دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

المرشح الجمهوري في سباق البيت الأبيض.. ظاهرة تحير علماء السياسة

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص
TT

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

يوم الأحد الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» (العدد الأسبوعي)، وفي عدد واحد ثمانية تقارير عن دونالد ترامب، ملياردير العقارات الذي ترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. هذه عناوين التقارير: «آلام النمو لرجل ظهر فجأة في المقدمة» و«قادة الحزب الجمهوري قلقون من إساءات ترامب، لكنه لا يهتم» و«تاريخ تصرفات ترامب الخرقاء» و«منافسو ترامب ينتقدونه لإساءة المشرفة على المناظرة» و«ما لم يقل ترامب عن إفلاسه، أربع مرات» و«ترامب شاور بيل كلينتون قبل أن يترشح»، و«ترامب: نجحت في العقارات، وسأنجح في السياسة» و«فكاهيات: هل سيشتري ترامب البيت الأبيض؟». وفي مناظرة يوم الأربعاء الماضي، فاز ترامب على بقية المرشحين بفروقات كبيرة.. فمن هو هذا الرجل الذي يقيم الأرض ولا يقعدها في الولايات المتحدة؟

في العام القادم، سيكون عمر ترامب سبعين عاما، قضاها كلها، تقريبا، في بيع وشراء عقارات، منذ أن كان صبيا يزور مكتب والده، الذي كان من كبار مستثمري العقارات في نيويورك. هاجر جده من أبيه إلى أميركا من اسكوتلندا، وهاجر جده من والدته إلى أميركا من ألمانيا. عن هذا كتبت مجلة «تايم»، في سرد لسيرة حياته، أنه جمع بين «تشدد الألمان ومغامرات مرتفعات اسكوتلندا». عندما كان في المدرسة الابتدائية، قدم محاضرات عن أنواع العقارات. وعندما كان في المدرسة الثانوية، كان، فعلا، يبيع ويشترى عقارات (بمساعدة والده). وعندما جاء وقت الدراسة الجامعية، أرسله والده إلى ربما أشهر كلية إدارة الأعمال في الولايات المتحدة.. وارتون (جامعة بنسلفانيا).
في عام 1968 وكان عمره 22 عاما، تخرج بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد، وكان عنوان رسالته: «استهداف الطبقة الوسطي في شراء وبيع العقارات». بعد تخرجه، تبع القول بالفعل.
أكمل مشروعا كان بدأه وهو في الجامعة: شراء وتحسين ثم بيع شقق «سويفتون» في سنساتي (ولاية أوهايو). واصطاد عصفورين بحجر واحد: الأول: كتب رسالة البكالوريوس عن المشروع. الثاني: استفاد من الدراسة في تنفيذ المشروع. وهكذا، بدا في طريق جعله واحدا من أشهر ملوك العقارات في أميركا، وفي العالم. حتى صار اسم «ترامب» مطابقا لاسم عقارات ناجحة. بدأ يكرر تجربة شقق «سويفتون» اشتراها بسبعة ملايين دولار، ثم صرف مليون دولار لتحسينها، ثم باعها بعشرة ملايين دولار. عندما اشتراها كانت نسبة الشقق المؤجرة 60 في المائة. وعندما باعها، كانت النسبة 100 في المائة.

