أفلام ومسلسلات بدّلت المجتمعات... وعدّلت القوانين

مجموعة من الأفلام التي أحدثت تغييرات اجتماعية
مجموعة من الأفلام التي أحدثت تغييرات اجتماعية
TT

أفلام ومسلسلات بدّلت المجتمعات... وعدّلت القوانين

مجموعة من الأفلام التي أحدثت تغييرات اجتماعية
مجموعة من الأفلام التي أحدثت تغييرات اجتماعية

يُحسَب للدراما المصرية أنها عاماً بعد عام، وموسماً تلفزيونياً رمضانياً تلو الآخر، تضيء على قضايا اجتماعية وحقوقية بهدف نشر الوعي حولها. منذ سنتين وكتّابُ المسلسلات ومنتجوها، يضعون في صلب أولوياتهم قضايا المرأة المغبونة من القوانين، والمظلومة من المجتمع.
لا يؤمَل من مسلسلات مثل «تحت الوصاية» (بطولة منى زكي)، و«عملة نادرة» (بطولة نيللي كريم)، أن تضيء على قضايا النساء فحسب، بل أن تُحدث تغييراً على المستوى القانوني في ما يتعلّق بحقوق الزوجة الأرملة من الميراث وحضانة الأولاد.

لعلّ مسلسل «فاتن أمل حربي» الذي عُرض خلال رمضان 2022، كان من أبرز الأعمال التي رفعت الصوت عالياً ضد الظلم اللاحق بالمرأة المطلّقة. شرّع المسلسل الذي أدّت بطولته الممثلة نيللي كريم، الأبواب أمام مزيد من الأعمال الدرامية الهادفة. وكأنّ الأمر تحوّل إلى «ترند» تقوده النساء المظلومات، إلى حين تغيير الواقع الظالم.
وفي ما اعتبرته كريم نتيجةً للوَقع الذي أحدثه «فاتن أمل حربي»، اتّخذ القضاء المصري العام الماضي قرارات متعلّقة بالمرأة المطلّقة، معيداً النظر في قانون الأحوال الشخصية. وليس مستبعداً أن تنتَج عن مسلسلات هذه السنة كذلك، تعديلاتٌ على القوانين المرتبطة بحقوق الأرملة.


تسترجع هذه المسلسلات الهادفة تقليداً كان قد أرساه عدد من الأفلام المصرية. أفلامٌ مثل «جعلوني مجرماً» (1955)، و«كلمة شرف» (1972)، و«أريد حلاً» (1975)، استطاعت أن تخترق جدران القوانين وتُحدث فيها تعديلات. فالفيلمان الأول والثاني اللذان أدّى بطولتيهما الفنان الراحل فريد شوقي، تسبّبا بتعديل في كلٍ من القانون المتعلّق بجنَح القاصرين، وذاك المرتبط بحقوق السجناء بتلقّي الزيارات وبالذهاب إلى عائلاتهم في الظروف الاستثنائية. أما الفيلم الثالث وهو من بطولة الفنانة الراحلة فاتن حمامة، فأوحى بتعديل على قانون الطلاق لصالح المرأة.

لطالما حرصت السينما الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، على تضمين أعمالها رسائل اجتماعية وإنسانية هادفة. وفي المكتبة السينمائية الأجنبية، كثيرةٌ تلك الأفلام التي نتجَ عنها تبدّلٌ مجتمعي أو اختراقٌ قانوني، إذ إن عدداً كبيراً من المنتجين والمخرجين يلتزمون بقاعدة أن الفيلم العظيم هو الذي يرفع نسبة الوعي، ويلمس القلوب والعقول، ويجعل المتفرّج يعيد النظر في أحكامه المسبقة.
ذهبت مجموعة من الأفلام والمسلسلات إلى حدّ إحداث تغييرات في تصرّفات المشاهدين ومواقفهم، مقدّمةً لهم مُثلاً عليا على هيئة ممثلين أبطال، ومسوّقةً لقيَمٍ وقضايا اجتماعية ملحّة لم تخطر في بالهم سابقاً. فما هي أبرز تلك الأفلام «التغييرية»... وما الأثر الذي تركته على المجتمع والقانون؟

«بامبي» ضد الصيد
قد لا يصدّق أحد أن فيلم رسوم متحرّكة مثل «بامبي»، موجّهاً في الأساس للأطفال، قد يتسبب بتحوّلات مجتمعية جذرية. إلا أن الفيلم الذي أنتجته شركة «ديزني» عام 1942، والذي يروي حكاية غزال صغير يواجه وحشيّة الصيّادين، لعب دوراً محورياً في الحرب ضد الصيد، وقد رُبط مباشرةً بتراجع هذا النشاط الذي كان يتهدّد حيوانات الغابات.


