الفيديوهات الفورية... القفزة النّوعية التالية لتقنية الذكاء الصناعي

تسرِّع عمل الفنانين... وقد توظف للتضليل الإلكتروني

فيديو أُنتج بعد طبع عبارة «بقرة في عيد ميلاد»
فيديو أُنتج بعد طبع عبارة «بقرة في عيد ميلاد»
TT

الفيديوهات الفورية... القفزة النّوعية التالية لتقنية الذكاء الصناعي

فيديو أُنتج بعد طبع عبارة «بقرة في عيد ميلاد»
فيديو أُنتج بعد طبع عبارة «بقرة في عيد ميلاد»

تعمل واحدة من مجموعة من الشركات الناشئة في نيويورك، على تطوير نظام لإنتاج فيديوهات قصيرة، بالاعتماد على بضع كلمات تُطبع على جهاز الكمبيوتر.
طبع إيان سانسافيرا، مهندس برمجة بشركة «رانوي إي.آي.» الناشئة في نيويورك، توصيفاً مختصراً لما يريد رؤيته في مقطع فيديو، فكتب: «نهرٌ هادئ في الغابة»... وبعد أقلّ من دقيقتين، ولّدت خدمة إنترنت تجريبية مقطع فيديو قصيراً لنهرٍ هادئ في غابة. تدفّقت مياه النهر تحت ضوء الشمس، وتقاطعت بين الأشجار والأعشاب، ثمّ استدارت وضربت برفقٍ على الصخور.

فيديو بطباعة كلمتين
تُعدّ «رانوي Runway»، التي وفّرت خدمتها لمجموعة صغيرة لاختبارها، بداية هذا الشهر، واحدةً من شركات عدّة تعمل حالياً على تطوير تقنية ذكاء صناعي قد تتيح قريباً للناس صناعة فيديوهات بطباعة بضع كلمات في مربّع على شاشة الكمبيوتر.


فيديو أُنتج بعد طبع عبارة «كلب يحمل هاتفاً»

تمثّل هذه الشركات المرحلة المقبلة من السباق الذي تشهده هذه الصناعة - والذي يضمّ عمالقة كمايكروسوفت وغوغل بالإضافة إلى شركات ناشئة صغيرة أخرى - لابتكار أنظمة يعتقد البعض أنّها ستكون الاختراق المقبل في عالم الذكاء الصناعي، كما حصل عند ابتكار المتصفّحات الإلكترونية والآيفون.
قد تسرِّع أنظمة توليد الفيديوهات الجديدة عمل صانعي الأفلام وغيرهم من الفنّانين الرقميين، ولكنها يمكن أن تتحوّل أيضاً إلى وسيلة تضليل إلكتروني جديدة يصعب رصدها، وتزيد، من ثم، صعوبة التمييز بين الحقيقي والمزيف على شبكة الإنترنت.
تُعدّ هذه الأنظمة من الأمثلة على ما يُعرف بالذكاء الصناعي التوليدي «generative A.I»، القادر على صناعة النصوص، والصور، والأصوات بشكلٍ فوري. ومثلها الآخر هو «تشات جي.بي.تي.»، برنامج المحادثة الذي طوّرته شركة «أوبن إيه.آي.» وأذهل صناعة التقنية بقدراته، منذ أواخر العام الماضي.
وكانت شركتا «غوغل» و«ميتا (الشركة المالكة لفيسبوك)» قد كشفتا عن أوّل نظم صناعة الفيديوهات، العام الماضي، ولكنّهما لم تشاركاه مع المستخدمين بسبب مخاوف من استخدامه لنشر المعلومات المضلّلة بمستوى جديد من السرعة والفعالية.

