«مبادرة الإنقاذ الوطني» في تونس... جاهزة لكن «مرفوضة»

في ظل «صمت» اتحاد الشغل لأسابيع متتالية

الطبوبي مع وزير الداخلية (صورة من موقع وزارة الداخلية)
الطبوبي مع وزير الداخلية (صورة من موقع وزارة الداخلية)
TT

«مبادرة الإنقاذ الوطني» في تونس... جاهزة لكن «مرفوضة»

الطبوبي مع وزير الداخلية (صورة من موقع وزارة الداخلية)
الطبوبي مع وزير الداخلية (صورة من موقع وزارة الداخلية)

أكد رمضان بن عمر المتحدث باسم «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» أن «مبادرة الإنقاذ الوطني» التي أطلقها «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) بمعية عمادة المحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى جانب المنتدى، باتت «جاهزة، وأن الأطراف التي سهرت على إعدادها تنتظر فقط الوقت المناسب للإعلان عنها».
وتوقعت مصادر حقوقية تونسية أن يتم الإعلان عن فحوى هذه المبادرة خلال شهر مايو (أيار) المقبل، رغم «لامبالاة مؤسسة الرئاسة التونسية تجاهها»، وعدم تحمّس الرئيس التونسي لهذه الخطة التي تسعى إلى «تشخيص الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي»، وتقديم حلول أولية للمصاعب التي تواجهها تونس.
وتلقى هذه المبادرة «صدى غير معلن بصفة رسمية من قبل الرئاسة»، وأشار سعيد في تصريح سابق إلى أن «البرلمان موجود... ما الجدوى من الحوار؟»، وهو ما قُرئ على أساس أنه رافض لتلك المبادرة تماماً كما رفض مبادرة سابقة للحوار طرحتها القيادات النقابية في شهر ديسمبر (كانون الأول) من سنة 2020.
وكان «اتحاد الشغل» قد شكَّل بداية هذه السنة 3 لجان تكونت من خبراء في مختلف الاختصاصات، وهي لجنة الإصلاحات السياسية ولجنة الإصلاحات الاجتماعية ولجنة الإصلاحات الاقتصادية، وهي مكلفة إعداد تقييم كامل للوضع في تونس واقتراح مشاريع إصلاحات للخروج من الأزمة الحالية.
غير أن السلطة الحالية، ووفق مراقبين، لا تعترف بوجود أزمة من أي نوع، ويؤكد أنها تقود حرباً ضد الفساد، وهي ماضية في مسار إصلاحي وتنفذ خريطة طريق سياسية طرحها قيس سعيد، وتضم هذه الخطة تنفيذ استشارة وطنية وتنظيم استفتاء حول دستور تونسي جديد، وسن قانون انتخابي جديد، وإجراء انتخابات برلمانية انبثق عنها برلمان تونسي خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، وهي بذلك في طريقها لإصلاح كل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي ﻟ«الشرق الأوسط»، إن «اتحاد الشغل» يجد نفسه في مأزق من الصعب الخروج منه؛ إذ إنه غامر بطرح هذه المبادرة السياسية رغم علمه المسبق بأن الرئيس التونسي غير موافق على الدخول في أي نوع من أنواع الحوار، إذ إن مساره السياسي لا يعترف بالأجسام الوسيطة، على غرار الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية، ويرى أن العلاقة بين أعلى هرم السلطة وعموم التونسيين في حاجة فقط لديمقراطية مباشرة.
ورجح العرفاوي أن يمضي الرباعي الراعي للحوار السياسي في «مبادرة الإنقاذ الوطني»، ومن المنتظَر أن يعلن عنها دون انتظار أي تجاوب معها من قبل مؤسسة الرئاسة، وبذلك يكون قد أخلى مسؤوليته، ونقل الضغوط إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، على حد تعبيره.
وكانت عدة منظمات حقوقية وأحزاب سياسية تونسية قد لاحظت «صمت» اتحاد الشغل خلال الأسابيع الماضية، وعدم تعليقه على ما يجري في الساحة السياسية التونسية، رغم أهميته، وتساءلت عن أسباب هذا الصمت ولماذا لم يعد «اتحاد الشغل» يتحدث عن مصير «مبادرة الإنقاذ الوطني»، ومختلف مراحل إنجازها، وأوكل هذه المهمة إلى قيادات «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» الذي رغم ثقله الاجتماعي بوصفه منظمة حقوقية مستقلة، فإن تأثيره في المشهد السياسي يبقى محدوداً.
وفي هذا الشأن، قالت شافية الإبراهيمي الإعلامية التونسية إن هذا الصمت غير المعهود من قيادات «اتحاد الشغل»، فتح الباب واسعاً للتأويلات، خصوصاً بعد لقاء نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد قبل نحو أسبوعين مع كمال الفقي وزير الداخلية، وعدم إعلان الاتحاد عما تناوله هذا اللقاء من ملفات، واكتفاء وزارة الداخلية التونسية بالإشارة إلى «تناول الوضع العام والتزام الوزارة بتنفيذ القانون في كنف الاحترام التام للحقوق والحريات». وأضافت الإبراهيمي أن هذا التكتم جعل متابعين يتوقعون أن يكون اللقاء الأول من نوعه منذ أشهر «فرصة للقاء مرتقب مع الرئيس التونسي ينهي قطيعة دامت أكثر من سنة، وتصريحات حادة من الطرفين لم تخلُ من استعراض للقوة ومحاولة ليّ الذراع».
ويرى مراقبون أن احتفال «اتحاد الشغل» بـ«اليوم العالمي للشغل»، يوم الاثنين المقبل، سيكشف كثيراً من الغموض الذي يحيط بالعلاقة بين الطرفين، وهي مناسبة كانت خلال السنوات التي تلت ثورة 2011 فرصة لتنظيم تجمعات عمالية كبرى، وإلقاء خطاب شامل من قبل رئيس الاتحاد، وكان يجيب في معظم الأحيان عن تساؤلات متابعي «اتحاد الشغل» في علاقته بالطرف الحكومي، وتموقعه في المشهدين السياسي والاجتماعي التونسي.


سيف الدين مخلوف (موقع حزب ائتلاف الكرامة)



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».