الحكومة السورية تعيد فتح مكاتب «حركة فتح» بعد 35 عامًا من القطيعة

بعد وقوف فتح على الحياد.. وخسارة دمشق لحماس

رجال من سكان مخيم اليرموك جنوب دمشق يزيلون ركام مبنى تهدم بفعل قصف لطائرات النظام على المخيم (رويترز)
رجال من سكان مخيم اليرموك جنوب دمشق يزيلون ركام مبنى تهدم بفعل قصف لطائرات النظام على المخيم (رويترز)
TT

الحكومة السورية تعيد فتح مكاتب «حركة فتح» بعد 35 عامًا من القطيعة

رجال من سكان مخيم اليرموك جنوب دمشق يزيلون ركام مبنى تهدم بفعل قصف لطائرات النظام على المخيم (رويترز)
رجال من سكان مخيم اليرموك جنوب دمشق يزيلون ركام مبنى تهدم بفعل قصف لطائرات النظام على المخيم (رويترز)

وافقت الحكومة السورية على إعادة فتح مكاتب حركة فتح في دمشق بشكل رسمي أمس بعد 3 عقود من إغلاقها بسبب خلافات مع منظمة التحرير والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات آنذاك.
ونشرت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية أن نائب وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد، أبلغ الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دمشق بهذا القرار. وأبلغ السوريون الفلسطينيين بأن القيادي في حركة فتح سمير الرفاعي سيكون معتمدا للحركة في الجمهورية العربية السورية.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن قرار إعادة فتح المكاتب اتخذ قبل شهرين من الآن في اجتماع بين مسؤولين من الحركة ومسؤولين سوريين في دمشق. وأوضحت المصادر أن فتح المكاتب من جديد «يشير إلى اتخاذ حركة فتح والرئيس الفلسطيني محمود عباس خطا وطنيا يغلب المصلحة العامة الفلسطينية على أي اعتبارات أخرى».
وبحسب المصادر فإن موقف الحركة الحيادي من الأحداث في سوريا، والتواصل مع القيادة السورية من أجل حماية المخيمات والفلسطينيين، كان لهما اثر كبير في الموقف السوري، إضافة إلى ما وصفته المصادر بـ«التجربة المريرة للنظام السوري مع حركة حماس».
ولطالما كان النظام السوري معاديا لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وداعما لحركة حماس، قبل أن تسوء العلاقة مع الحركة الإسلامية بسبب اتخاذها موقفا مساندا للمعارضة السورية. واضطرت حماس في 2012 لمغادرة سوريا بطلب من النظام، فيما بدأت العلاقة تتحسن مع السلطة. ونقلت المصادر على لسان الرئيس السوري بشار الأسد في أحاديث سابقة مهاجمته لحماس وإشادته بموقف المنظمة الوطني مما يدور في بلاده.
وينهي قرار إعادة فتح المكاتب قطيعة استمرت أكثر من 35 عاما بين دمشق وفتح. وبدأ الحديث عن تحسن العلاقة بين النظام السوري وحركة فتح قبل عام، حين أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي عن بدء عودة العلاقات بين حركة فتح والنظام السوري بعد انقطاع استمر أكثر من 30 عاما تقريبا بين الطرفين. وأعلن زكي حينها أن الزيارة التي قام بها وفد فتح لسوريا تكللت بالنجاح، واستطاعت أن تنهي القطيعة بين النظام السوري وحركة فتح. وقبل شهرين أعلن زكي نفسه الاتفاق على فتح مكاتب للحركة من جديد.
وعملت فتح في دمشق منذ عام 1963، إذ انتقل الرئيس الراحل ياسر عرفات من الكويت إلى دمشق للإشراف على عمل الحركة، حتى عام 1966، بعد اعتقال عرفات وخروجه بعد عدة تدخلات. وظلت العلاقة بين فتح وسوريا بين مد وجزر بسبب اتهامات عرفات لدمشق بمحاولة السيطرة على القرار الفلسطيني، وتفجرت الخلافات على نطاق واسع في بداية الثمانيات، حيث دعم النظام السوري تنظيم «فتح الانتفاضة» الذي انشقّ عن حركة فتح الأم، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهو ما قاد لاحقا لحرب المخيمات.
واتهم عرفات النظام السوري بارتكاب جرائم في المخيمات، وظلت علاقته بدمشق مقطوعة.
وعادت دمشق عرفات عندما كان على رأس السلطة الفلسطينية، وكانت تطلق على السلطة اسم «سلطة أوسلو»، كما نقلت تصريحات متلفزة عن وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، وهو يوجه ألفاظا مسيئة بحق عرفات.
وفي عام 2011، في عهد الرئيس الحالي محمود عباس، أكدت فتح على حرصها على عدم التدخل في الشأن السوري، وتبع ذلك تغيير في الخطاب السياسي لمحمود عباس الذي اختار أن يركز على «مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه والعلاقات الثنائية»، وأرسل مبعوثين عدة للقاء المسؤولين السوريين.
وهذا العام أعلن عضو مركزية فتح عباس زكي أن الحركة «تصطف إلى جانب النظام السوري، وأن ما يدور في سوريا هو قتال النظام السوري لتنظيمات متشددة وإرهابية، والحديث يدور عن تعرض سوريا لهجمة شرسة تشنها مجموعات إرهابية مسلحة تتلقى تعليماتها من إسرائيل والغرب».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.