افتقار رئيسة الحكومة الفرنسية للأكثرية المطلقة في البرلمان يجعلها رهينة اليمين

إليزابيت بورن تسحب قانون الهجرة من التداول

رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن (أ.ف.ب)
رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن (أ.ف.ب)
TT

افتقار رئيسة الحكومة الفرنسية للأكثرية المطلقة في البرلمان يجعلها رهينة اليمين

رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن (أ.ف.ب)
رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن (أ.ف.ب)

مرة أخرى وبعد مخاض قانون التقاعد حيث لم تسقط الحكومة بفضل نواب حزب «الجمهوريون» اليمين المعتدل، تجد إليزابيت بورن، رئيسة الحكومة الفرنسية، نفسها مجدداً رهينة الحزب المذكور بسبب افتقارها للأكثرية المطلقة في البرلمان. وهذا الوضع دفعها اليوم إلى سحب مشروع القانون الخاص بالمهاجرين من التداول لأنها لم تنجح في إقناع نواب اليمين التقليدي من توفير الدعم له في مجلسي النواب والشيوخ. ولذا، لم يكن من مفر أمامها سوى طي مشروعها والانتظار. ولأن الوضع جامد ولن يتغير طيلة السنوات الأربع القادمة إلا إذا حصلت تحولات في المشهد السياسي أو إذا أمر ماكرون بحل مجلس النواب والعودة إلى صناديق الاقتراع، فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة إلى استجداء أصوات نواب اليمين وأحياناً نواب الخضر والاشتراكيين، ما يجعل مهمتها بالغة الصعوبة.
بداية، كان من المفترض أن يبدأ البرلمان النظر في مشروع القانون المذكور الذي أعده وزيرا الداخلية والعمل جيرالد دارمانان وأوليفيه دوسوبت في مارس (آذار) الماضي. إلا أن الحكومة ارتأت تأجيله عدة أسابيع علماً بأن العمل على بلورته بدأ في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي بعد فترة قليلة من إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية ثانية. غير أن إليزابيت بورن أعلنت اليوم مجدداً تأجيل طرح المشروع وذلك في معرض عرض «خطة الطريق» التي طلبها منها ماكرون للأشهر الثلاثة القادمة. وجاء في كلمتها ما حرفيته أنه «اليوم، ليست هناك أكثرية جاهزة للتصويت لصالح المشروع (المذكور)، الأمر الذي تبين لي من خلال مناقشاتي مع مسؤولي (حزب الجمهوريون) الذين يتعين عليهم أن يعثروا على تسوية بين مجلسي النواب والشيوخ». وأضافت بورن: «إذا لم نتوصل إلى اتفاق شامل (مع اليمين المعتدل)، فسوف نقدم مشروعنا في كل الأحوال في الخريف القادم وستكون بوصلتنا الفعالية»، مستدركة بالقول إن اللحظة «غير مناسبة لطرح مشروع من شأنه إحداث قطيعة داخل البلاد».
اللافت في كلام رئيسة الحكومة صراحتها، إذ إنها تعترف بأنها عاجزة عن السير بالمشروع وأنها سعت مع نواب حزب «الجمهوريون» للتوصل إلى تسوية، إلا أنها منيت بالفشل». ولكونها وعدت سابقاً بأنها لن تلجأ مجدداً إلى تمرير مشروع القانون من غير التصويت عليه كما فعلت بخصوص قانون التقاعد، فلم يبق أمامها سوى سحب المشروع من التداول بانتظار أن تحصل تغيرات سياسية ما في الخريطة الفرنسية. ومشكلة ماكرون وبورن أن اليمين الفرنسي بجناحيه «التقليدي والمتطرف» يرفض مشروع القانون كما هو لأنه يراه ضعيفاً ويسهل الهجرات بما فيها غير الشرعية بدل أن يضع حداً لها. وبالمقابل، فإن اليسار ومعه جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان يرفضها لأنه يعتبرها «مجحفة» بحق المهاجرين. واقترح أريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون»، اللجوء