صفقات نيويورك
خلال السنوات القليلة التالية، وقبل أن يصل عمره إلى ثلاثين عاما، عقد سلسلة صفقات مع بلدية نيويورك: أولا: اشترى «بن سنترال» (مركز المواصلات في نيويورك) بستين مليون دولار، من دون أي مقدم نقدي. وطوره لتصير قيمته، خلال خمس سنوات، ضعف قيمته الأولى.
ثانيا: اشترى فندق «كومودور» الذي كان أعلن إفلاسه، وحوله إلى فندق «غراند حياة»، واحد من أرقى فنادق نيويورك. ثالثا: في عام 1986 كانت ترميمات شقق «وولمان» استغرقت أربع سنوات أكثر من المدة المقررة. ومن دون دعم مالي من بلدية نيويورك، تبرع ترامب، وأكمل الترميمات، خلال ثلاثة أشهر فقط، وبتكاليف تقل مليون دولار عن ما كانت قررت البلدية. بعد نجاحاته في نيويورك، انطلق إلى مدن أميركية أخرى. ودخل عالم كازينوهات وفنادق القمار. في عام 1988، اشترى كازينو وفندق «تاج محل» من نجم برامج التلفزيون ميرف غريفين.
لكن، عندما دخل دنيا الكازينوهات والقمار. زاد طمعه. وفجأة، في عام 1990 واجهت شركاته إفلاسا شاملا. ولم تستطع إكمال ثالث فنادق وكازينوهات «تاج محل» بقيمة مليار دولار. واضطر لإعلان إفلاس شركاته (وليس إفلاسه هو شخصيا). خلال العشر سنوات التالية، خرج من الكارثة بعد أن ركز على ناطحات السحاب في نيويورك: أولا: «برج ترامب العالمي» السكني، الذي يتكون من 72 طابقا، بالقرب من مبنى الأمم المتحدة. ثانيا: «ترامب بالاس» السكني على نهر هدسون. ثالثا: «فندق ترامب العالمي»، قرب سنترال بارك.

منافسة بلومبيرغ
هكذا، ربط اسمه باسم عقاراته. اليوم، يملك أكثر من خمسين عقارا عملاقا باسمه في الولايات المتحدة، ومثل هذا العدد خارج الولايات المتحدة. منها: فندق «ترامب إنترناشيونال» في هاواي: «برج ترامب» في شيكاغو: «برج ترامب» في فورت لوترديل (ولاية فلوريدا): «كازيون ترامب» في أتلانتيك سيتي (ولاية نيوجيرسي)، الخ..
في بداية هذا العام، قالت مجلة «فوربز» (لرجال الأعمال) إن ثروة ترامب وصلت إلى أربعة مليارات دولار. وقال نفس الشيء تلفزيون «بلومبيرغ» (الذي يملكه مايكل بلومبيرغ، ملياردير الإعلام، وسابقا عمدة نيويورك). لكن، غضب ترامب، وزمجر، وقال إن ثروته ثمانية مليارات دولار، وهي أكثر من ثروة بلومبيرغ. وقال: «يحسدني بلومبيرغ، وجند تلفزيوناته وإذاعاته ليحتقرني». في وقت لاحق، تأكد أن ثروة بلومبيرغ عشرة مليارات دولار (أغنى من ترامب). وأن ثروة ترامب الإجمالية هي، نعم، ثمانية مليارات دولار، لكن، نصفها ديون، مما يخفضها إلى أربعة مليارات دولار.
لكن، يظل ترامب يتفوق على بلومبيرغ، وعلى غيره من المليارديرات الأميركيين، بمزيد من المغامرات. خلال العشر سنوات الماضية، دخل مجالات جديدة: «مطاعم ترامب» و«بوفيهات ترامب» و«آيس كريم ترامب» و«سفريات ترامب» و«إكسسوارات ترامب» و«عطور ترامب» و«ساعات ترامب» و«شيكولاته ترامب» و«فودكا ترامب» و«ويسكي ترامب» و«ستيك ترامب» و«مجلة ترامب» و«إذاعة ترامب» (ربما الأخيرتان لمنافسة عدوه اللدود بلومبيرغ).

