«صالون ديل موبيلي» 2023... دعوة لأسلوب عيش متكامل

بيوت الأزياء تقتحمه بأثاث مريح وأطباق شهية

«هيرميس» ترى أن الجمال يجب أن يلمس كل شيء  حتى أبسط الأشياء (ماكسيم فيري)
«هيرميس» ترى أن الجمال يجب أن يلمس كل شيء حتى أبسط الأشياء (ماكسيم فيري)
TT

«صالون ديل موبيلي» 2023... دعوة لأسلوب عيش متكامل

«هيرميس» ترى أن الجمال يجب أن يلمس كل شيء  حتى أبسط الأشياء (ماكسيم فيري)
«هيرميس» ترى أن الجمال يجب أن يلمس كل شيء حتى أبسط الأشياء (ماكسيم فيري)

معرض الأثاث المعروف باسم «صالوني ديل موبيلي» السنوي الذي تجري فعالياته تحت راية «أسبوع التصميم الميلاني» في كل فصل ربيع، انطلق أول مرة في عام 1961. انطلاقته كانت متواضعة يقودها 13 شركة أثاث فقط بهدف تعزيز الصادرات الإيطالية من المفروشات والإكسسوارات. لكن شتان بين الأمس واليوم. فقد أصبح مع الوقت بأهمية الأوسكار للسينما وأسبوع الـ«هوت كوتور» للموضة العالمية. هو بكل بساطة أهم معرض خاص بالأثاث والأدوات المنزلية وكل ما يمت لأسلوب العيش بصلة، ويعكس ثقافة العصر ومتطلباته، لا سيما بعد أن اقتحمت بيوت أزياء مجاله لتستعرض قوتها، إما في مجال الفن مثل دار «بوتيغا فينيتا» التي حوَلت محلها الواقع في شارع «مونتينابوليوني» معرضاً فنياً، أو في مجال العيش مثل «هيرميس» و«ديور» و«لويفي» و«فندي» ورالف لورين» وغيرهم ممن قدموا كل ما يتعلق بالبيت من تفاصيل، من أثاث وأدوات منزلية وورق جدران وغيرها. مجرد فكرة إغلاق المحل تجارياً أمام الزبائن وفتحه فنياً لعرض هذه التفاصيل يؤكد أهميتها في حياتنا اليومية وكاستراتيجية مُربحة بالنسبة لبيوت الأزياء. فحسب شركة «أورومونيتور إنترناشيونال»، فإن هذا القطاع الذي يُقدّر بـ643 مليار دولار ينمو سنوياً بنسبة 5 في المائة. نموه هذا لا يقتصر على عشاق الموضة ممن يريدون أن تعكس الصورة ذوقهم وإمكاناتهم فحسب، بل يرتبط أيضاً بالانتعاش الذي يشهده بناء فنادق وشقق خمس نجوم.

كرسي «ميداليون» Medallion كما أبدعه  فيليب ستارك لديور (ديور)

في خضم كل هذا، لا بد من الإشارة إلى أن المعرض لم يفقد قوته في أغلب نسخاته التي وصلت هذا العام إلى 61. حتى فترة الحجر الصحي خرج منها أكثر قوة وجاذبية. فالكل عاش فترة عصيبة من العزلة، أثرت على المستويين الجسدي والنفسي، وأكدت المقولة البريطانية الشهيرة إن «بيت الإنسان مملكته». فمن بين الأشياء التي تغيَرت فينا أن تعلُقنا زاد بالبيت، وبكل ما يتعلق به من ديكورات وأثاث وتفاصيل أخرى من شأنها أن تجعله ملاذاً ومتعة لكل الحواس، سواء كان مجرد شمعدان أو أباجورة أو مزهرية أو كنبة أو سجادة ناعمة. هذه الثقافة «البيتوتية» أنعشت هذا القطاع الذي يُقدر حالياً بـ4.3 تريليون دولار، كما شجعت ما لا يقل عن 2000 علامة وشركة متخصصة، للمشاركة في المعرض. بالنسبة للمشاركين هو منصة مناسبة لاستعراض مهاراتهم الإبداعية والفنية والحرفية على حد سواء. فهنا تلتقي فنون الهندسة المعمارية والنحت والرسم مع جمال التصميم وفنون العيش. كنبة أو كرسي أو طاولة هنا تتحول قطعاً فنية تختزل تاريخاً وقصصاً كثيرة من دون أن تتجرد من وظيفتها العملية تماما، وأباجورة بمواد حديثة وألوان فاتحة يمكن أن تغير من شخصية المكان وأجوائه فيُصبح العادي رومانسياً أو مفعماً بالرفاهية. أما طبق تقديم فواكه أو إبريق شاي وفناجين القهوة والشاي فهي لوحات فنية تغذي العين قبل أي شيء. الجميل في هذه المعروضات المنزلية أنها لا تطمح لدخول المتاحف بقدر ما تستهدف بيوت الأثرياء والفنانين، وأيضاً الفنادق الفخمة أو النوادي الخاصة.