فيديو أُنتج بعد طبع عبارة «نهرٌ هادئ في الغابة»

ويعتقد كريستوبال فالنزويلا، الرئيس التنفيذي لـ«رانوي»، أن التقنية أهمّ بكثير من أن تُترك في المختبر، رغم مخاطرها، واصفاً إيّاها «بواحدة من أكثر التقنيات المثيرة للإعجاب، التي طُوّرت في السنوات المائة الأخيرة. يجب أن نسمح للنّاس باستخدامها».
لا يُعدّ توليف الأفلام والفيديوهات، والتلاعب بها، بالأمر الجديد طبعاً، إذ يستخدم صانعو الأفلام هذه الأدوات منذ ما يقارب قرناً من الزمن. وعمد الباحثون والفنّانون الرقميون، في السنوات الأخيرة، إلى استخدام تقنيات ذكاء صناعي وبرمجيات متنوّعة لصناعة وتعديل الفيديوهات التي تشتهر باسم «ديب فيك».
لكنّ الأنظمة الشبيهة بنظام «رانوي» قد تحلّ، مع الوقت، محلّ مهارات التعديل التقليدية بكبسة زرّ.

صور غير مألوفة
تولِّد تقنية «رانوي» الجديدة فيديوهات من أي توصيف مختصر. في البداية، يمكنكم طباعة توصيف أشبه بالملاحظة القصيرة.
وقد تحصلون على نتائج أفضل، إذا تضمّن التوصيف قليلاً من الحركة - ولكن ليس الكثير - كـ«يوم ممطر في المدينة الكبيرة»، أو «كلب مع هاتف محمول في الحديقة»، ثمّ انقروا على «إدخال»، ليولّد لكم النظام مقطع الفيديو في دقيقة أو اثنتين. تستطيع التقنية أيضاً إنتاج صور مألوفة لقطٍّ ينام على بساط مثلاً، أو أن تدمج أفكاراً متباينة لتوليد فيديوهات مسلِّية لبقرةٍ في حفلة عيد ميلاد.
ينتج النظام الجديد فيديوهات لا تتعدّى مدّتها الـ4 ثوانٍ، وبنوعية تبدو باهتة وغير واضحة، عند النظر إليها عن قرب. في بعض الأحيان، تكون صوره غريبة ومشوَّهة ومريبة، خصوصاً أنّ النظام يستطيع دمج حيوانات، كالكلاب والقطط، بأجسام جامدة كالكرات والهواتف المحمولة، لكن عندما يحصل على الطلب الصحيح، ينتج فيديوهات تظهر بوضوح أين تتّجه هذه التقنية.
من جهته، قال فيليب إيزولا، أستاذ متخصص بالذكاء الصناعي في «معهد ماساتشوستس للتقنية»: «في هذه المرحلة، إذا رأيتُ مقطع فيديو عالي الدقّة، فسأثق به على الأرجح، ولكنّ هذا الأمر سيتغيّر بسرعة كبيرة».
وكغيره من تقنيات الذكاء الصناعي التوليدي، يتعلّم نظام «رانوي»، من خلال تحليل البيانات الرقمية - في هذه الحالة، من الصور، والفيديوهات، والملاحظات المرفقة التي توصّف محتوى الصور. يبدي الباحثون ثقة بقدرتهم على تحسين وتوسيع مهارات هذا النظام بسرعة، من خلال تدريبه على كميات متنامية من البيانات. ويعتقد الخبراء أن هذا النوع من التقنيات سيستطيع قريباً صناعة أفلامٍ قصيرة عالية الجودة، مع موسيقى وحوارات.
من الصعب تحديد ما يبتكره هذا النظام، في الوقت الحالي؛ لأنه ليس صورة ولا رسوماً متحركة، بل مجموعة من البيكسلات الكثيرة الممزوجة مع بعضها لتشكيل فيديو واقعي. تخطّط «رانوي» لتوفير تقنيتها، مع مجموعة من الأدوات الأخرى التي تعتقد أنّها ستسرِّع عمل الفنّانين المحترفين.
وعمدت شركات ناشئة أخرى؛ من بينها «أوبن إيه.آي.»، إلى إطلاق تقنيات مشابهة تنتج صوراً جامدة من طلبات قصيرة، كـ«صورة دبّ محشوّ يركب لوح تزلّج في تايمز سكوير». ويرجّح التقدّم السريع، الذي تشهده الصور المصنوعة بالذكاء الصناعي، أن تقنية الفيديو الجديدة ستسير في الاتجاه نفسه.
وقد عجّت وسائل التواصل الاجتماعي، الشهر الماضي، بصورٍ للبابا فرنسيس يرتدي معطفاً منفوخاً من علامة «بالنسياغا» يبدو عصرياً جداً، بالنسبة لرجل دين في السادسة والثمانين من عمره، ولكن هذه الصور لم تكن حقيقية، بل من تركيب عامل بناء (31 عاماً)، من شيكاغو، استخدم أداة ذكاء صناعي شهيرة اسمها «ميدجورني» لهذه الغاية.
تعتمد «ميدجورني Midjourney» على شبكة عصبية تتعلّم مهاراتها من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات، وتبحث عن أنماط معيّنة في ملايين الصور الرقمية والنصوص التي توصّف ما يظهر في الصور.
عندما يوصّف أحدهم صورة ما للنظام، يولّد الأخير لائحة من المزايا التي قد تتضمّنها الصورة.
يلفت فالنزويلا إلى أنّ «الفيديو هو مجموعة من الإطارات - الصور الجامدة - المدمجة بطريقة توحي بالحركة. الحيلة هنا تكمن في تدريب نموذج يفهم العلاقة والتماسك بين كلّ إطار وإطار». وكما في الإصدارات الأولى من أدوات كـ«دال-إي»، و«ميدجورني»، تجمع التقنية أحياناً الأفكار والصور بأشكال مثيرة للفضول. فإذا طلبتم دبّاً محشوّاً يلعب كرة السلّة، فقد يعطيكم نوعاً من الحيوانات المحشوة الغريبة، مع كرة سلّة في يده، وإذا طلبتم كلباً مع هاتف محمول في الحديقة، فقد تحصلون على هاتف في يد كائن بشري بجسم غريب.
• خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية تفتقر لفهم حقيقي للعالم

