نبروه... «قلعة الفسيخ في مصر»

سمك الفسيخ في مدينة نبروه المصرية (أ.ف.ب)
سمك الفسيخ في مدينة نبروه المصرية (أ.ف.ب)
TT
20

نبروه... «قلعة الفسيخ في مصر»

سمك الفسيخ في مدينة نبروه المصرية (أ.ف.ب)
سمك الفسيخ في مدينة نبروه المصرية (أ.ف.ب)

تطأ قدماك شوارع مدينة نبروه المصرية بمحافظة الدقهلية في دلتا النيل، فيخيّل إليك للوهلة الأولى أنك في منطقة ساحلية، رغم أنها لا تطل على بحر، وذلك بسبب رائحة السمك المملح المنبعثة من محالها العديدة، الذي يطلق عليه المصريون اسم «الفسيخ».
ويقول شريف اليماني البالغ من العمر 44 عاماً، صاحب أحد أبرز محال بيع الفسيخ في نبروه، لوكالة الصحافة الفرنسية، بينما يفتح برميلاً خشبياً مغطى بالورق، «نبروه هي قلعة الفسيخ في مصر».
ويحتوي البرميل وعدد آخر من البراميل قربه، على كمية من الأسماك.
ويتابع اليماني: «نحن نتقن هذه الصنعة، وأنا أعمل في هذا المجال منذ 26 عاماً. تعلمتها على يد شقيقي الراحل الذي تجاوزت خبرته فيها أكثر من 40 عاماً».
ويروي أنه منذ أكثر من مائة عام، كانت هناك ثلاث أو أربع عائلات بدأت حرفة تمليح الأسماك. ومع مرور الزمن، امتهن عدد كبير من السكان الصنعة، وأصبح الإقبال على شراء الفسيخ من نبروه «سواء في الأعياد والمواسم أو غيرها، جيداً للغاية»، مضيفاً: «إننا نستقبل زبائن من جميع محافظات مصر».

وعرف المصريون القدامى الفسيخ منذ أكثر من أربعة آلاف عام، بحسب عالم الآثار المصري البارز زاهي حواس، الذي أكدّ في تصريحات سابقة، أن مركز الفسيخ أو السمك المملح عند الفراعنة كان في إسنا في جنوب البلاد.
وقال حواس: «في اكتشافاتنا الأثرية، كشفنا آثاراً تثبت أن المصريين القدامى كانوا يملّحون الأسماك لتطول فترة صلاحيتها للأكل ويتمكّن العمّال من تناولها أثناء بناء الأهرامات».
ويقول اليماني إن الإقبال على شراء الفسيخ كان كبيراً في الأسبوع السابق لشهر رمضان، مشيراً إلى أن الصائمين يخشون الشعور بالعطش في حال تناولوا الفسيخ خلال الشهر. وبعد الصيام، «يكون الجميع ملهوفين عليه».
ويرجع اليماني أسباب شعبية الفسيخ في نبروه إلى «النظافة والتمليح... نحن نترك الفسيخ على طبيعته لا نستخدم مع الأسماك سوى الملح والماء».
في محافظات أخرى، قد يلجأ منتجو الفسيخ أو بائعوه إلى إضافة بعض التوابل أثناء عملية التمليح، وفق اليماني الذي يقول إنه يحرص من جهته على احترام رغبة الزبائن الذين يميلون، وفق قوله، إلى المذاق الأصلي.
في المكان، ينشط عمّال في صفّ الأسماك واحدة فوق الأخرى بطريقة معينة بعد تصفيتها من الماء داخل براميل خشبية، ويرشّون ملحاً خشناً بين طبقات السمك وصولاً إلى آخر طبقة في البرميل. ويضعون بعدها كيساً بلاستيكياً على الوجه، وكمية من الملح فوقه لحمايته من تسرّب أي شيء إليه.

ولا يتحمّل البعض رائحة السمك القوية في المكان، لكن كثيرين يستمتعون بتناول لحمه. وبالتالي، يبقى السمك البوري المملح أو الفسيخ من أكثر الوجبات والأطعمة المثيرة للجدل في مصر.
ويقول كريم عبد الجواد، أحد زبائن محل اليماني، لوكالة الصحافة الفرنسية، بعد أن اشترى كمية من الفسيخ له ولأسرته: «أقود سيارتي من محافظة الغربية لكي أشتري الفسيخ من نبروه... له مذاق آخر»، مضيفاً: «الفسيخ لا تنفع معه التجارب... لا بدّ أن تشتريه من مكان تعرفه».
في أعياد الربيع، وهي أكثر المواسم التي يتناول فيها المصريون هذه الوجبة، تُنسب حالات تسمم غذائي أحياناً إلى الفسيخ.
لكن اليماني يقول: «الفسيخ برئ مما يشاع عنه، فطريقة تعامل البائع معه هي النقطة الفاصلة».

