هل يسعى العالم لفرض قيود على «تشات جي بي تي»؟

اتجاه أوروبي لتشريعات جديدة... ومطالب بقمة عالمية لـ«حوكمة الذكاء الصناعي»

شعار «تشات جي بي تي» (أ.ف.ب)
شعار «تشات جي بي تي» (أ.ف.ب)
TT

هل يسعى العالم لفرض قيود على «تشات جي بي تي»؟

شعار «تشات جي بي تي» (أ.ف.ب)
شعار «تشات جي بي تي» (أ.ف.ب)

أعلنت مجموعة من المشرعين الأوروبيين، اليوم (الاثنين)، عن عزمهم إضافة تشريعات قانونية جديدة للتحكم في التطور التكنولوجي، مطالبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بتنظيم قمة عالمية لـ«حوكمة الذكاء الصناعي»، الذي «يتطور بوتيرة أسرع من المتوقع»، فيما عُدّ «دفعة قوية» لكبح جماح تقنيات الذكاء الصناعي، وفي مقدمتها «تشات جي بي تي».
جاء هذا الإعلان عبر رسالة مفتوحة، نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، تحدثت عن «رغبة المشرعين الأوروبيين في منح سلطات قانونية للتحكم في تطوير تكنولوجيا الذكاء الصناعي التي تقف وراء إطلاق (تشات جي بي تي)»، وقالت الصحيفة إن «هذه أكبر دفعة حتى الآن لكبح واحد من أكثر الملفات سخونة في مجال الذكاء الصناعي».
ووفقاً للمشرعين الأوروبيين، فإن «الوتيرة السريعة لتطوير الذكاء الصناعي في الأشهر الأخيرة، تتطلب مجموعة من التشريعات القانونية الجديدة المصمَّمة للتعامل مع أدوات الذكاء الصناعي واستخداماتها لأغراض عامة».
وفي هذا الإطار، أعد مشرعون في الاتحاد الأوروبي مسودة قانون جديد أُطلق عليه اسم «قانون الذكاء الصناعي»، يستهدف «إضافة أحكام جديدة للاستفادة من هذه التقنية، بشكل آمن وجدير بثقة الإنسان»، حسب «وول ستريت جورنال».
وضمت الرسالة، حسب «رويترز»، 12 عضواً في البرلمان الأوروبي، يعملون على وضع التشريعات الأوروبية المتعلقة بالتكنولوجيا، وطالبت الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بـ«الدعوة إلى اجتماع رفيع المستوى بهذا الشأن».
وفي الوقت الذي يُتوقع فيه تمرير مشروع القانون في الاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري، رجّح خبراء أن «يكون هذا القانون مقدمة لتشريعات ومبادرات تنظيمية مشابهة في مختلف دول العالم».
الخبير الأردني المتخصص في تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي تامر حلبي، أكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «العالم يتجه لسن تشريعات من شأنها تقييد تكنولوجيا الذكاء الصناعي»، مشيراً إلى مقترح «الهدنة» الذي دعا إليه أخيراً مجموعة من العلماء، ومعهم رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك. وقال إنه «رغم هذا المقترح، فإن تطوير هذه التكنولوجيا لن يتوقف، وسيتسارع في الفترة المقبلة».
ونهاية الشهر الماضي، طالب متخصصون في التكنولوجيا في عريضة وقّع عليها أكثر من ألف عالم، بـ«هدنة صيفية» لمدة 6 أشهر، حتى «يتم الاتفاق على قواعد لـ(الحوكمة الرقمية)، ما يضمن استخدام الذكاء الصناعي لصالح البشرية»، محذرين من أن «تسهم التكنولوجيا في نشر المعلومات الزائفة».
وأشارت الدكتورة رضوى عبد اللطيف، مديرة العلاقات الأكاديمية في «مؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف» في دبي، إلى أن «قضية حوكمة الذكاء الصناعي محل نقاش منذ سنوات، لا سيما مع ظهور تأثيرها على مجالات الإعلام والأمن الرقمي، من خلال التزييف العميق، والاستخدامات غير المنضبطة، لكن لم يتم اتخاذ إجراء بشأنها، في إطار (أخلاقيات الذكاء الصناعي)». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «ظهور (تشات جي بي تي)، وقدرته على التحايل في الإجابات، زاد من المخاوف بشأن هذه التقنية، ما دفع لتحريك المناقشات بشكل أكبر».
وأضافت أن «الحديث الآن يتجه لسن تشريعات دولية، للتعامل مع تكنولوجيا الذكاء الصناعي، لا سيما أن هناك حاجة ملحة لذلك الآن في ضوء التطور السريع للتقنية، وقدرتها على تغيير شكل المحتوى على الإنترنت». ولفتت إلى أن «الحكم على فاعلية هذه القوانين مرهون بالتطبيق على الأرض».
وفي دراسة أُجريت أخيراً على «تشات جي بي تي»، تمكّن روبوت الذكاء الصناعي من التحايل على إنسان وإقناعه بأنه بشر، وطلب منه أن يجيب بدلاً منه عن سؤال رمز «كاباتشا» (أنا لست روبوتاً)، بحجة أنه (تشات جي بي تي)، «مصاب بمشكلة في النظر، تجعل من الصعب عليه تحديد ماهية الصور في رمز كاباتشا».
وبينما يؤكد حلبي «أهمية وضع تشريعات لحوكمة الذكاء الصناعي»، إلا أنه يرى أن «التشريعات القانونية لن تكون فعالة بالشكل الكافي».
وقال إن «دول العالم لديها سياسات تتعلق بأخلاقيات الذكاء الصناعي، لكنها لا تتعدى كونها وثائق لا تتحكم ولا تقوم بالرقابة الاستباقية على أدوات الذكاء الصناعي، إنما يتم تفعيلها بين الحين والآخر حال وجود مخالفات قانونية».
وأضاف خبير تكنولوجيا المعلومات أن «أحد التحديات الخطيرة المرتبطة بتكنولوجيا الذكاء الصناعي يتعلق بالخصوصية، لا سيما مع قدرة هذه التطبيقات على توليد صور وفيديوهات غير حقيقية لأشخاص حقيقيين، اعتماداً عل خوارزميات الذكاء الصناعي».
وبداعي حماية الخصوصية، اتخذت هيئة تنظيم الخصوصية الإيطالية، بداية الشهر الجاري، قراراً بحظر «تشات جي بي تي»، لـ«قيامه بجمع بيانات المستخدمين بشكل غير قانوني».
ويشير حلبي إلى أن «كل الابتكارات من هذا النوع تأخذ فترة طويلة في البحث والتطوير، على سبيل المثال مشروع (تشات جي بي تي) يتم تطويره منذ سنوات، لكن لم يعرف عنه الجهور إلا بعد طرحه تجارياً»، وأضاف أن «تطوير هذه التطبيقات من أفراد أو شركات ناشئة، وأحياناً في دول ليست لديها أو لا تلتزم بالتشريعات، يجعل من الصعب التحكم بها قانونياً، لا سيما مع إمكانية أن تعمل هذه الشركات على تطوير تقنياتها في دول لا تفرض قيوداً على الذكاء الصناعي». ويضيف أن «الأمر يحتاج إلى تشريع عالمي لا يرتبط بدولة محددة».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».