ملصق فيلم "بامبي" (والت ديزني بيكتشرز)

زواج أبيض وأسود
في وقتٍ كانت الزيجات بين المواطنين السود والبيض في الولايات المتحدة أمراً شبه مستحيل، جاء فيلم «خمّن من سيأتي للعشاء (Guess Who’s Coming to Dinner)» عام 1967 ليقلب الموازين في 17 ولاية أميركية كانت تجرّم قانوناً هذا الزواج المختلط. تحدّى الفيلم الأعراف العنصرية بسرده قصة حب تجمع بين فتاة بيضاء وشاب أسود يرغبان في الزواج. وقد تزامن إطلاقه مع إسقاط تلك القوانين بموجب قرار عُرف باسم «Loving v. Virginia».

مليون متعلّم بفضل مسلسل
في عام 1975، أطلق المنتج المكسيكي ميغيل سابيدو مسلسل «تعالَ معي (Ven Conmigo)» من أجل الترويج لتعليم الراشدين. من بين سطور السردية الدرامية، وجّه المسلسل رسائل إيجابية إلى البالغين لتشجيعهم على استئناف دراستهم. ويُعتقد بأنه ونتيجةً للأثر الذي تركه المسلسل على المشاهدين، تسجّل نحو مليون شخص غير متعلم في برامج محو الأمية عبر المكسيك، بهدف تعلّم القراءة والكتابة.

«الإيدز» ليس عاراً
عندما تُلبسُ الممثلَ الأحَب إلى قلب الأميركيين شخصيةُ رجل مصابٍ بالإيدز، لا بدّ أن يتعاطف المشاهدون معه وتلينَ مواقفهم حيال المرض. هذا ما أنجزه توم هانكس وفيلم «فيلاديلفيا» سنة 1993، فأسهَما في رفع وصمة العار عن المصابين، وانخراطهم من جديد في المجتمع. ولم يقتصر الوعي الذي نشره الفيلم على الولايات المتحدة فحسب، بل حقق نجاحاً على شبابيك تذاكر صالات السينما حول العالم.

ضد السلاح المتفلّت
قضية السلاح المتفلّت في الولايات المتحدة قديمة جداً، وقد ألقى الضوء عليها المخرج مايكل مور عام 2002 من خلال فيلم «بولينغ لكولمباين (Bowling for Columbine)». الفيلم المستوحى من المجزرة التي ارتكبها تلميذان سنة 1999 في مدرسة «كولمباين»، ضغط بشكل غير مباشر على سلسلة متاجر «Kmart»، حيث اشترى القاتلان ذخيرتهما. ونتيجةً للفيلم، أوقفت المتاجر بيع الذخائر في كل فروعها.

«سوبر سايز مي»
متجرٌ آخر رضخ لضغطٍ تسبب به أحد الأفلام. حدث ذلك عام 2004، بعد أن طرح المخرج مورغان سبورلوك فيلمه الوثائقي الشهير «Super Size Me». يتطرق العمل الصادم إلى مضار الطعام السريع على صحة الأميركيين، ويكشف كيف أنه السبب المباشر لأوزانهم الزائدة. فور عرض الفيلم، باشرت شبكة مطاعم «ماك دونالدز» بإدخال الفاكهة والخضراوات إلى قوائم طعامها، كما أنها ألغت وجبة الـ«Super Size» أو الحجم الضخم.

زواج المثليين
كان فيلم «Brokeback Mountain» الحائز 3 جوائز أوسكار عام 2006، طليعياً في طرح قضية العلاقات المثلية على الملأ. ويشير النقّاد السينمائيون إلى أن هذا الفيلم الأميركي كانت له اليد الطولى في تقبّل مجتمع الميم، كما أنه أسهم في تشريع زواج المثليين في بعض الولايات الأميركية.

قانون جريمة الشرف
يروي فيلم «فتاة في النهر: ثمن الغفران (A Girl in the River: the Price of Forgiveness)» حكاية فتاة باكستانية نجت من محاولة قتلها على يد والدها، بسبب وقوعها في حب «الرجل الخطأ». الوثائقي الصادر عام 2015 فاز بجائزة أوسكار، وحرّك مشاعر الملايين حول العالم، كما أنه دفع برئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف إلى تقديم وعد بتعديل قانون جريمة الشرف في البلاد.

«باراسايت» والمساكن الشعبية
يعرف كثيرون أن فيلم «طفيلي (Parasite)» حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً وحصد 4 جوائز أوسكار عام 2019، لكن قلّةً تعلم بالأثر الاجتماعي الذي خلّفه الفيلم. القصة التي تخترق الطبقة الاجتماعية الفقيرة في كوريا الجنوبية وتصوّر ظروف معيشتها، حثّت السلطات على التحقيق في هذا الواقع المزري. ونتيجةً لتلك المتابعة الرسمية، وُضع مخطط لإعادة ترميم 1500 مسكن شعبي في العاصمة سيول.



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».