وارسو تقود حملة منع دخول الحبوب الأوكرانية المعفاة من الرسوم الجمركية إلى أراضيها

بوادر تصدّع دعم بلدان أوروبا الشرقية «غير المشروط سابقاً» لكييف

العلم الأوكراني مغطى بالحبوب في هذه الصورة التوضيحية التي التقطت يوم 9 مايو (أيار) 2022 (رويترز)
العلم الأوكراني مغطى بالحبوب في هذه الصورة التوضيحية التي التقطت يوم 9 مايو (أيار) 2022 (رويترز)
TT

وارسو تقود حملة منع دخول الحبوب الأوكرانية المعفاة من الرسوم الجمركية إلى أراضيها

العلم الأوكراني مغطى بالحبوب في هذه الصورة التوضيحية التي التقطت يوم 9 مايو (أيار) 2022 (رويترز)
العلم الأوكراني مغطى بالحبوب في هذه الصورة التوضيحية التي التقطت يوم 9 مايو (أيار) 2022 (رويترز)

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، تميّز موقف بلدان أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بقيادة بولندا، بدعم عسكري واقتصادي وإنساني غير مشروط لأوكرانيا، ودعوات متكررة لبقية الدول الأعضاء لزيادة مساعداتها في مواجهة الاجتياح الروسي.
لكن منذ أيام بدأت تظهر البوادر الأولى لتصدّع هذا الدعم، عندما اتخذت الحكومة البولندية موقفاً يرسم خطوطاً واضحة يقف عندها هذا الدعم في المجال الاقتصادي الذي يتبدّى يوماً بعد يوم أنه «كعب أخيل» الموقف الأوروبي الموحّد في وجه موسكو.
وكانت وارسو قد أعلنت رفضها السماح بدخول الحبوب الأوكرانية معفاة من الرسوم الجمركية إلى أراضيها، معطلة بذلك الخطة التي وضعتها المفوضية الأوروبية لمساعدة كييف على تصريف إنتاجها وإمداد أسواق الاتحاد بما تحتاج إليه من الحبوب والأسمدة للموسم المقبل.
ويأتي هذا الموقف على بعد أشهر قليلة من الانتخابات العامة المقررة في بولندا مطلع الخريف المقبل، حيث يواجه حزب المحافظين المتشدد «القانون والعدالة» اختباراً صعباً أمام المعارضة التي تتجه لتشكيل جبهة موحدة ضده.
وانضمت دول أخرى إلى الموقف البولندي، مثل المجر وسلوفاكيا، فيما تستعد رومانيا وبلغاريا لاتخاذ موقف مماثل يؤكد أن الدعم لأوكرانيا يتوقف حيث تبدأ المصالح الاقتصادية لهذه الدول.
ولا شك في أن هذا الموقف البولندي الجذري المفاجئ برفض دخول الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى من أوكرانيا، أو عبورها الأراضي البولندية، من غير رسوم جمركية، يعود للأجواء الممهدة للحملة الانتخابية؛ إذ تشير بعض الاستطلاعات إلى أن الحزب الحاكم قد يخسر أغلبيته بالبرلمان في حال خاضت المعارضة المعركة في جبهة موحدة.
وجاء الإعلان عن هذا الموقف على لسان رئيس الحزب، جاروسلاو كازينسكي، الذي لا يتولى أي منصب في الحكومة، خلال أول مهرجان انتخابي أمام جمهور معظمه من سكان الأرياف التي تشكل المعقل الرئيسي للحزب، وحيث خرجت مؤخراً مظاهرات تندد بالاقتراح الأوروبي لدخول الحبوب الأوكرانية إلى بولندا معفاة من الضرائب.
وأشارت استطلاعات أخرى إلى أنه حتى في حال فوز حزب «القانون والعدالة» في الانتخابات، فإنه سيحتاج لدعم أحزاب أخرى للبقاء في الحكم.
ويجمع المراقبون على أن قرار الحكومة البولندية انتخابي بامتياز؛ لأن المزارعين يشكلون كتلة الدعم الكبرى للحزب الحاكم، ولأنهم أوضحوا في الأسابيع الأخيرة اعتراضهم الشديد على اقتراح المفوضية وهددوا باللجوء إلى المظاهرات والإضرابات لمنع تنفيذه.