تكنولوجيا بحسب الدراسة أظهرت نماذج الذكاء الاصطناعي أنها لا تتعلم بالفعل الحقائق الكامنة عن العالم (أدوبي)

دراسة جديدة: نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية تفتقر لفهم حقيقي للعالم

تشير دراسة حديثة إلى أن نماذج اللغة الكبيرة تفتقر إلى فهم حقيقي للعالم، إذ تتفوق في مهام ثابتة، لكنها تتعثر مع تغييرات بسيطة، ما يثير تساؤلات حول جدواها.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد زوار في جناح شركة «أميركان إكسبريس السعودية» بمؤتمر «سيمليس» للمدفوعات الرقمية بالرياض (الشركة) play-circle 01:34

«أميركان إكسبريس السعودية»: البنية التحتية المتطورة تدعم زيادة إنفاق السياح

يرى الرئيس التنفيذي لشركة «أميركان إكسبريس السعودية» أن البنية التحتية المتطورة للمدفوعات الرقمية بالسعودية وزيادة نقاط البيع تعززان إنفاق السيّاح.

عبير حمدي (الرياض)
تكنولوجيا ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستتأثر السياسات التكنولوجية بنتائج الانتخابات الأميركية بشكل كبير بسبب اختلاف رؤى كل مرشح حول تنظيم الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات ومكافحة الاحتكار.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا توفر «غاما» منصة ذكية لإنشاء العروض التقديمية بسرعة معتمدة على الذكاء الاصطناعي لتبسيط عملية التصميم (غاما)

كيف تسهّل منصة «غاما» العروض التقديمية عبر الذكاء الاصطناعي؟

يمكن الآن للمستخدمين تحويل أفكارهم إلى شرائح عرض احترافية وجاهزة في ثوانٍ، ودون عناء التنسيق اليدوي.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تستثمر «ساس» أكثر من مليار دولار في بحث وتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي مع التركيز على السعودية كسوق رئيسية لها في المنطقة (شاترستوك)

