قاض عراقي: حمايات المسؤولين أكبر من الجيش.. و722 ألف دولار لكل نائب في 4 سنوات

عبد اللطيف يكشف لـ {الشرق الأوسط} أرقامًا مذهلة عن الهدر والفساد

قاض عراقي: حمايات المسؤولين أكبر من الجيش.. و722 ألف دولار لكل نائب في 4 سنوات
TT

قاض عراقي: حمايات المسؤولين أكبر من الجيش.. و722 ألف دولار لكل نائب في 4 سنوات

قاض عراقي: حمايات المسؤولين أكبر من الجيش.. و722 ألف دولار لكل نائب في 4 سنوات

كشف النائب السابق في البرلمان العراقي القاضي وائل عبد اللطيف عن وجود جيش من حمايات الشخصيات في الدولة العراقية يزيد تعداده على الجيش العراقي الحالي، مشيرا إلى أن المخصصات والأرقام المالية المهولة التي تصرف إليه أرهقت ميزانية العراق وأوصلتها إلى العجز، وأن هناك تحايلا على القانون والدستور في هذا الشأن مورس على مر السنوات الماضية لإبقاء الامتيازات والمرتبات على حالها.
وقال عبد اللطيف، وهو وزير سابق في الحكومة العراقية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، {إن الأعداد التي جمعتها عن تعداد عناصر حمايات رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان ونوابهم وحمايات الوزراء ورؤساء الوزراء السابقين وشخصيات سياسية أخرى تجاوزت 25 ألف عنصر حماية، وهذا العدد يصرف لكل واحد منهم راتب مقداره مليون و900 ألف دينار عراقي (نحو 1500 دولار)، إضافة إلى مخصصات طعام وإسكان ومحروقات ومخصصات طبية}. وحسب عبد اللطيف {يضاف إلى هذا العدد عدد كبير جدا من حمايات أعضاء مجلس النواب ورؤساء المجالس في المحافظات والمحافظين ونوابهم وأعضاء مجالس المحافظات والمديرين العامين ووكلاء الوزارات، ليتجاوز العدد الإجمالي لأفراد الحمايات تعداد أفراد الجيش العراقي الحالي}. وقال: «هذه الأرقام بالتأكيد هي أرقام كبيرة جدا، ولا تنسجم مع وضع البلد، وعلى رئيس الوزراء العمل بشكل فوري لإنقاذ العراق من كارثة اقتصادية في حال استمرار هذا النزيف الهائل في المال».
وبالنسبة للامتيازات المالية للمسؤولين، كشف عبد اللطيف أن «مجموع ما يتقاضاه الوزير وعضو مجلس البرلمان، كراتب اسمي لمدة شهر واحد فقط، يبلغ 12 مليونا و900 ألف دينار، أي ما يعادل 10 آلاف و800 دولار أميركي، بشكل مقطوع. ويتضمن هذا المبلغ مصاريف الحماية والنفقات الأخرى للشهر الواحد، ولا تشمله أي ضرائب، وأضيف إلى هذا المبلغ بمقترح من عضو البرلمان السابق (شيخ النواب) خالد العطية مبلغ 3 ملايين دينار لإيجاد سكن يليق بالبرلمانيين، وقوبل المقترح بالقبول، وتمت زيادة راتب عضو البرلمان العراقي ليصل إلى 16 مليون دينار. ووفقا لهذه الأرقام، فإن مجموع ما يتقاضاه عضو مجلس النواب في السنة الواحدة يصل إلى نحو 150 ألفا و600 دولار أميركي، ليبلغ الإجمالي في أربع سنوات من عمر البرلمان نحو 722 ألف دولار أميركي. ويستمر النائب في الحصول على 80 في المائة من راتبه كراتب تقاعدي مدى الحياة».
وأشار عبد اللطيف، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون وعمل قاضيا في فترة ما قبل عام 2003، إلى أن «مجلس النواب سبق أن أقر قانونا يمنح بموجبه أعضاءه حق تملك قطعة أرض في أي مكان يرغبون فيه. كما نجحوا في اعتبار مبلغ قرض قيمته 70 مليون دينار (نحو 60 ألف دولار) قدم للنواب لشراء سيارات منحة بدعوى أنها صرفت على سيارات استهلكت في العمل»، مشيرا إلى «امتيازات إضافية حصل عليها النواب، منها سلف مالية معفاة من الضرائب (لغرض تحسين مستواهم المعيشي) بلغت قيمة كل سلفة منها 90 مليون دينار (76 ألف دولار)».
وتبدو هذه الأرقام مذهلة في ضخامتها إذا ما قورنت مع متوسط الدخل في العراق الذي بلغ، حسب بيانات رسمية، 266 دولارا شهريا (3200 دولار سنويا) في عام 2008، أي أن مرتب النائب يتجاوز 40 ضعفا عن متوسط دخل المواطن في العراق.
من جانبه، أكد الباحث والخبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية، رحيم الشمري، أن الأرقام تؤكد حجم المخاطر والتراجع المخيف في الاقتصاد العراقي بسبب انعدام التخطيط السليم والرؤية والتفكير الصحيح واستشراء الفساد المالي والإداري. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «إصلاحات رئيس الحكومة حيدر العبادي تستند للمادة 78 من الدستور العراقي، وهي صحيحة ودقيقة مائة في المائة، كون الواجب في مواجهة الظروف الصعبة يدخل ضمن السياسة العام للدولة التي ترسمها السلطة التنفيذية، وشملت الكلف العالية من رواتب الدرجات العليا والعاملين بالرئاسات الثلاث ومخصصاتهم الاستثنائية، بالإضافة إلى الجيش الثالث (الحمايات) والذي يبلغ عدد الأفواج العسكرية الخاصة فيه 15 فوجا مخصصة للرئاسات وشخصيات سياسية منهم من أُحيل إلى التقاعد، ويصل تعداد عناصرها إلى نحو 16 ألف عنصر، أي ما يعادل فرقة عسكرية قتالية، إضافة للحمايات الخاصة بأعضاء البرلمان الحاليين والسابقين التي تستهلك نصف ميزانية البرلمان العراقي حسب دراسة دقيقة أعدت نهاية العام الماضي، بسبب وصول هذه الأعداد إلى أربعة عشر ألف عنصر حماية، تضاف إليها الحمايات الشخصية الخاصة للوزراء والوكلاء والمديرين العامين والمستشارين التي يصل عدد أفرادها إلى نحو 22 ألف عنصر تتوزع على مديرية حماية الشخصيات في وزارة الداخلية وبعضها على وزارة الدفاع والبعض الآخر على ميزانية الوزارات».
وأضاف الشمري أن «هؤلاء لا يؤدون وفق القانون العسكري خدمة فعلية، في حين تصرف لهم ميزانية هائلة، وسياسة الإصلاح التي أعدت من قبل مساعدي رئيس الحكومة تتوقع سد ما بين 10 و15 في المائة من العجز الحالي، ومع الإصلاحات الأخرى في نظام الرواتب الموحد للجميع سيتجاوز العراق 35 في المائة من أزمته المالية الحالية».



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».