته فقد أعلن رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، عن مراحل جديدة للإصلاح تلامس التشريعات الاقتصادية والسياسية. وفي كلمة استبق بها مظاهرات الجمعة أمس في بغداد قال الجبوري إن «الشعارات التي رُفعت كان لها أثر كبير في تحفيز الحكومة والبرلمان على تقديم ورقة الإصلاح ونحن عازمون على المضي بهذا المسار»، معتبرا أن «الإساءة إلى المتظاهرين أو شعاراتهم إساءة للعراق ووحدته».
إلى ذلك حذر بعض الناشطين في المظاهرات والحراك المدني من محاولات تجري هنا وهناك لخطف ساحة التحرير تحت دعاوى ومسميات مختلفة. وقال الإعلامي والناشط المدني حميد قاسم لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك من حاول أن يتصدر الزعامة بأساليب مختلفة وكأنه وصي على المتظاهرين لكننا تصدينا لمثل هذه المحاولات لكي تبقى الساحة عراقية وطنية صميمة لا تمثل حزبا أو جهة أو كتلة».
في السياق نفسه أكد جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وأحد قادة المظاهرات في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدف من هذه المظاهرات هو ليس أن يصبح هذا الطرف أو ذاك زعيما بل هناك قضية أساسية وهي إصلاح النظام السياسي وهو محل إجماع بين المتظاهرين وأن الشعارات التي ترفع هي شعارات تتصل بمكافحة الفساد وإصلاح الوضع الإداري في الدولة»، مشيرا إلى أن «هناك تنسيقا بين الناشطين حول الأهداف العامة وهناك أمور تنظيمية محددة مثل موعد المظاهرة واستمراريتها وموعد انتهائها علما بأن كل المطالب تصل إلى السلطة بطرق مختلفة والأهم أن هناك نضجا في الساحة بحيث يجعل من أي محاولة لحرف مسار المظاهرات أو الساحة أمر في غاية الصعوبة».
في السياق نفسه أكد القيادي في التيار المدني الديمقراطي حسين فوزي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التيار الديمقراطي جزء من حركة الاحتجاجات التي بدأت عفوية بإسناد مظاهرات البصرة من قبل مجموعة من الناشطين وهم أحمد عبد الحسين وجهاد جليل ونبيل جاسم ومن ثم تطورات بالاتجاه الذي يدعو إلى الارتقاء بالخدمات بكل أشكالها».
ومع استمرار المتظاهرين في تقديم أكبر عدد ممكن من المطالب إلى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وخصوصا مع التأييد الذي يحظى به من المرجعية الدينية في مدينة النجف، فمنها ما هو محلي يخص الحكومات في تلك المدن ومنها ما يتعلق بأداء الحكومة المركزية في بغداد، دعا محافظا كربلاء والنجف إلى ربطهما بشكل مباشرة مع العبادي، فيما طالب محافظ المثنى بحل مجلس المحافظة.
وقال محافظ كربلاء عقيل الطريحي (110 كلم جنوب غربي بغداد) في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه: «يجب توحيد الرؤى الإصلاحية التي قدمها المحافظون ومجالس المحافظات في إطار البرنامج الإصلاحي الذي تبناه رئيس الوزراء حيدر العبادي وأقره مجلس النواب».
وأضاف أن «منهج الإصلاح ينبغي أن يكون متكاملا وأن تكون الإصلاحات منسجمة في إطار ما طرحه الرئيس العبادي وحاز تفويض الجماهير ومباركة المرجعية».
وتابع: «بعد إقرار الإصلاحات الحكومية والبرلمانية أصبح لزاما أن يكون ارتباط المحافظين مباشرا برئيس الوزراء لأن الإصلاحات اكتسبت قوة القانون وبذلك فإنها تعطل كل ما يتعارض معها».
إلى ذلك، كتب محافظ النجف عدنان الزرفي (161 كلم جنوب غربي بغداد) على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن «ارتباط المحافظين برئيس الوزراء وليس مجالس المحافظات هو الحل المناسب لإنقاذ المحافظات من الفساد وهدر المال العام، علما أن مجالس المحافظات تكلف الدولة قرابة مائتي مليار دينار عراقي ما يعادل رواتب ملايين الموظفين».
من جهته، قدم محافظ المثنى إبراهيم الميالي (280 كلم جنوب بغداد) طلبا إلى البرلمان لحل مجلس المحافظة بناءً على طلبات المتظاهرين، فيما وافق رئيس مجلس النواب سليم الجبوري على إدراج الطلب في جدول أعمال جلسة اليوم.
وقال الميالي: «أبرقنا كتابا منذ الأسبوع الماضي إلى مجلس النواب بناءً على طلب المتظاهرين جاء فيه أننا كمحافظ نطلب حل مجلس محافظة المثنى بناءً على طلب المتظاهرين». وأضاف أن «رئيس مجلس النواب سليم الجبوري وافق على الطلب وأدرجه للتصويت عليه في جلسة اليوم السبت».
وشهدت محافظة البصرة وذي قار وميسان والمثنى والديوانية والكوت والنجف وكربلاء وبابل مظاهرات للجمعة الثالثة على التوالي وفي الوقت ذاته، والذي ميز هذه المظاهرة عن سابقاتها هو ازدياد عدد المحتجين وارتفاع سقف المطالب إلى حل البرلمان العراقي وإقالة رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية.
وقال علي عبد عيد، أحد المشاركين في مظاهرات محافظة ذي قار (375 كلم جنوب بغداد) إن: «مطالبنا مشروعة ولكن لن يكون الإصلاح إلا بالقضاء على رأس الفساد وهو مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى». وأضاف أن «جميع العراقيين لن يتنازلوا عن مطالب التغيير والإصلاح وأن الكل أصبح يدرك بأن الشعب هو مصدر للشرعية وعلى العبادي المضي قدما في قراراته الإصلاحية ولا يقف عند إرادة حزب أو جماعة».
يذكر أن العراق يشهد حراكًا جماهيريًا واسعًا وخلال الفترة الأخيرة احتجاجًا على تردي الخدمات وتفشي الفساد وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على معالجة ذلك وخرجت أولى المظاهرات في البصرة لتعم بعد ذلك جميع المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة العراقية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.