إلى الاستفتاء للتعرف على ما يريده الفرنسيون باعتبار أن هذه المسألة «أساسية وتحتاج معالجتها تعديل الدستور وأيضاً الإجراءات التي تتناول لم الشمل العائلي». ومن جانبها، قالت مارين لو بن، زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، إن ماكرون وبورن «يفتقران إلى أي شيء يعرضانه على الفرنسيين. لم تعد هناك حكومة بل إدارة فقط تكتفي بمعالجة الشؤون العادية». وبالمقابل، فإن اليسار انتقد مقترحات بورن بعنف، إذ دعاها جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» إلى «الرحيل»، فيما وصف أوليفيه فور، أمين عام الحزب الاشتراكي، ورقة الطريق التي عرضتها رئيسة الحكومة بأنها «فارغة». وفي السياق نفسه، رأت سيرييل شاتلين، رئيسة مجموعة النواب الخضر في البرلمان أن ما عرضته بورن «تعبيرات إنشائية فارغة وعديمة الجدوى».
يهدف مشروع القانون المسمى «من أجل السيطرة على تيار الهجرة وتحسين اندماج المهاجرين» أساساً إلى تحقيق مجموعة أهداف، أولها تمكين السلطات من تعجيل وتكثيف ترحيل المهاجرين الذين لا يحق لهم البقاء على الأراضي الفرنسية والذين لا يتمتعون بوضع قانوني. وتسعى السلطات من خلاله إلى الحد من ممارسة حق لم الشمل العائلي من خلال التشدد في شروط القيام به. يضاف إلى ذلك إعادة النظر بقانون اللجوء المعمول به والتسريع بالبت في الطلبات المقدمة. وبالمقابل، فإنه يرمي إلى إعطاء تأشيرة بقاء مؤقتة على الأراضي الفرنسية للمهاجرين الذين يعملون في قطاعات تحتاج إلى اليد العاملة كما في المطاعم وورشات البناء وبشكل عام في المهن الصعبة التي لا يرغب الفرنسيون بممارستها. من هنا، فإن اليمين بأنواعه يرى أن مشروع القانون يساهم في شرعنة أوضاع المهاجرين الذين وصلوا إلى فرنسا بطرق غير شرعية، وبالتالي سوف تشجع آخرين على المجيء إليها. ومن مقترحاته منع تقديم طلبات اللجوء على الأراضي الفرنسية بل خارج الحدود وطلبهم شبيه بما أقرته بريطانيا. أما اليسار، فيرى أن المشروع الحكومي «قمعي» و«غير فاعل»، وهو يسخر حق البقاء على الأراضي الفرنسية لخدمة أغراض اقتصادية. وتدعي الحكومة أنها توازن بين تسريع ترحيل المهاجرين غير القانونيين الذين يهددون النظام العام وبين تحسين دمج المهاجرين غير المتمتعين بتأشيرة إقامة والذين يحتاج إليهم الاقتصاد الفرنسي. إلا أن التوازن المزعوم مرفوض جذرياً من اليمين الذي يطالب ماكرون وبورن بـ«تبني» طروحاته والتدابير التي يريد إقرارها بحق المهاجرين غير الشرعيين.
لذا وبسبب الانقسام الذي يمكن أن يتسبب به مشروع القانون في حال طرحه اليوم، فإن الحكومة بموافقة من رئيس الجمهورية، عمدت إلى سحبه من التداول لأن همها اليوم إعادة الهدوء إلى الشارع بعد ما شهدته فرنسا خلال الأشهر الثلاثة المنقضية من احتجاجات ومظاهرات بسبب قانون التقاعد. وبأي حال، فإن البلد سيعيش يوم تعبئة إضافية في الأول من مايو (أيار) بمناسبة عيد العمل، حيث دعت النقابات إلى مظاهرات حاشدة تريد منها دفع السلطات إلى سحب قانون العمل الجديد الذي يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً. ويكفي ماكرون وبورن أن شعبيتهما اليوم في الحضيض، وبالتالي لا حاجة لمزيد من الانقطاع عن المواطنين فيما الغلاء والتضخم يضربان الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة، لا بل الطبقة الوسطى نفسها التي تجذبها الأوضاع الاقتصادية إلى أسفل.



الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.