الألماني الاسكوتلندي
في العام الماضي أثار ترامب النقد (والإعجاب، وأيضا الغيرة) عندما اشترى نادي غولف «دونبيغ» في آيرلندا، واحدا من أشهر أندية الغولف في العالم. ويراه كثير من الآيرلنديين جزءا من تراثهم التاريخي. (لعنت صحيفة آيرلندية ترامب. ووصفته بأنه «هذا الاسكوتلندي المغامر»).
في الشهر الماضي، عندما انتقد ترامب المهاجرين غير القانونيين من المكسيك، وأساء إليهم، ووصفهم بالكسل، والفساد، واغتصاب النساء، قاطع تلفزيون «إن بي سي» منافسات ملكة جمال العالم، التي كان ينقلها كل عام. ولم يكن كثير من الناس يعرفون أن ترامب هو صاحب شركة منافسات ملكة جمال العالم، وأيضا صاحب شركة منافسات ملكة جمال الولايات المتحدة (اشترى الشركتين عام 1996).
في عام 1983. اشترت ترامب فريق «الجنرالات» (ولاية نيوجيرسي) لكرة القدم. وبعد خمسة أعوام، باعه إلى وولتر دنكان، ملياردير النفط في ولاية أوكلاهوها. وبعد خمسة أعوام أخرى، اشتراه مرة أخرى. وفي كل مرة، زادت أرباحه. وهكذا، يشتري الفاشل، ويحسنه، ويبيعه، ويربح. وهكذا، على خطى والده. لكن، بينما كان الوالد يشترى ويبيع عمارات سكنية يعيش فيها فقراء (مثلا: عمارات سكنية في حي «هارلم» في نيويورك)، صار الابن يشتري ويبيع الفنادق الراقية وكازينوهات القمار.

إساءات
في تقرير عن «إساءات ترامب، خاصة ضد النساء والأنثويات (قادة منظمات مساواة المرأة بالرجل)، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الإساءات ليست جديدة على ترامب. بل اشتهر بها خلال مناورات، ومساومات، ومراهنات، ومراوغات، شراء وبيع العقارات، فقط، لم يكن الناس يعرفونها إلا عندما ترشيح لرئاسة الجمهورية. وصارت التلفزيونات والصحف ومواقع الإنترنت تتابعه خطوة بخطوة. من بين هذه: أولا: في الشهر الماضي، قال عن المهاجرين غير القانونيين من المكسيك: «صارت الولايات المتحدة مقلب زبالة لمشاكل الدول الأخرى. انتهت هجرة العباقرة والأذكياء إلينا. صارت المكسيك ترسل إلينا أصحاب المشاكل. جاءوا إلينا مع مخدراتهم، وجرائمهم، واغتصاباتهم». وأضاف: «لكن، بعضهم طيبون».
ثانيا: في مناظرة المرشحين من الحزب الجمهوري يوم الأربعاء، شن ترامب هجوما شخصيا على ميغان كيلي، التي اشتركت في تقديم الأسئلة خلال المناظرة. قال إنها تعودت على أن تسأله أسئلة حرجة. وإنها غاضبة عليه، وإن غضبها «يسيل منها كالدم، من فمها، ومن أماكن أخرى (العادة الشهرية؟)..». وفي الحال، احتجت كيلي، واحتج تلفزيون «فوكس» الذي قدم المناظرة، وانتقد ترامب حتى بقية المرشحين الذين اشتركوا معه في المناظرة. يوم الاثنين، في تلفزيون «سي إن إن» قال ترامب: «ليست إساءة الناس من عاداتي». ولم يعترف. ولم يعتذر.