وهناك معايير معينة لتحضير الفسيخ، لا يجب تمليحه وهو لا يزال رطباً، كما هناك كمية معينة من الملح يجب استعمالها، لتجنّب تسببه بتسميم.
وتأثر الفسيخ بموجة غلاء الأسعار التي تشهدها مصر. ويقول اليماني: «لم نكن نتخيّل أن نبيع بهذه الأسعار في نبروه، ولكن لم يتأثر الإقبال على الفسيخ»، وفق قوله.
وتتراوح أسعار هذا السمك حالياً بين 220 و240 جنيهاً (نحو 7 إلى 8 دولارات)، للكيلوغرام من الحجم الكبير.
من القاهرة، أتى محيي الدين عبد الوارث، وهو ضابط شرطة، إلى نبروه لشراء السمك، ويقول إن المدينة «منبع الفسيخ»، مشيراً إلى أنه يزورها للمرة الأولى، لكنه كان يطلب في الماضي من أقارب له شراء السمك من المكان الذي يبعد قرابة 150 كيلومتراً عن العاصمة المصرية.



روبوت بحجم راحة اليد ينفذ مهام دقيقة في البيئات القاسية

الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)
الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)
TT
20

روبوت بحجم راحة اليد ينفذ مهام دقيقة في البيئات القاسية

الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)
الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)

طوّر مهندسون من جامعة يوكوهاما الوطنية في اليابان روبوتاً بحجم راحة اليد، قادراً على العمل بدقة فائقة في جميع الاتجاهات، حتى في أكثر البيئات قسوةً وتطرفاً.

وأوضحت النتائج، التي نشرت الجمعة، بدورية «Advanced Intelligent Systems» أن الروبوت الجديد يمكنه العمل في البيئات المعزولة، والمختبرات عالية الأمان، وحتى البيئات الفضائية، حيث يصعب على البشر التدخل.

واستلهم الباحثون تصميم الروبوت (HB-3) من خنافس وحيد القرن، وهي حشرات معروفة بحركتها القوية والمتعددة الاتجاهات، ما جعلها نموذجاً مثالياً لتطوير روبوت صغير يتمتع بالاستقلالية والدقة الفائقة. ويبلغ وزن الروبوت، الملقّب بـ«الخنفساء الآلية»، 515 غراماً فقط، وحجمه لا يتجاوز 10 سنتيمترات مكعبة، وهذا يجعله أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة.

ويتميز الروبوت بقدرة فريدة على التحرك في جميع الاتجاهات بدقة عالية، معتمداً على مشغلات كهروضغطية (Piezoelectric Actuators)، وهي تقنية تحول الطاقة الكهربائية إلى حركة ميكانيكية دقيقة للغاية. وتعمل هذه المشغلات بطريقة تشبه العضلات الصناعية، حيث تتمدد أو تنكمش عند تطبيق مجال كهربائي، مما يمنح الروبوت قدرة غير مسبوقة على التحرك بدقة تصل إلى مستوى النانومتر.

ووفق الباحثين، يتم التحكم بحركات الروبوت عبر دائرة قيادة مدمجة تعمل بمعالج متقدم، ما يتيح له تنفيذ مهام معقدة دون الحاجة إلى كابلات خارجية. كما زُوّد بكاميرا داخلية وتقنيات تعلم آلي، وهذا يسمح له بالتعرف على الأجسام وضبط حركاته في الوقت الفعلي وفقاً للبيئة المحيطة به.

بالإضافة إلى ذلك، يمكنه استخدام أدوات مختلفة، مثل ملقط دقيق لالتقاط وتجميع المكونات، وحاقن صغير لوضع قطرات دقيقة من المواد، كما يمكن تحويل أدواته إلى مجسات قياس، أو مكواة لحام، أو مفكات براغي، مما يمنحه مرونة واسعة للاستخدام في نطاقات مختلفة.

وأظهرت الاختبارات كفاءة عالية للروبوت في تنفيذ مهام متعددة داخل بيئات مغلقة، باستخدام أدوات دقيقة مثل ملقاط تجميع الشرائح الدقيقة أو محاقن لتطبيق كميات متناهية الصغر من السوائل، حيث حقق دقة فائقة مع معدل نجاح بلغ 87 في المائة.

بيئات صعبة

ووفق الباحثين، صُمم الروبوت للعمل في بيئات يصعب فيها التدخل البشري، حيث يمكن استخدامه في الجراحة الدقيقة ودراسة الخلايا، إضافة إلى تحليل المواد النانوية داخل البيئات المعقمة، ما يجعله أداة مهمة في مختبرات التكنولوجيا الحيوية والفيزياء المتقدمة.

وفي الصناعة الدقيقة، يساهم الروبوت في تصنيع المكونات الإلكترونية الصغيرة مثل رقائق أشباه الموصلات، مع القدرة على العمل في البيئات القاسية مثل الفراغ أو الغرف ذات الضغط العالي.

وخلص الباحثون إلى أن هذا الابتكار يمثل خطوة نحو روبوتات دقيقة مستقلة، مع إمكانات ثورية في المجالات الطبية والصناعية والبحثية. ورغم إنجازاته، يسعى الفريق إلى تحسين سرعة المعالجة وتطوير كاميرات إضافية لتعزيز دقة التوجيه مستقبلاً.