تساؤلات حول إشارة «تويتر» لجهات تمويل المؤسسات الإعلامية

تساؤلات حول إشارة «تويتر» لجهات تمويل المؤسسات الإعلامية
TT

تساؤلات حول إشارة «تويتر» لجهات تمويل المؤسسات الإعلامية

تساؤلات حول إشارة «تويتر» لجهات تمويل المؤسسات الإعلامية

اصطدمت منصة «تويتر» من جديد بشبكات إعلامية بارزة بعدما قرّر إيلون ماسك، مالك «تويتر» والرئيس التنفيذي للشركة، إضافة تسمية جديدة مُثيرة للجدل تفصح عن «المموّل الأصلي للمؤسسة الإعلامية، وما إذا كانت تابعة لجهة حكومية أو خاصة».
وعلى خلفية القرار، اتجه «تويتر» إلى إضافة جملة تعريفية تنص على «وسائل إعلام ممولة من الحكومة» في مساحة تعريف حسابات بعض وسائل الإعلام مثل شبكة الـ«إن بي آر» وكذلك الـ«بي بي إس»، مما اعتبرته هذه الجهات «أمراً غير لائق»، ووصفته بـ«غير المقبول».
خطوة «تويتر» هذه أثارت سجالاً حول ما إذا كانت الإشارة إلى التمويل الحكومي، اتجاه نحو الشفافية، أم مناورة تستهدف التشكيك في مصداقية المؤسسات الصحافية والإعلامية، لا سيما أن رد الشبكات الصحافية جاء قوياً بالانسحاب من حسابات منصة «تويتر». ولقد أعلن جون لانسينغ، الرئيس التنفيذي لـ«إن بي آر»، شخصياً انسحاب الشبكة من حساباتها على «تويتر»، وقال لـ«سي إن إن» مصرّحاً: «لن نثق مرة أخرى في شبكة تقوّض صدقيتنا وتلمح إلى معلومات مضللة عنا». وما يجدر ذكره أن الشبكة الأميركية البارزة تمتلك خمسين حساباً على «تويتر»، ويتابعها أكثر من 17 مليون مغرد، مما اعتبره خبراء خسارة موجعة لـ«تويتر»، لا سيما أن الـ«إن بي آر» نشرت عدة تغريدات لتوجيه متابعيها لمتابعة حسابات الشبكة على منصات منافسة.
خطوة ماسك، جاءت أسوة بما اتخذته منصة «تويتر» تجاه مؤسسات إعلامية صينية وروسية مثل «روسيا اليوم» ووكالة «تاس»، وكذلك صحيفة «تشاينا بيبول ديلي»، غير أن الشبكة الأميركية اعتبرت في ذلك «إجحافاً لاستقلاليتها التحريرية»، حسب تصريحات لانسينغ.
تاج الدين الراضي، المتخصص في الإعلام الرقمي بدولة الإمارات العربية المتحدة، اعتبر خلال حوار مع «الشرق الأوسط» قرار ماسك جزءاً من رؤية كاملة لـ«تويتر» كان يلمح لها ربما من قبل توليه زمام الأمور. فقد «تكلم ماسك مراراً وتكراراً عن حرية تداول المعلومات، التي يعد جزءاً منها الإفصاح عن بيانات علنية لصاحب الحساب». وأردف: «ربما يحق للمغرد العادي على (تويتر) أن يعرف ما إذا كان الحساب الذي ينقل له معلومات وأخبار يتبع جهة بعينها، سواء حكومية أو مؤسسة، كون هذا يصب في صالح معيار الشفافية وتدقيق المعلومات، لا سيما أن نحو 85 في المائة من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، هم من عموم الناس لا تتوفر لديهم معلومات دقيقة».
ثم فسر الراضي حالة الرفض، التي انتابت المؤسسات الإعلامية التي طالها قرار ماسك، قائلاً: «المؤسسات عين الحديث ترى أن ما تقدمه للجمهور، لا يقع في نطاق الدعاية لقرارات الحكومات المموّلة لهم، كما أنها شبكات إخبارية ضخمة تقدم منتجات إعلامية متنوعة في العالم، وتسميتها كجهة مموّلة من حكومة بعينها ربما يؤثر على صدقيتها لاحقاً. وللعلم، ثمة أزمات عدة واجهتها منصة (تويتر) منذ تولي ماسك الأمور، وبدأت بتسريح نحو 80 في المائة من الموظفين، ثم تغيير سياسة توثيق الحسابات لتصبح مدفوعة، ومن ثم جرى تغيير عصفور (تويتر) الشهير لكلب... وأخيراً، خوض معركة مع المؤسسات الإعلامية تحت نطاق تحقيق المصداقية وتدقيق المعلومات، كل هذا دفع بتساؤلات حول سياسة ماسك وتأثيرها على مستقبل المنصة، التي لها باع في التواصل الاجتماعي ونقل المعلومات». وتابع الراضي: «سياسة (تويتر) تحت قيادة ماسك تعكس تجربته الشخصية كمستخدم عادي، وكأنه يبحث عن تغيير كل ما كان يزعجه شخصياً... وتبدو المؤسسات والحكومات وكأنها ليست على رأس اهتمامات ماسك، بينما الأولوية تصب في صالح المستخدم العادي، والقاعدة الأكبر لدى المنصة».
المؤكد أن الاستثمار جزء من سياسة ماسك، غير أن الراضي يرى أن «المؤسسات والحكومات تأتي في مرتبة ثانية»، قائلاً: «تبحث (تويتر) عن تحقيق أرقام تعكس تفاعلاً ضخماً، وبناء عليها تقدم خدمات مدفوعة للمؤسسات والحكومات... إنه تفكير استثماري يتصف بالمنطقي، فماسك يراهن على إرضاء الجمهور».
وفي حين يرى مراقبون أن انسحاب الـ«إن بي آر» من «تويتر» ليس حلاً، يرى الراضي أن «الإعلام الرقمي والذكي هو الحاضر والمستقبل، والمؤسسات الإعلامية مُضطرة لأن تكون موجودة على منصات التواصل الاجتماعي الراهنة، غير أن الاستمرارية مرهونة بجودة المنتج الإعلامي». ويضيف: «كما أنها - أي منصات التواصل - من وسائل الحرب الناعمة المتاحة للجميع، التي ينبغي على كل الدول والحكومات التعامل معها باحترافية ودقة عالية، وفق ركيزة احترام حرية نقل المعلومات وتحري الدقة في ذلك». هذا، ودخل البيت الأبيض على خط السجال، موجهاً انتقادات لـ«تويتر» بعد وصفها شبكة «إن بي آر» بأنها «تابعة للحكومة الأميركية». وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في مؤتمر صحافي أخيراً: «ليس هناك شك في استقلالية شبكة إن بي آر».
من جهة ثانية، قال رامي المليجي، مدير الاستوديو الرقمي في قناة الغد ومستشار الإعلام الرقمي، في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «إن توجه (تويتر) نحو الإشارة إلى الجهة المموّلة ليس الأول من نوعه، إذ سبقته في ذلك منصة (فيسبوك). وحسب تبرير منصات التواصل الاجتماعي، فإن الهدف هو تحقيق الشفافية... وقد عززت الحرب الأوكرانية - الروسية هذا التوجه على خلفية حالة الاستقطاب السياسي العالمي». ويرى المليجي أن «المؤسسات الإعلامية هي البداية فقط، ولاحقاً ستُطبق القاعدة عينها على جميع الحسابات المدعومة من جهات بعينها بغرض محاربة التوجيه السياسي ودرء الأخبار المضللة».
أيضاً، أكد المليجي أن الخطة التي تتبعها منصات التواصل الاجتماعي راهناً جاءت كرد فعل بعدما «تورطت في حروب سياسية بدأت منذ الانتخابات الأميركية 2016... ثم تعمّق الدور السياسي لمنصات التواصل في انتخابات 2020». ولفت إلى أن «التورط السياسي، الذي وقعت فيه منصات التواصل الاجتماعي بات يهدد وجودها، كما أنه يحيدها عن الدور الأساسي المنوط بها وهو التواصل الاجتماعي». غير أنه، في المقابل، يرى مبرراً في انزعاج المؤسسات الإعلامية التي جرى تعريفها تحت إشارة «مموّلة من الحكومة». ويقول: «ثمة فرق كبير بين الإفصاح عن تمويل حكومي وآخر شعبي يصبّ في صالح المواطن، وهي النقطة التي أثارتها شبكة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في لقائها مع ماسك».
المليجي يقول أيضاً: «أتفهم رغبة إيلون ماسك في إثارة الجدل ليضمن البقاء في الأضواء، وهو نفسه خاض صفقة (تويتر) بدافع سياسي... غير أن تحقيق الشفافية يتحقق حين نضع المحتوى على رأس الأولويات وليس صانع المحتوى». ويستطرد: «لا مانع من الإشارة إلى الجهة التابعة أو المموّلة؛ لكن ليس على هذا النحو... إذ يمكن مثلاً تقديم المنصة تقريراً سنوياً حول الحسابات وجهات تمويلها، بينما الإشارة في المساحة التعريفية تحمل ثمة توجيه للمستخدمين على نحو سياسي وربما عرقي في وقت لاحق».