خاص «ساس»: دمج البيانات الحقيقية والاصطناعية سيقود التحول الرقمي في السعودية

في حديث لـ«الشرق الأوسط»، تؤكد شركة «ساس» التزامها بدعم أهداف رؤية 2030 عبر استثمارات في البحث والتطوير لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (دبي)

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
TT

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)

بينما يبدأ الناخبون الأميركيون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تولي صناعة التكنولوجيا في أميركا اهتماماً كبيراً للنتائج المحتملة التي ستكون لها تأثيرات كبيرة على الذكاء الاصطناعي، وخصوصية البيانات، وتنظيمات مكافحة الاحتكار، والابتكار التقني بشكل عام. هذه القضايا أصبحت أكثر إلحاحاً مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي، ما يجعل من الضروري تقييم كيفية تأثير سياسات كل مرشح على مستقبل التكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والسلامة

يعدّ الذكاء الاصطناعي أحد القضايا التقنية الأكثر أهمية في هذه الانتخابات، حيث تتسارع وتيرة تطوير وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكذلك النقاشات حول تنظيمها، والمعايير الأخلاقية، والتنافسية العالمية.

وقد أعربت المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس عن التزام قوي بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مركزةً على أهمية الالتزام بمعايير أخلاقية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقت إدارة بايدن - هاريس تنظيمات جديدة للذكاء الاصطناعي في عام 2023، تهدف إلى معالجة قضايا مثل الشفافية الخوارزمية، والتحيزات المحتملة، ومعايير الأمان. وتهدف هذه التدابير إلى حماية المستهلكين ومنع الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، ولكن بعض خبراء الصناعة يخشون أن تعيق هذه التدابير الابتكار. وترى هاريس أنه من دون الضوابط المناسبة، يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وعواقب غير مقصودة، ما يعكس نهجاً حذراً لتكامل الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول مع مراعاة المخاوف الأخلاقية.

من المتوقع أن يمنح المرشح الجمهوري دونالد ترمب شركات التكنولوجيا الكبرى حرية أكبر بالأسواق الأميركية (أدوبي)

على النقيض من ذلك، يدعو مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب إلى اتباع نهج أكثر حرية فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي. ترمب يرى أن التنظيم الزائد يمكن أن يعرقل بقاء الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، خاصة أمام دول مثل الصين التي تستثمر بشكل كبير في هذه التكنولوجيا مع قيود تنظيمية أقل. ومن المتوقع أن يركز ترمب، بالتعاون مع قادة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك مالك شركة «إكس» على تخفيف الضوابط حول تطوير الذكاء الاصطناعي لدفع الابتكار بوتيرة أسرع. وقد يساهم هذا النهج في تحقيق تقدم تكنولوجي أسرع، لكن البعض يخشى أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات اجتماعية غير متوقعة ويخلق تحديات فيما يتعلق بالشفافية والمساءلة في استخدام الذكاء الاصطناعي.

الاختلاف بين هاريس وترمب حول الذكاء الاصطناعي يعكس النقاشات الأوسع حول تحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم، حيث تركز هاريس على ضرورة ضمان الأمان والاعتبارات الأخلاقية، بينما يركز ترمب على الميزة التنافسية مع حواجز تنظيمية أقل أمام قطاع التكنولوجيا.

يرى مراقبون أن الانتخابات ستحدد مسار التكنولوجيا بين تنظيم حذر أو حرية أكبر (أدوبي)

خصوصية البيانات

بلا أدنى شك، أضحت خصوصية البيانات واحدة من أهم القضايا الملحة في مشهد التكنولوجيا، حيث ازداد الوعي بالطرق التي تتبعها الشركات لجمع وتخزين واستخدام البيانات الشخصية، ما يخلق طلباً متزايداً على قوانين شاملة لحماية خصوصية البيانات التي تضمن حقوق الأفراد وتدعم النمو الرقمي.