(من جيورجيو أرماني)

بالنظر إلى أهمية المعرض، من البديهي أن تقتحمه علامات ارتبطت في أذهاننا بالأزياء والإكسسوارات، لكن لها باعاً في مجال تصميم الديكورات المنزلية وقطع الأثاث مثل «هيرميس» و«جيورجيو أرماني» و«إيترو» و«ديور» و«فندي» وغيرهم. منهم من دخل المجال منذ زمن، ومنهم من جرّب حظه فيه في العقود الأخيرة، بإيحاء من زبائنهم ممن يريدون أن تكون صورة الترف التي يعيشونها متكاملة. يفتحون أعينهم عليها صباحاً وينهون يومهم بها مساءً. «هيرميس» و«ديور» و«فندي» و«دولتشي أند غابانا» و«جيورجيو أرماني» و«لويفي» و«فيرساتشي» وغيرهم، من الأسماء المألوفة في المعرض. كل سنة يقدمون جديداً يشمل قطع أثاث أو أدوات مطبخ وإكسسوارات تستلهم ألوانها ونقشاتها من عالم الموضة لمزيد من الإغراء والجذب. لكن دائماً حريصة على الحرفية العالية حتى تكون في المستوى المطلوب. ما يُحسب لهم أنهم، وللارتقاء بالمستوى، لا يتوانون عن التعاون مع فنانين ومهندسين وخبراء عالميين. «بوتيغا فينيتا» مثلاً تعاونت مع الفنان غايتانو بيتشي لتحويل متجرها الواقع في شارع «مونتينابوليوني» الشهير مزاراً فنياً. فبيتشي سبق وصمم لها ديكور عرضها الأخير في ميلانو وكان حديث الجميع؛ نظراً لأشكال الكراسي المبتكرة وألوانها المتوهجة. منحت الدار الفنان كامل الصلاحية، وكانت النتيجة أنه لفّ المحل بالكامل بقماش مطلي بالراتينغ صبغه بألوان هادئة تبدو من بعيدة وكأنها من الفن الانطباعي. الشيء نفسه يمكن قوله عن المصمم جيورجيو أرماني، الذي اختار أن يقدم مجموعته المنزلية الجديدة في قصر أورسيني، المقر الرئيسي للدار، والذي فتح ولأول مرة أبوابه لزوار أسبوع التصميم الميلاني.

شملت اقتراحات جيورجيو أرماني كنبات وشمعدانات (جيورجيو أرماني)

المصممان دولتشي وغابانا في المقابل، قاما بمبادرة تدعم فنانين شباباً من كل أنحاء العالم. طلبوا من 10 فنانين أن يترجموا، كل بطريقته، التقنيات الحرفية الإيطالية بنظرة شابة وحيوية. ولم يُخيّب أي منهم الأمل. فقد طرحوا منتجات متنوعة تتباين بين الطاولات والموائد وبين الكنبات وأواني تقديم الطعام. كلها بفنية مع إشارات بعضها إلى رموز الدار واستعمال الحروف الأولى من اسم دولتشي وغابانا.
بالنسبة لدار «ديور» فقد واصلت تعاونها مع «فيليب ستارك» للعام الثاني على التوالي. في عام 2022، قدَم مجموعة ركَز فيها على «ميس ديور». أما هذا العام، فركَز على كرسي «ميداليون» Medallion الأيقوني الذي كان يستعمله المؤسس كريستيان ديور. زوَده بمسند للذراع، وقدمه في مجموعة تدمج المهارة الحرفيّة بالتكنولوجيا الأكثر تطوراً. استعمل فيه أيضاً ألواناً ومواد مختلفة في القطعة الواحدة، مثل الألمنيوم المصقول أو المطلي بالبرنيق، فضلاً عن قماش «بوكليه» باللون الأبيض المائل إلى البيج، وقماش «توال دو جوي» باللون الزهري، أو الأسود، أو البرتقالي المتقزّح.

تعاونت دار «دولتشي أند غابانا» مع 10 فنانين من كل أنحاء العالم ليترجموا الحِرفية الإيطالية بلغتهم (دولتشي أند غابانا)

طبعاً لا يكتمل الحديث عن مساهمة بيوت الأزياء في المعرض من دون ذكر «هيرميس». إلى جانب أنها وجه مألوف فيه، فإنها وفي هذا العام، احتفلت بالجمال بكل أوجهه، حسب قولها؛ «الجمال الذي يتجلى في أبسط الأشياء»، في ملعقة أو كرسي أو طبق تقديم. لكن الطريقة التي نُفّذت بها كل قطعة تفرُق كثيراً عما تقدمه الشركات العادية؛ لأنها وبكل بساطةللأبد. تُعبّر عن الرفاهية كما تُعبّر عن المركز الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
TT

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)

عشر سنوات فقط مرت على إطلاق علامة «بيوريفيكايشن غارسيا» حقيبتها الأيقونية «أوريغامي». بتصميمها الهندسي وشكلها ثلاثي الأبعاد لفتت الأنظار منذ أول ظهور لها. واحتفالاً بمكانتها وسنواتها العشر، تعاونت العلامة الإسبانية مؤخرا، مع أربع مُبدعات في الفنون البلاستيكية لترجمتها حسب رؤيتهن الفنية وأسلوبهن، لكن بلغة تعكس قِيم الدار الجوهرية. هذه القيم تتلخص في الألوان اللافتة والخطوط البسيطة التي لا تفتقر إلى الابتكار، أو تبتعد عن فن قديم لا يزال يُلهم المصممين في شتى المجالات، قائم على طيّ الورق من دون استخدام المقص أو الغراء، ألا وهو «الأوريغامي». فن ياباني تكون فيه البداية دائماً قاعدة مربّعة أو مكعّبة.

المكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميم الحقيبة إلى جانب جلد النابا الناعم والمرن (بيوريفكايشن غارسيا)

ولأن يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، صادف اليوم العالمي لفن «الأوريغامي»، فإنه كان فرصة ذهبية لتسليط الضوء على حقيبة وُلدت من رحم هذا الفن ولا تزال تتنفس منه تفاصيلها.

فالمكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميمها؛ إذ تبدأ العملية باختيار جلد النابا تحديداً لنعومته، وبالتالي سهولة طيّه ومرونته في الحفاظ على شكله. بعد تمديد الجلد، يتم تحديد النمط وإضافة دعامات مثلثة للحفاظ على هيكله، لتُضاف بعد ذلك المُسنّنات يدوياً لخلق حركة انسيابية على الجلد.

للاحتفال بميلاد الحقيبة العاشر وفن «الأوريغامي» في الوقت ذاته، منحت «Purificacion Garcia» أربع مُبدعات، وهن: ألبا غالوتشا وكلارا سيبريان وصوفي أغويو وسارة أوريارتي، حرية ترجمتها حسب رؤية كل واحدة منهن، مع الحفاظ على أساسياتها.

ألبا غالوتشا، وهي ممثلة وعارضة أزياء وفنانة، تعتمد على الأنسجة والخزف كوسيلة للتعبير عن نفسها، وتستقي إلهامها من الحياة اليومية، والاحتفال بتضاريس الجسد. استوحَت الحقيبة التي ابتكرتها من عشقها للأنماط والهياكل والبناء. تقول: «حرصت على الجمع بين ما يُعجبني في شكل هذه الحقيبة وما يستهويني في جسم الإنسان، لأبتكر تصميماً فريداً يعكس هذَين المفهومَين بشكلٍ أنا راضية عنه تماماً».

حرصت ألبا على الجمع بين تضاريس الجسد وأنماط وهياكل البناء (بيوريفكايشن غارسيا)

أما كلارا سيبريان، فرسّامة تحبّ العمل على مواضيع مستوحاة من جوانب الحياة اليومية ويمكن للجميع فهمها والتماسها. تقول عن تجربتها: «أنا وفيّة لأكسسواراتي، فأنا أحمل الحقيبة نفسها منذ 5 سنوات. وعندما طُلب مني ابتكار نسختي الخاصة من هذه الحقيبة، تبادرت فكرة إلى ذهني على الفور، وهي إضفاء لمستي الشخصية على حقيبة (Origami) لتحاكي الحقيبة التي أحملها عادةً بتصميمٍ بسيطٍ تتخلّله نقشة مزيّنة بمربّعات».

من جهتها، تستمد سارة أوريارتي، وهي فنانة متخصصة في تنسيق الأزهار والمديرة الإبداعية في «Cordero Atelier»، إلهامها من الطبيعة، ولهذا كان من الطبيعي أن تُجسّد في نسختها من حقيبة «أوريغامي»، السلام والهدوء والجمال. تشرح: «لقد ركّزت على تقنية (الأوريغامي) التي أقدّرها وأحترمها. فكل طيّة لها هدف ودور، وهو ما يعكس أسلوبي في العمل؛ إذ كل خطوة لها أهميتها لتحقيق النتيجة المرجوة. لذلك، يُعتبر الانضباط والصبر ركيزتَين أساسيتَين في هذَين العملَين. وأنا أسعى إلى إيجاد التوازن المثالي بين الجانب التقني والجانب الإبداعي، وهذا ما يلهمني لمواصلة استكشاف الجمال الكامن في البساطة».

كلارا رسّامة... لهذا عبّرت نسختها عن رؤيتها الفنية البسيطة التي أضافت إليها نقشة مزيّنة بمربّعات (بيوريفكايشن غارسيا)

وأخيراً وليس آخراً، كانت نسخة صوفي أغويو، وهي مستكشفة أشكال ومؤسِّسة «Clandestine Ceramique»، التي تشيد فيها كما تقول بـ«تصميم يتداخل فيه العملي بجمال الطبيعة، وبالتالي حرصت على أن تعكس التناغم بين جوهر دار (بيوريفكايشن غارسيا) القائمة على الأشكال الهندسية وأسلوبي الخاص الذي أعتمد فيه على المكوّنات العضوية. بالنتيجة، جاءت الحقيبة بحلّة جديدة وكأنّها تمثال منحوت بأعلى درجات الدقة والعناية».