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك رئيس شركة «تسلا» ومنصة «إكس» (أ.ب)

إيلون ماسك يسخر من مسؤول كبير في «الناتو» انتقد إدارته لـ«إكس»

هاجم إيلون ماسك، بعد تعيينه مستشاراً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مسؤولاً كبيراً في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك منصة «إكس» (رويترز)

صحف فرنسية تقاضي «إكس» بتهمة انتهاك مبدأ الحقوق المجاورة

أعلنت صحف فرنسية رفع دعوى قضائية ضد منصة «إكس» بتهمة استخدام المحتوى الخاص بها من دون دفع ثمنه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع انتخابي لترمب (أ.ف.ب)

إهانة عبر «إكس»: ماسك يصف المستشار الألماني بـ«الأحمق»... وبرلين ترد بهدوء

وجّه إيلون ماسك إهانة مباشرة للمستشار الألماني أولاف شولتس عبر منصة «إكس»، في وقت تشهد فيه ألمانيا أزمة حكومية.

«الشرق الأوسط» (أوستن (الولايات المتحدة))
العالم الانشغال الزائد بالتكنولوجيا يُبعد الأطفال عن بناء صداقات حقيقية (جامعة كوينزلاند) play-circle 00:32

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

تعتزم الحكومة الأسترالية اتخاذ خطوات نحو تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».