إسرائيل قلقة من تدخل الصين في الصراع مع الفلسطينيين

لا تريد لها حضوراً أوسع في المنطقة على حساب الأميركيين

كلام صورة : رئيس الوزراء الاسرائيلي (أ.ب)
كلام صورة : رئيس الوزراء الاسرائيلي (أ.ب)
TT

إسرائيل قلقة من تدخل الصين في الصراع مع الفلسطينيين

كلام صورة : رئيس الوزراء الاسرائيلي (أ.ب)
كلام صورة : رئيس الوزراء الاسرائيلي (أ.ب)

قالت مصادر إسرائيلية، إن محاولات الصين الدخول على خط الصراع المستمر مع الفلسطينيين منذ عقود، يقلق إسرائيل، بعدما نجحت بكين في تجديد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأظهرت نفسها لاعباً مهماً في المنطقة.
وطرحت الصين مساعدة الطرفين من أجل تجاوز الخلافات بينهما، قبل أيام، وهي مبادرة أقلقت إسرائيل، «باعتبار أنها محاولة أخرى من بكين لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة».
وكتبت صحيفة «معريب» الإسرائيلية، أن الصين «تحاول الدخول على خط الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بعد النجاح في تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، باعتبار أنه لم يفت الأوان أبداً، وأن الاتفاق الأخير كان مثالاً على تجاوز الخلافات، لكن في إسرائيل لا يريدون ذلك، ويرغبون بتأكيد التزامهم تجاه الولايات المتحدة، وهذا ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوجه دعوة لواشنطن من أجل زيادة المشاركة في الشرق الأوسط».
وكان نتنياهو، أكد أنه ليس «لديه علم بأي مبادرة أو اقتراح صيني لحل الصراع... وهي إشارة رفض وتأكيد، بأن إسرائيل ملتزمة تجاه الولايات المتحدة».
وتحدث نتنياهو أيضاً عن «احترامه للصين»، لكن أكد تحالفه المهم والضروري مع الولايات المتحدة، وضرورة مشاركة أميركية أكبر في الشرق الأوسط، مطالباً الإدارة في واشنطن، «بوضوح أكثر بشأن التزامها تجاه قضايا المنطقة».
وقال تومي شتاينر، هو مدير السياسات في «الشبكة العالمية الصينية الإسرائيلية والقيادة الأكاديمية» (سيغنال)، إن معنى تصريحات نتنياهو، هو «بأن حكومته بدأت تفهم أن التدخل الصيني في الشؤون السياسية والاستراتيجية بقضايا الشرق الأوسط، يمكن أن يضر بإسرائيل التي يجب أن تتصرف بحكمة تجاه ما يحصل».
وجاءت تصريحات نتنياهو، بعد أن أبلغ وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، نظيريه في «إسرائيل»، والسلطة الفلسطينية، عبر محادثات هاتفية منفصلة، بأن بلاده «مستعدة لتسهيل محادثات السلام، بين الطرفين».
كما جاءت المحادثات الهاتفية لوزير الخارجية الصيني، في خضم مساعٍ تبذلها الصين لترسيخ حضورها في المنطقة والاضطلاع بدور الوسيط الإقليمي... وشجع تشين غانغ نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين على «اتخاذ خطوات لاستئناف محادثات السلام»، مشيراً إلى أن «الصين مستعدة لتسهيل هذا الأمر».
وخلال محادثاته مع وزير الخارجية في السلطة رياض المالكي، قال تشين إن «بكين تؤيد استئناف المحادثات في أسرع وقت ممكن». كما شدد على أن بلاده تسعى للدفع باتجاه محادثات سلام على أساس تطبيق «حل إقامة الدولتين».
وفي حين يؤيد الفلسطينيون، التدخل الصيني وأي تدل آخر على قاعدة التخلص من رعاية الولايات المتحدة المنفردة لعملية السلام، لم يقبل الإسرائيليون من قبل أي تدخل لأي دولة أخرى.
وفي الأعوام القليلة الماضية سعى الفلسطينيون، وحاول الرئيس محمود عباس دفع دول العالم إلى إطلاق مؤتمر دولي للسلام، ينتج آلية متعددة الأطراف لرعاية العملية السياسية، تتكون من الولايات المتحدة والرباعية الدولية ودول أخرى، لكن واشنطن وتل أبيب رفضتا ذلك، ولم تقدم أي دول أخرى على التدخل. لكن في إسرائيل «ثمة قلق أوسع، من تعزيز الحضور الصيني بشكل عام، وليس فيما يخص القضية الفلسطينية وحسب».
وقال رون بن يشاي، المعلق العسكري والأمني لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه من المقلق «أن الصين تعزز قبضتها على الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة التي تعتبر القوة الراعية لإسرائيل في المنطقة»، منتقداً «تراجع الدور الأميركي في المنطقة مقابل صعود المنافس الرئيسي الصيني».
ويوجد بين إسرائيل والصين، تبادل تجاري ضخم وعلاقات جيدة، لكن مع تحفظات متعلقة بمراعاة الموقف الأميركي القلق من العلاقات الدافئة بين تل أبيب وبكين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.