طموحات سياسية
في عام 1997، أصدر ترامب كتاب «ترامب: فن الانتصار بعد الفشل» (بعد أن أعلن إفلاس شركاته أربع مرات). وكتب فيه عن صديقه الرئيس بيل كلينتون: «فشل ثم نجح (في مناصب سياسية في ولاية أركنساس). وها هو الآن رئيس أميركا.. اقدر على أن افعل أكثر ذلك».
كان ذلك ثالث كتاب أصدره، كلها، طبعا، عنه هو، وفيها اسمه في كل عنوان كتاب: «ترامب: فن الصفقات» و«ترامب: الحياة في القمة».
في ذلك الوقت، تحدث ترامب عن طموحاته السياسية. كان يميل نحو الحزب الديمقراطي. لكن، كان كلينتون (وزوجته) يسيطر على المسرح الديمقراطي. لم يكن هذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يتحول إلى الحزب الجمهوري. كانت الأسباب الرئيسية هي: أولا: صفقاته، ومناوراته، ومساوماته التجارية، واستغلاله قوانين الضرائب والعقارات.
ثانيا: فلسفة «السوق المفتوحة» التي تطلق عنان الرأسماليين، وتقلل سيطرة الحكومات.
ثالثا: «عادات اجتماعية» تربى عليها.
في أكثر من كتاب، قال إنه «رجل تقليدي»، وانتقد النساء، وانتقد المهاجرين، وانتقد دول العالم الثالث. وها هو، بعد عشرين عاما، يثير المشاكل بسبب ذلك.
كتب عن ثلاث نساء تزوجهن، واحدة بعد الأخرى (على الأقل، فشل مرتين). وعن «طمع النساء» (لجوء زوجات وصديقات سابقات إلى المحاكم للحصول على تعويضات بملايين الدولارات).
في الجانب الآخر، صار واضحا أن النساء لا يرتحن له: في الماضي، بسبب مشاكله الزوجية وغرامياته. وفي الحاضر، خلال الحملة الانتخابية (وإساءة مذيعة التلفزيون كيلي). وأوضح استطلاع نشرت نتيجته في الأسبوع الماضي (قبل إساءة كيلي)، أن النساء يكرهن ترامب بنسبة ضعف كراهية الرجال له.
في الحقيقة، أساء ترامب إلى كيلي بعد أن سألته سؤالا لا يخلو من إساءة: «لماذا تحتقر النساء؟ لماذا تنتقدهن في حسابك في (تويتر)؟ لماذا كتبت في كتبك أنك تحتقرهن؟ لماذا تصف النساء بأنهن كلاب وخنازير سمينة؟ ما هو رأيك فيما قالت هيلاري كلينتون بأنك تقود حربا ضد النساء؟».

إلى أين؟
يوم الاثنين، كتب ليون هادار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ماريلاند: «تحير علماء السياسة واحدة من مفارقات المعارك الانتخابية الأميركية: يميل أبناء الطبقة الوسطى والدنيا من البيض نحو انتخاب مرشحين جمهوريين لرئاسة أميركا يسعون إلى إضعاف دولة الرفاهية، ويريدون خفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والاقتصادية والحد من سلطة النقابات العمالية».
وأضاف: «يبدو غريبا أن الغالبية العظمى من الناخبين البيض في اثنتين من أفقر الولايات الأميركية، تينيسي وويست فرجينيا، يدعمون المليونير الجمهوري والمرشح المؤيد لقطاع الأعمال، دونالد ترامب. بينما يؤيد الناخبون في أغنى منطقتين في البلاد، بيفرلي هيلز ومقاطعة مارين (لوس أنجليس) باراك أوباما الذي وعد بزيادة الضرائب المفروضة عليهم».
وأضاف هادار: يصف ناقدون ترامب بأنه «مسخرة» أو «مجنون». لكنه يظل يفوز ويفوز: 10 في المائة، 20 في المائة، والآن ما يقرب من 30 في المائة من أصوات الجمهوريين. لهذا، أتوقع أن يصل إلى نهائي المنافسات، رغم أنه وصف مرشحين معارضين له بأن واحدا «غبي»، وواحدا «أبله»، وواحدا «خاسر»، والمذيعة كيلي «دموية»، والمهاجرين المكسيكيين «مغتصبون». وانتقد وسخر من بطل حرب فيتنام، جون ماكين.
وقال هادار: «الحقيقة هي أن كل تنابز جديد يساعده في الحصول على مزيد من الزخم السياسي.. هذا ما يحير علماء السياسة الأميركيين».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.