ولطالما كانت كامالا هاريس مناصرة قوية لحماية خصوصية البيانات، مستلهمةً من خلفيتها كمدعية عامة سابقة لولاية كاليفورنيا، حيث أشرفت على تنفيذ قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) الذي يمكن لجميع سكان كاليفورنيا بموجبه ممارسة الحق في طلب جميع البيانات الخاصة بهم التي قامت الشركات بتخزينها. وتؤمن هاريس بأهمية وضع معايير فيدرالية لحماية البيانات، تدعم من خلالها تمكين الأفراد من السيطرة على بياناتهم، وتنظم كيفية جمع ومشاركة الشركات للمعلومات، وتعزز الشفافية. ويمكن أن توفر هذه التدابير ثقة أكبر للمستهلكين في الخدمات الرقمية، لكنها قد تفرض أيضاً أعباء امتثال إضافية على شركات التكنولوجيا، خاصة الشركات الصغيرة التي تملك موارد محدودة.

في مقابل ذلك، لم يحدد دونالد ترمب موقفاً واضحاً بشأن خصوصية البيانات. خلال فترة رئاسته السابقة، كانت إدارته تفضل تقليل الأعباء التنظيمية على الشركات، وامتد هذا النهج إلى تشريعات الخصوصية. ويركز ترمب بشكل عام على تعزيز النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أن تقليل القوانين التنظيمية يسمح للشركات بالازدهار دون تدخل بيروقراطي. في حين أن هذا النهج قد يوفر مرونة لشركات التكنولوجيا، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يأتي على حساب حقوق خصوصية المستهلك وأمن البيانات.

وجهات النظر المتباينة بين المرشحَين حول خصوصية البيانات تؤكد على أهمية الانتخابات المقبلة في تحديد المستقبل الرقمي، حيث يمكن أن يؤدي موقف هاريس إلى مشهد أكثر تنظيماً يهدف إلى حماية بيانات المستهلك، بينما قد يركز نهج ترمب على مرونة الشركات، ما يترك حماية الخصوصية بشكل أكبر للشركات نفسها.

كامالا هاريس أظهرت دعمها تنظيم الذكاء الاصطناعي لضمان السلامة ومعالجة التحيزات الخوارزمية (أ.ف.ب)

تنظيمات مكافحة الاحتكار

دور الشركات التكنولوجية الكبيرة في الاقتصاد هو موضوع آخر مثير للجدل في انتخابات 2024. هيمنة شركات مثل «أبل» و«غوغل» و«ميتا» و«أمازون» أدت إلى دعوات من كلا الحزبين لتشديد الرقابة المتعلقة بمكافحة الاحتكار واتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز المنافسة العادلة. ويدرك كلا المرشحين التحديات التي تطرحها هذه الشركات القوية، لكنهما يقترحان حلولاً مختلفة.

أبدت كامالا هاريس دعماً مستمراً لنهج إدارة جو بايدن الصارم تجاه تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار. وقد قامت الإدارة بملاحقة عدد من القضايا البارزة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، بهدف كبح الممارسات الاحتكارية، وزيادة المنافسة، وخلق ظروف سوق أكثر عدالة. كما يشمل برنامج هاريس التزاماً بتفكيك الاحتكارات التكنولوجية إذا لزم الأمر، مع التركيز على الحالات التي تتحكم فيها الشركات التكنولوجية الكبرى بشكل مفرط في الأسواق أو تعرقل الابتكار. ويشير نهج هاريس إلى استعدادها لاستخدام السلطة الفيدرالية لمساءلة الشركات الكبرى ومنع الممارسات غير التنافسية، بهدف تحقيق توازن بين مصالح المستهلكين والشركات الصغيرة.

دونالد ترمب كان أيضاً ناقداً للتكنولوجيا الكبيرة، لكن نهجه في تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار كان أقل تنظيماً. بينما عبّر ترمب عن استيائه من شركات التكنولوجيا الكبيرة، غالباً ما كانت دوافعه مدفوعة بخلافات شخصية، ولم تتبع إدارة ترمب نهجاً ثابتاً تجاه تنظيم الاحتكار. إذا فاز ترمب في الانتخابات، فمن المتوقع أن تتبنى إدارته نهجاً أقل تنظيماً بشكل عام، مع التركيز على تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد. قد يوفر هذا مزيداً من الحرية للشركات التكنولوجية الكبرى، لكنه قد يثير المخاوف بشأن قوة السوق غير المقيدة وقلة المنافسة.

