قال النائب الأول لرئيس البرلمان الأوروبي جياني بيتيلا جياني، إن الأوروبيين بحاجة إلى إطار عمل جديد لتطوير مشروع جديد للتعاون بين أوروبا والعالم العربي. وأضاف في حوار مع «الشرق الأوسط»، جرى في لندن على هامش زيارته للأكاديمية الدبلوماسية: «أعتقد أنه ينبغي علينا التركيز على إقامة مشروعات محددة وملموسة، خاصة في مجال التعليم»، مشيرا إلى أن رأس المال البشري يشكل أهم الأصول في مجتمع اليوم.
وحول سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه ما يقع في سوريا، قال بيتيلا إن الاتحاد «لا يملك سياسة خارجية فاعلة». وأوضح أن «أوروبا ستظل دائما غير قادرة على الرد سياسيا ما لم تمنح الدول الأوروبية الاتحاد قدرا أكبر من القوة في السياسة الخارجية». وحول مطالب سياسيين بريطانيين بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، قال النائب الأول لرئيس البرلمان الأوروبي، إن هذا إن حدث «سيسبب كارثة للاقتصاد البريطاني». وفيما يلي نص الحوار.
* أكدت في الكثير من المناسبات على أهمية التعاون بين دول أوروبا والعالم العربي، فما رؤيتك لتحقيق ذلك؟
- فشل اتحاد البحر المتوسط، والآن نحن بحاجة إلى إطار عمل جديد لتطوير مشروع للتعاون بين أوروبا والعالم العربي. وأعتقد أنه ينبغي علينا التركيز على إقامة مشروعات محددة وملموسة، خاصة في مجال التعليم. وأرى أن رأس المال البشري يشكل أهم الأصول في مجتمع اليوم.
* كيف تنظر إلى الجدل بشأن التأييد الواسع الذي حصلت عليه الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وما توقعاتك بشأن تأثير ذلك على المجموعات العربية والإسلامية التي تعيش في أوروبا؟
- هذه قضية معقدة، وأعتقد أننا بحاجة إلى جهود ملائمة من النظام السياسي والمجموعات المسلمة لتهميش القوى المتطرفة.
* بلغ عدد السوريين المحتاجين إلى مساعدات إنسانية 9.3 مليون سوري، بحسب المفوضية الأوروبية. ورغم القلق العميق الذي أبداه الاتحاد الأوروبي، فإنه تحرك بصورة بطيئة تجاه حل القضية، فما السبب في ذلك؟
- هذا يعود إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يملك سياسة خارجية فاعلة، وعلى صعيد المساعدات الإنسانية فالاتحاد الأوروبي يبذل الكثير، لكنه بحاجة إلى إجابة سياسية، وأوروبا ستظل دائما غير قادرة على الرد سياسيا ما لم تمنح الدول الأوروبية الاتحاد قدرا أكبر من القوة في السياسة الخارجية.
* شهد «الربيع العربي» انتكاسة، واضطرابات متواصلة في ليبيا ومصر وتونس.. فما الأسباب الرئيسة لذلك؟
- التحول إلى الديمقراطية عملية بالغة التعقيد ولا تحدث في بضع سنوات، فهي تتطلب قدرا من الوقت، والأنظمة الاستبدادية السابقة تركت بناء سياسيا ضعيفا للغاية، وقد حان الوقت الآن لإعادة بناء نظام ديمقراطي. وحسب رأيي فإن هذه الدول تمر بظروف متباينة للغاية، فالنتائج في تونس إيجابية إلى حد بعيد.
* ما رأيك في بعض التصريحات التي تقول إن العالم العربي غير مستعد للديمقراطية بعد.. هل تتفق مع وجهات النظر تلك؟
- كلا على الإطلاق، فالديمقراطية قيمة عالمية لا تقتصر على الغرب وحده، لهذا مررنا نحن أيضا بالثورات التي مرت بها الدول العربية، قبل الوصول إلى ما نحن عليه من أنظمة سياسية.
* ما تقييمكم للحكومة التونسية حاليا والدستور الجديد؟
- أعتقد أنها خطوة بالغة الأهمية تجاه بناء تونس أكثر ديمقراطية وحرية وهي في الوقت ذاته مؤشر على أن العمل لم ينته بعد.
