البصرة... تعافي القراءة أم صرعة مؤقتة؟

مكتبات أهليّة انتشرت في مناطقها على نحو لافت حتى باتت ظاهرة

المكتبة الأهلية في البصرة القديمة (الشرق الأوسط)
المكتبة الأهلية في البصرة القديمة (الشرق الأوسط)
TT

البصرة... تعافي القراءة أم صرعة مؤقتة؟

المكتبة الأهلية في البصرة القديمة (الشرق الأوسط)
المكتبة الأهلية في البصرة القديمة (الشرق الأوسط)

شهدت البصرة في السنوات الخمس الأخيرة تأسيس مكتبات أهليّة انتشرت في مناطقها على نحو لافت حتى باتت ظاهرة. وأسّس المكتبات شباب لا يجمعهم مع المهنة سوى حب الكتاب والقراءة، والهروب من البطالة والإحباط السياسي إلى خلق فرص عملهم بأيديهم.
وبعد أن كان شارع المطابع بالعشار، وسط المدينة، لا يضم سوى مكتبات: «المكتبة العلمية»، و«الفكر المعاصر»، و«بدر»، صار المربع المحصور بين ساحة أم البروم وشارع الكويت يضم مكتبات ناشئة أخذت تشقُّ طريقها وتتناسل بسرعة: «شهريار»، و«الصحراء»، و«جيكور»، و«الرصافي». وسبقها أو تبعها في مناطق أخرى: «المعقدين»، و«الهجّان»، و«ماركيز»، و«الرافدين»، و«وتر»، و«الحداثة».
يرى أحمد الأحمد، وهو أمين مكتبة الرافدين (34 سنة)، أن «ازدياد المكتبات يعود لشحة فرص العمل ولبساطة متطلبات المشروع، فالأمر لا يتعدى إيجار محل مناسب وتجهيز ديكور معقول، ودور النشر في شارع المتنبي ستجهزك بالكتب»، لافتاً إلى أن بعض تجار الكتب ببغداد يزوِّدون مكتبات المحافظات بالكتب بطريقة الدفع بالآجل، أو طريقة «التصريف»، بمعنى أنها تحاسبك على قدر مبيعاتك فقط وليس على إجمالي الكمية المسحوبة، لكنّ بعض تجار الجملة «المهمين» يعملون بالدفع المباشر.

المكتبة العلمية في منطقة العشار (الشرق الأوسط)

الأحمد أشار إلى أن تجارة الكتب «لاقت رواجاً في السنوات الأخيرة بسبب توجّه إعلامي عام للترويج للثقافة بوصفها مظهراً مدنياً يُراد له أن يبرز بعد سنوات العنف التي مرّت بالعراق، هذا التوجّه وافقه إقبال شبابي على الكتب بسبب انتشار ما عُرفت بالشوارع الثقافية التي أُنشئت في مدن كثيرة بالعراق، على غرار شارع المتنبي البغدادي».
وخلال سنوات معدودة انتشرت في مدن الفرات الأوسط والجنوب شوارع ثقافية أهمها الفراهيدي (البصرة)، والرصيف المعرفي (ميسان)، والحبوبي (ذي قار)، والجواهري (النجف). تضم هذه الشوارع بسطات كتب لشباب مندفع وَجدَ في الكتاب ملاذه.
ولكن هل يعكس هذا التوسع بالشوارع الثقافية وتأسيس المكتبات ظاهرة انتعاش قرائي؟
يلفت محمد فؤاد، وهو أمين مكتبة بصريّة، النظر لنقطة جوهرية: أن واقع القراءة في المدينة محدود ولا يستطيع استيعاب جميع المكتبات الحالية. إذ يقول: «لا يوجد في البصرة قرّاء لكل هذا العدد من المكتبات والكميات الهائلة من الكتب الصادرة والمستوردة. المبيعات محدودة، والأغلبية تكتفي بالتفرج وقضاء الوقت بالمطالعة والحوار. الشيء الوحيد المؤكّد أن هذه المكتبات لن تستطيع الاستمرار طويلاً وسيأكل بعضها بعضاً. البقاء للأقوى».
وتقف تحديات ارتفاع بدلات الإيجار، وتضخم أسعار الكتب بالجملة، ومحدوديّة القدرة الشرائيّة للزبائن (وأغلبهم من طلاب الجامعات) بوجه استمرارية المكتبات الناشئة، خصوصاً أن أغلبها لا تمتلك رأس مال مريحاً لأصحابها يضمن لهم الاستمرار، كونهم أفراداً، بلا تنظيم مؤسساتي أو جهات داعمة.
يعيش في البصرة قرابة أربعة ملايين نسمة، وفق تقديرات، لكنّ جمهور القراء لا يعدو بضعة آلاف، تقتصر احتياجات أغلبهم في القراءة على متطلبات الدراسة وإعداد البحوث والرسائل الجامعية، فيما يتوزّع الباقي على رواد القراءة المنتظمة والمطالعين الجدد، وهم على أي حال أقليّة لا تسد حاجة السوق.
ورغم عدم توفر إحصائيات دقيقة لمعدلات القراءة في العراق عموماً، يظل بإمكاننا الاستدلال على تراجع الإقبال على الكتاب من فحص ومراقبة بعض الظواهر، ومنها، عدم إقامة دورة جديدة لمعرض البصرة الدولي للكتاب العام الماضي، كما أنه لا إشارة حتى الآن لإقامته في هذا العام.
وكان معرض البصرة الدولي للكتاب، بدورته الأولى، قد أُقيم في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، غير أن أنباء تواردت عن تذمّر دور النشر العربية من انخفاض الإقبال وضعف المبيعات، مما دعا المنضمين إلى تنظيم المعرض كل عامين بدلاً من إقامته سنوياً. ويرى مثقفون أن مشكلة مكتبات البصرة في ضيق قاعدة القراءة واقتصارها على نخبة محدودة من القراء، تتكرر كل مرة، لا يمكنها أن تديم استمرار منافذ البيع، وإذا لم يحصل تغيير في توجه دور النشر وصنّاع الكتاب لاستقطاب عامة الناس للقراءة عبر توفير كتب تلبّي حاجات الفرد، فلن يقف أحد في وجه نهاية وشيكة لـ«نهضة» سوق الكتاب.
دور نشر «دوليّة»
في الأقضية والنواحي
بعد مدة وجيزة من مباشرة المكتبات البصريّة (الشبابيّة) التنافس في سوق الكتب، قرر عددٌ من أصحابها تحويل نشاطها من بيع الكتاب إلى طباعته، في مغامرة شائعة مؤخراً، مستفيدين من تسهيلات الطبع في الدول المحيطة بالعراق، وانخفاض تكاليف الطباعة والشحن نسبياً، وزيادة أعداد «المؤلفين».
هكذا وفي غضون أشهر قليلة باتت البصرة تضم سبع دور نشر تطبع كتبها في لبنان وسوريا وإيران، وتوزّع الكتاب داخل المدينة وبغداد في أفضل الأحوال. يعتمد أغلب دور النشر المحلية على تمويل المؤلفين لكتبهم، بالأخص أولئك الذين يبدأون خطواتهم الأولى، ولا فرصة لهم مع دور النشر المعروفة. وتلجأ الدور لإعادة نشر كتب أدبية كلاسيكية عالمية أو ترجمات قديمة لكتب مشهورة لانتهاء حقوق مؤلفيها، ما يوفّر لها هامشاً مالياً مساعداً. ويمثّل طلاب الدكتوراه وأساتذة الجامعة ممن يرغبون في طباعة أطروحاتهم وبحوثهم هدفاً مغرياً لتلك الدور؛ لأن الكوادر التدريسية تدفع بشكل جيد، ولا ترهق صاحب المشروع بالمطالبة بالمبيعات أو متابعة خطة التوزيع.
وسوى تسلم المخطوطة من المؤلف وتسليمها للمطبعة خارج البلاد، وتنظيم عملية شحن الكتاب، لا تكاد تلك الدور تفعل شيئاً. وهي بذلك، وبشكل دقيق، متعهد طبع وليست دار نشر.
تُستثنى مما سبق دار واحدة أو داران تنهضان بأعمال تحرير وتنسيق متن الكتاب، وإنشاء غلاف له، والمشاركة في توزيعه عبر شبكة شبه محلية.
اللافت أن دور النشر تلك، والتي يقبع بعضها خارج مركز مدينة البصرة، في الأقضية أو النواحي، تشير في منشوراتها وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى كونها دوراً دولية تشارك في معارض الكتاب العربي الموزّعة على مدار السنة؛ لكن الواقع يشير إلى مشاركة 10- 20 في المائة منها فقط في المعارض وبصورة غير دورية، لارتفاع تكاليف المشاركة من تأجير الأجنحة وشحن الكتب وتدبير السكن.