ويتزامن هذا التطور مع ظهور تيار سياسي جديد في المشهد السياسي البولندي يقوده حزب «الكونفدرالية» اليميني المتطرف الذي يرفع شعارات مناهضة لأوكرانيا والدعم الذي تقدمه لها الحكومة الحالية.
وترجّح الاستطلاعات حصول «الكونفدرالية» على ما يزيد على 10 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة؛ الأمر الذي قد يعطيه مفتاح تشكيل الحكومة البولندية الجديدة.
وتعدّ وسائل الإعلام البولندية المستقلة أن الحزب الحاكم قرر التضحية بأوكرانيا للحفاظ على مؤيديه في المناطق الزراعية، وأن هذا الموقف سيفتح جبهة جديدة في المواجهة مع الاتحاد الأوروبي ويهدر الرصيد المعنوي الذي اكتسبته بولندا منذ بداية الحرب بتقديمها الدعم لجارتها أوكرانيا.
وتحذّر مصادر في المفوضية من أن إصرار دول الكتلة الشرقية على نقض الاقتراح، من شأنه أن يتسبب في تصدّع الموقف الأوروبي الموحد ضد موسكو على جبهات أخرى أكثر حساسية.
يذكر أن البوادر الأولى على التغيير في موقف الحكومة البولندية بالنسبة إلى الدعم الذي تقدمه لأوكرانيا ظهرت منذ أسابيع عندما أعلنت أنها ستتقاضى جزءاً من الإيجار المستحق على اللاجئين الأوكرانيين الذين مضى على إقامتهم أكثر من 4 أشهر في المساكن التي قدمتها لهم الدولة.
ويبلغ عدد اللاجئين الأوكرانيين في بولندا حالياً 1.3 مليون، يقيم معظمهم في العاصمة وارسو والمدن الكبرى حيث بدأت تتكاثر في الفترة الأخيرة حالات تذمر المواطنين البولنديين من أن اللاجئين الأوكرانيين يلقون معاملة أفضل منهم.
وليس مستبعداً أن يصبح موضوع الإسكان مصدر توتر بين المحليين واللاجئين بسبب ارتفاع الإيجارات بعد أن زاد التضخم على 16 في المائة.
ويعترف المسؤولون في المفوضية بأن قرار بولندا منع دخول الحبوب الأوكرانية من غير رسوم جمركية فاجأ الجميع، بمن فيهم كييف التي كانت تتفاوض حول الموضوع مع الحكومة البولندية، علما بأن حكومات رومانيا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا وبولندا كانت قد وجهت رسالة إلى المفوضية مطلع هذا الشهر، تطالب فيها بإجراءات سريعة لتفادي الآثار السلبية التي قد تنجم عن زيادة الصادرات الزراعية الأوكرانية إلى أسواقها، أو بفرض رسوم جمركية على هذه المنتجات.
وبعد ساعات من القرار البولندي أعلنت المجر عزمها اتخاذ قرار مماثل في الأيام المقبلة، مما يشكّل أول توافق بين البلدين في المواقف من الحرب.
كما أعلنت سلوفاكيا منع دخول المنتجات الزراعية الأوكرانية بذريعة استخدام المبيدات، لكنها قالت إنها ستسمح بعبورها إلى بلدان أخرى، في الوقت الذي أعلنت فيه رومانيا وبلغاريا أنهما تدرسان اتخاذ قرار مماثل للقرار البولندي.
وفي أول تعليق لها على هذه التطورات، قالت المفوضية (الثلاثاء) إن التجارة من الصلاحيات الحصرية للاتحاد، وإنه لا يحق للدول الأعضاء أن تتخذ قرارات أحادية بشأنها.
وردّت الحكومة البولندية على الفور بأن من حقها اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة التي قد تتأثر جراء المبيدات التي تستخدم في أوكرانيا.
يذكر أن المفوضية الأوروبية سبق أن قدمت مساعدات مالية بمقدار 56 مليون يورو لبولندا ورومانيا وبلغاريا للتعويض عن الخسائر الناجمة عن استيراد الحبوب الأوكرانية، لكن هذه البلدان عدّت أن هذه المساعدات ليست كافية.


مقالات ذات صلة

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».