* التعليم والثقافة يقودان باتجاه تطوير المجتمع، فكيف تقيم التعليم والثقافة في أوروبا اليوم.. هل التعليم والثقافة في دولها يسيران بموازاة مع النسق التكنولوجي ووسائل الإعلام الجديدة؟
- ينبغي علينا بذل المزيد من الجهد، عبر دعم الموارد غير المادية مثل الإنترنت بصورة أكثر تأكيدا، وقد طالبت بتدشين برامج خاصة على المستوى الأوروبي لدعم المجتمع الرقمي. وشرعت الحكومة الفرنسية في تنفيذ هذا الاقتراح، وسوف تضع إيطاليا، الرئيس الحالي للاتحاد، هذه القضية كإحدى أبرز القضايا على أجندتها في النصف الثاني من العام.
* ما الذي تقوله لأبناء العالم العربي الذين يعتقدون أن أحداث الربيع العربي مؤامرة مدعومة من الغرب تهدف إلى رسم خريطة إقليمية جديدة؟
- أنا لا أؤمن بنظريات المؤامرة.
* هناك دعوات تحظى بتأييد واسع داخل المملكة المتحدة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فما الرسالة التي تعتقد أن الشعب البريطاني بحاجة لسماعها قبل انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى في مايو (أيار) المقبل؟
- ينبغي على الشعب البريطاني ألا يستسلم للشعور بالانتماء الوطني فحسب، فاللاعبون الرئيسون في الاقتصاد البريطاني كانوا واضحين، وأكدوا أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيسبب كارثة للاقتصاد البريطاني. وإذا أراد الناخبون تغيير أوروبا فالخيار الأفضل هو المشاركة في صناعة القرار.
* كيف ترد على الانتقادات المستمرة من أحزاب مثل حزب الاستقلال البريطاني بأن البرلمان الأوروبي غير ديمقراطي لما يتمتع به من سلطات، منذ اتفاقية لشبونة؟
- هذا غير صحيح، وأرى أنه ادعاء سخيف، فالبرلمان الأوروبي هو المؤسسة الأوروبية الوحيدة المنتخبة بشكل مباشر من قبل مواطني الاتحاد.
* كان الاقتصاد الأوروبي قضية رئيسة بالنسبة لك، ولأوروبا بشكل عام، خلال الفترة التي توليت فيها منصب نائب رئيس البرلمان، والتي أيدت خلالها إصدار سندات اليورو لبعض الوقت على الرغم من النتائج التي يمكن أن تسفر عنها هذه الخطوة والمتمثلة في توسيع الفجوة بين المملكة المتحدة ومنطقة اليورو.. ألا تشعر بأن مثل هذه الخطوة قد تشعر الشعب البريطاني بمزيد من الإقصاء عن المجتمع الأوروبي؟
- لا يستطيع أحد في أوروبا أن يستثني المملكة المتحدة، لكن في بعض الأحيان يخالجني شعور برغبة البريطانيين في إقصاء أنفسهم. أضف إلى ذلك أن خدمة الديون في منطقة اليورو مرتفعة للغاية، ولهذا السبب نحتاج إلى سندات اليورو. وإذا أرادت المملكة المتحدة الانضمام إلى مبادرة اليورو فهي موضع ترحيب.
* لا تزال أوروبا تواجه تبعات الأزمة الاقتصادية، فهل تعتقد أن التشريع الجديد الذي سيسهم في فتح الأبواب أمام الآخرين من الأوروبيين خاصة المنضمين الجدد، يمثل ضرورة في الوقت الراهن؟
- ما الذي تعنيه بكلمة «آخرين».. ومن هم الآخرون.. هل هم الرومانيون والبلغار والإيطاليون والألمان؟ إنهم ليسوا آخرين، بل هم أوروبيون لأنهم مواطنون أوروبيون، ودعني أذكركم بأن مئات الآلاف من البريطانيين يعيشون خارج بلادهم خاصة في جنوب أوروبا. فإذا أرادت المملكة المتحدة أن توصد الباب أمام الأوروبيين، فستفعل باقي دول أوروبا الشيء ذاته أمام البريطانيين، وهو ما سيأتي بنتائج غير طيبة.