تحظى خصوصية البيانات بأهمية قصوى مع تزايد الوعي بحماية المستخدمين (أدوبي)

الاستثمار في الاقتصاد المستقبلي

يعتمد مستقبل قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة أيضاً على آراء كل مرشح حول تعزيز الابتكار. ويدرك كل من هاريس وترمب أهمية الاستثمار في التكنولوجيا من أجل النمو الاقتصادي، لكن لديهما رؤى مختلفة حول أفضل السبل لدعم الابتكار في عالم رقمي سريع التغير.

كامالا هاريس قدّمت نفسها كداعم لسياسات داعمة للتكنولوجيا، بما في ذلك المبادرات للاستثمار في وصول الإنترنت عريض النطاق، وصناعة أشباه الموصلات، والبنية التحتية الرقمية. ويعكس تركيزها على خلق بيئة تقنية تنافسية ومنظمة إيمانها بدور الحكومة في توجيه الابتكار المسؤول. وتدعو هاريس أيضاً إلى سياسات تشجع على تكوين قوة عمل تقنية متنوعة وشاملة، بهدف جعل الاقتصاد الرقمي متاحاً لجميع الأميركيين. ومع ذلك، فإن التزامها بالإجراءات التنظيمية، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات، دفع بعض قادة الصناعة إلى التساؤل عما إذا كانت سياساتها قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة التقدم التكنولوجي.

أما دونالد ترمب فيظهر دعماً لبيئة غير منظمة لتشجيع الابتكار، مع التركيز على الحوافز الاقتصادية وتقليل تدخل الحكومة. اختياره جيه دي فانس شريكاً مرشحاً له يدعم موقفه الذي يحظى بدعم شخصيات بارزة في وادي السيليكون الذين يفضلون الحد الأدنى من التنظيم، خاصة فيما يتعلق بالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا واستثمارات رأس المال الجريء. ومن المتوقع أن تركز سياسات ترمب على تقليل الحواجز أمام شركات التكنولوجيا الناشئة وخلق بيئة صديقة للأعمال مع قيود تنظيمية أقل. في حين أن هذا النهج قد يحفز النمو الاقتصادي، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يؤدي إلى نقص الرقابة، ما قد يضرّ بالمستهلكين أو يؤدي إلى ممارسات تجارية غير أخلاقية.

ومن خلال التركيز على التنظيم والاعتبارات الأخلاقية أو على إلغاء التنظيم والنمو الاقتصادي، يعكس كل مرشح نهجه في الابتكار الفجوة الآيديولوجية الأوسع حول كيفية تطوير قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

محورية لمستقبل التكنولوجيا

يقدم المرشحان في الانتخابات الرئاسية الأميركية للناخبين رؤيتين متمايزتين لمستقبل سياسة التكنولوجيا. يتمحور نهج كامالا هاريس حول التنظيم المسؤول، وحماية المستهلك، والمعايير الأخلاقية، بهدف خلق قطاع تكنولوجي يركز على العدالة والمساءلة. على النقيض من ذلك، يركز نهج دونالد ترمب على إلغاء التنظيم والابتكار السريع، مع أولوية للنمو الاقتصادي والتنافسية الوطنية.

وكما يبدو، يمثل كل مسار فوائده ومساوئه المحتملة، حيث يمكن أن يؤدي نهج هاريس إلى صناعة تقنية أكثر أماناً وعدالة، لكنه قد يبطئ بعض أشكال الابتكار، بينما قد تسهم سياسات ترمب في تسريع التقدم التقني والنمو الاقتصادي، لكنها قد تثير المخاوف بشأن الخصوصية واحتكار السوق والممارسات الأخلاقية.