تشابه بيئة العمل
ورغم نشاط الدور البصريّة -بالأخص قبل التداعيات الاقتصادية لحرب روسيا وأوكرانيا- وارتفاع عدد الإصدارات، فإن ذلك لم يُنتج تطوراً في أدوات صناعة الكتاب في المدينة التي لا تزال تفتقر إلى مصممي غرافيك ورسّامي (إليستريتور) جيِّدي التعامل مع ما وصل إليه فن التصميم من صرعات. ويبدو أن كلية الفنون الجميلة في المدينة بأقسامها وكوادرها لا تزال بعيدة عن الإنصات لحاجة السوق العراقية في كثير من المجالات المبتكرة، بالأخص مجال الطباعة. كما أن الطريق لا تزال بعيدة لتأسيس شركات ووكالات نشر وخدمات أدبيّة متخصّصة، على الرغم من الخلفية التاريخية الثقافية للمدينة، وسعة الإنتاج الأدبي، وكثرة الكتّاب.
تشابُه بيئة العمل بين الدور في البصرة يفرض بالنهاية تشابهاً في شكل المنتج النهائي، فأدوات صناعة الكتاب في المدينة محدودة، وإلى وقت قريب كانت الدور تعتمد على مصممين عرب في تصميم أغلفتها وتنسيق الإخراج الداخلي للكتب.
يعمل اليوم في البصرة ما يقارب الـ12 داراً للنشر، تطبع إصداراتها خارج العراق وتعاني ركوداً شديداً جرّاء ارتفاع أسعار الورق والشحن حول العالم في الأشهر الأخيرة، ما ولّد شحة في جديدها بدءاً من مطلع 2022 حتّى اليوم. ورغم أن المكتبات ودور النشر البصرية حرّكت واقع الطباعة في المدينة والذي ظل لسنوات محصوراً في المطابع التجارية بالعشار ذات النتاج البدائي، وصنعت حالة مثيرة وجديدة في واقع المدينة الثقافي، فإنها تظل مسؤولة عن تحقيق قفزة حقيقية في الصناعة على عدة مستويات، مثل نقل الطباعة إلى داخل العراق لكسب الأموال والوقت، وصناعة كوادر فنيّة تجيد العمل على المطابع الحديثة، وفريق من المصممين المبتكرين.
فيما تظل الحلقة الأخيرة والأهم هي ترويج العمل الأدبي البصري ونشره، والبحث عن المواهب الجادّة لا المهووسين بالشهرة، وتنمية قرّاء يتطورون مع مكتبات مدينتهم ودور نشرها الواعدة.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.